الشخصية المازوخية.. لماذا يستمتع أصحابها بالتعرض للتعذيب والإهانة

  • 2019/08/25
  • 11:54 ص
الشخصية المازوخية

Image Source: Canva

د. أكرم خولاني 

إن الاعتداد بالنفس ورفض الإهانة أو التحقير لها أمر طبيعي ومن صفات النفس البشرية السوية، إلا أن بعض الناس يشعرون بالمتعة عندما يتعرضون للإهانة أو التعذيب والإذلال، وتعتبر هذه الحالة نوعًا من أنواع اضطرابات الشخصية، وهي ما يسمى بـ “المازوخية”.

ما المقصود بـ “اضطراب الشخصية المازوخية”؟

المازوخية (Masochism) أو اضطراب الشخصية المازوخية (Masochistic personality disorder) هو اضطراب نفسي وجنسي، وفيه يقوم الشخص بإيذاء نفسه لفظيًا أو بدنيًا، لذلك يسمى أيضًا اضطراب الشخصية المحبطة للذات أو اضطراب الشخصية المهزومة ذاتيًا، ولكي يوصف الشخص بأنه مازوخي لا بد أن يكون الألم حقيقيًا أي مصحوبًا بفعل وليس مجرد رغبة أو توهم.

وتعود تسمية “المازوخية” إلى روائي وصحفي نمساوي يدعى ليوبولد مازوخ، وهو صاحب رواية شهيرة عرفت باسم “فينوس في معطف الفرو”، تروي قصة الكاتب نفسه صاحب الشخصية المازوخية وعشيقته، لذلك استعار الطبيب النفسي ريشارد فون كرافت اسم “مازوخ” لوصف ما بات يعرف لاحقًا باسم “المازوخية”، وذلك في كتاب له أصدره عام 1886 حول الشذوذ الجنسي.

من خصائص هذه الشخصية أنها تسعى بكل الطرق إلى أن تكون في الأماكن والمواقف التي يتوفر لها الأذى فيها، وتسعى لتحقير النفس وإيذائها، مع الشعور بالمتعة واللذة الداخلية عند ممارسة ذلك، بالرغم من الظهور بمظهر الشكوى، والظهور بمظهر الضحية المقهورة.

وعادة ما يتلقى المازوخي الألم من شخص آخر، وهذا الشخص أو الشريك الجنسي، يمكن أن يكون إنسانًا عاديًا وطبيعيًا، ويقوم بتعذيب المازوخي بناءً على طلبه، أو قد يكون شريكًا جنسيًا، ذا شخصية سادية، أي أنه يعشق توجيه الألم للآخرين في أثناء الممارسة الجنسية، وفي هذه الحالة فإنه يطلق على الممارسة “سادومازوخية” Sadomasochism)).

ولكن بشكل عام، فإن المازوخية لا تستلزم دومًا وجود الشريك الجنسي، فأحيانًا يقوم الشخص المازوخي بتوجيه الألم إلى نفسه عن طريق الجلد أو الجرح بالسكين أو الحرق… وقد يكون ذلك في أثناء ممارسته للعادة السرية.

والاعتقاد السائد هو أن تكون المرأة مازوخية والرجل ساديًا، إلا أنه في كثير من الأحيان يرغب الرجل بأن يكون مازوخيًا في علاقته الجنسية، فنجده لإشباع رغبته الجنسية في أثناء العلاقة الحميمية يطلب من زوجته إيذاءه وضربه وسبّه، كأن يطلب تقييده بالسلاسل، أو جلده بالسوط، أو تقييده بالكرسي، أوغيرها من الأمور الشاذة، بهدف الاستمتاع بالعلاقة الحميمية.

ما أسباب الإصابة بالمازوخية؟

لا يعرف سبب واضح ومؤكد يفسر لماذا يمكن أن يكون الشخص مازوخيًا، ولكن هناك بعض النظريات:

  1. معظم المازوخيين يكونون قد تعرضوا في البداية للعديد من حوادث العنف الأسري، وبشكل خاص من الذكور، كأن تعمل الأم باستمرار على إهانة طفلها وإجباره على القيام بما تود هي أن يقوم به، فتكون نتيجة حوادث العنف هذه أن الشخصية تنحبس بالداخل ولا يمكن للشخص التعبير عن نفسه، فيجد راحته في الشعور بالمذلة والمهانة، أو قد يكون العنف بمعاملة الزوج لزوجته، وذلك الظلم الذي يقع على الأم أمام أطفالها ينعكس على سلوكهم بتقمص شخصية الأم الضعيفة، أو اللجوء لتعذيب النفس وإيلامها، في محاولة لتخفيف حدة القلق وتأنيب الضمير.
  2. التعرض للحوادث الجنسية مثل التحرش أو الاغتصاب أو مشاهدة الأفلام الإباحية سبب أساسي ورئيسي في الإصابة بهذا النوع من الاضطرابات، وبشكل خاص من الإناث، وذلك لأن الأنثى في هذه الحالة تشعر وكأنها هي المذنبة، التي تسببت في اغتصابها أو التحرش بها فتفضل الانسحاب والعيش في سجن نفسها.
  3. قمع الأفكار العشوائية الشاذة والتخيلات الجنسية الممنوعة، فيتم كبتها أو رفضها، ومع الزمن تصبح أكثر إلحاحًا بالترافق مع أنها محرمة أو ممنوعة، وعندما يتمكن الشخص من ممارستها على نفسه فإنه يحقق حالة من الإثارة أو اللذة، فيرتبط بتلك الرغبة ويستمر في ممارستها.
  4. يعتبر هذا النوع من السلوكيات سبيلًا للهروب (من الواقع) من خلال تطبيق سلوكيات موجودة في مخيلته مع أشخاص جدد ومختلفين.

ما أعراض اضطراب الشخصية المازوخية؟

عادة ما يبدأ الشخص معاناته بداية من مرحلة المراهقة، وتصاحب المريض لفترات متباينة تتناقص أو تزداد تبعًا لحالته، وتكون تفاعلاته مع المواقف مختلفة، فالمواقف الإيجابية يتفاعل دائمًا فيها بالاكتئاب أو الشعور بالذنب والألم، ويتمكن من جلب غضب الآخرين وسوء معاملتهم له، وبعد ذلك يشعر بالذنب، ويقف دائمًا في طريق إسعاد نفسه ويرفض خوض التجارب الممتعة، وتتصف الشخصية المازوخية بما يلي:

  • تطلق الحجج والتبريرات من دون أي سبب.
  • تتناول الطعام بكثرة حتى تشعر بالألم.
  • تتهرّب من تحقيق أهدافها عندما تقترب من تحقيقها.
  • تتهرب من العلاقات الناجحة والسعيدة.
  • تنهي علاقاتها بأصدقائها لأسباب تافهة.
  • تعمد إلى صرف أموال أكثر مما لديها عن قصد.
  • تتعاطى الكحول والمخدرات.
  • تتسامح مع من يسيطر عليها.
  • تتسامح مع الذين يضرّون بها.
  • ترفض الدفاع عن نفسها.
  • تتمسك بالمشاعر المؤلمة.
  • تنتقد نفسها باستمرار.

كيف يشخص اضطراب الشخصية المازوخية؟

تشخص المازوخية عند وجود الصفات الآتية بالشخص:

  • يختار الأشخاص والمواقف التي تسبب له الإحباط والفشل، أو سوء العاملة، على الرغم من توافر خيارات أخرى أفضل يمكن أن يتجنب بها ما سبق.
  • يرفض محاولات الآخرين مساعدته.
  • يتفاعل مع المواقف الإيجابية بالاكتئاب والذنب أو سلوكيات أخرى تتسبب في إحداث الألم له.
  • يستجلب الغضب وسوء المعاملة من الآخرين ويشعر بالذنب بعد ذلك.
  • يرفض فرص التجارب الممتعة، ويعترض على إسعاد نفسه.
  • عدم القدرة على إنجاز مهماته الشخصية رغم امتلاك القدرة على إنجازها.
  • يرفض الأشخاص الذين يتعاملون معه بصورة جيدة.
  • يتورط في التضحية المفرطة بالذات من دون طلب من الآخرين.

ويجب ألا تكون السلوكيات السابقة هي نتيجة مشكلة حالية كالاعتداء الجسدي أو الجنسي.

كما يجب ألا تكون السلوكيات السابقة تحدث فقط في أثناء نوبات الاكتئاب، وإنما بصورة ثابتة.

أما المازوخية الجنسية فلتشخيصها يجب أن يمر الشخص بتجارب جنسية ذات محفزات وأفعال عنيفة كالضرب، والإذلال، والتقييد، أو أي نوع من الأفعال المسببة للألم، هذا النوع من المحفزات والتخيلات والسلوكيات يجب أن يبدو ظاهرًا خلال ستة أشهر على الأقل.

كيف يجب التعامل مع المصاب بالمازوخية؟

بصورة عامة، وعلى عكس السادي، يتلقى المازوخي الألم ولا يوجهه للآخرين، لكن الخطورة تكمن في إمكانية تسببه بأذى جسيم لنفسه، لذلك على المقربين أن يقوموا بتوعية الشخص المازوخي شيئًا فشيئًا، ليرى سلبيات الأفكار والسلوكيات الخاطئة التي يقدم عليها، وأثرها على أسرته وعلى علاقاته الاجتماعية وسمعته، ويجب تشجيعه على زيارة الطبيب المختص، للتحكم بمشاعره وأفكاره، لأنها تتطور لاحقًا إلى شذوذ، وينصح بإشغال الشخص المازوخي بالعديد من الأنشطة والتمارين لإبعاده عن هذه الأفكار السلبية.

وفي حالة إصابة أحد الزوجين بالمازوخية الجنسية فعلى الطرف الآخر التستر على حالته وعدم إفشاء أي من أخبار سلوكه أمام الآخرين.

كيف يتم علاج الإصابة بالمازوخية؟

تحتاج معالجة هذا الاضطراب النفسي إلى سنوات من المعالجة، خاصة مع ارتباطه بمعتقدات الشخص وظروف عيشه ونمط سلوكه، وهي خصائص لا تتغير بسرعة، وتشمل المعالجة:

العلاج النفسي (المعرفي): يتم بإشراف طبيب نفسي، ويقوم على تعريف المازوخي بمخاطر وسلبيات سلوكه وشخصيته على الأسرة بأكملها، وعلى علاقاته الاجتماعية.

العلاج السلوكي (الضبط الذاتي): وهذا قد يتضمن التنظيم والسيطرة على نمط الاستثارة، وكذلك تنمية وتعزيز المهارات الاجتماعية لدى المريض.

العلاج النفسي المتوجه نحو الاستبصار: ويتم من خلال عدد من الجلسات النفسية الفردية، وفيها تدرس حالة المريض وتاريخه المرضي والشخصي بالتفصيل للكشف عن الأسباب النفسية الكامنة خلف هذا السلوك، وبالتالي يصبح من السهل على المريض التحكم في هذا السلوك بشكل واع.

العلاج الدوائي: يجب اللجوء إليه في حالة الاكتئاب أو الانفصام، التي تصاحب المازوخية أحيانًا.

 

مقالات متعلقة

  1. في نفس الحائط.. في نفس المكان كل مرة
  2. قرآن من أجل الثورة 25
  3. الاستعراء.. أحد أشكال الشذوذ الجنسي
  4. لبسة الجنس الآخر.. أو شهوة الملابس المغايرة

أسرة وتربية

المزيد من أسرة وتربية