عنب بلدي – يامن مغربي
دفعت مجموعة من الظروف التقنية والسياسية، أهمها تطور التكنولوجيا وغياب الرقيب، الفيلم السوري القصير للانتشار بشكل واسع على صعيد عدد صانعيه والمتابعين على حد سواء.
ومع هذا الانتشار وتحقيق نجاحات لافتة في مهرجانات عالمية لأفلام سورية قصيرة، يبقى سؤال مطروح في أوساط صانعي الأفلام: من يستحق لقب المخرج؟ وهل يكفي كم الأفلام المنتجة للتغطية على النوع؟
مساحة واسعة لم تُستثمر
منذ عام 2011، ظهرت إلى النور عشرات الأفلام السورية، من طرفي الصراع، موالاة ومعارضة، حاولت طرح وجهة نظر وأفكار كلا الطرفين، ونقل معاناة السوريين اليومية، وإن بقيت حبيسة مواضيع محددة.
ويقول محمد الشامي، وهو صانع أفلام سوري وعضو نقابة الفنانين اللبنانيين، لعنب بلدي، إن الثورة خلقت مساحة فكرية إضافية لصناع الأفلام يستوحون منها أفكارهم، موضحًا أن فرصة خوض مثل هذه التجارب زادت بعد انتشار وسائل التكنولوجيا، التي تمكن بعض الأشخاص من صناعة مشاريعهم باستخدامها، وهذا ما يؤكده ظهور مسابقات تقوم على صناعة الأفلام باستخدام كاميرا الهاتف المحمول.
بينما يرى مدير التصوير السينمائي، أسامة حريدين، أنه “منذ عام 2011 صار هناك مجال أوسع وأكبر لخوض التجربة، لكن للأسف لم نشاهد الكثير من الإنتاجات السينمائية على صعيد الأفلام القصيرة التي نستطيع القول إنها خرجت من رحم المعاناة أو رحم الثورة، ونرى أن أفضل الأفلام التي تحدثت عن معاناة الناس خلال هذه السنوات صنعها غير السوريين. للأسف فشلنا في صناعة شيء يشبهنا بشكل حقيقي”.
ويعزو حريدين هذا “الفشل” إلى أن “كثيرًا من الشباب العاملين في حقل صناعة الأفلام القصيرة هم خريجو دورات تدريبية قصيرة، يخرج منها الشاب معتقدًا أنه أصبح مخرجًا أو مصورًا أو سيناريست، ما رفع درجة الأنا لديهم، وهذا ما انعكس على المحتوى الفني في المنتج”.
الكم أم النوع؟ فوضى أم إبداع متاح؟
توجد حالة جدلية في سوريا، نتجت عن صراع بين الأكاديميين الذين درسوا الإخراج والسينما وبين المخرجين الشباب، إذ يتهم جزء من الفريق الأول الشباب باستخدام قاعدة “الفن لا قاعدة له” للهروب من عناصر في الصناعة لا يمكن تجاوزها، وهو ما ينعكس على التعاون بين الفريقين والتنافس على فرص العمل أيضًا، إذ يشير أسامة حريدين إلى أن عشرات الخريجين السوريين من معاهد وكليات السينما حول العالم، لا يجدون فرصة لإنتاج أفلامهم.
وتدخل في صناعة السينما عدة علوم فلسفية ونظرية وعملية، لا يمكن اكتسابها بأيام، بل تحتاج إلى سنوات من الدراسة وتراكم الخبرات، حسب قول حريدين، وهذا ما أدى إلى تصدير أشخاص لا يملكون القدرة ولا الموهبة لإنتاج الأفلام، لتظهر محاولات لا تشبه الواقع ولا المجتمع.
ويعتبر محمد الشامي أن أغلب الأعمال الناجحة يعود الفضل فيها إلى الفنانين الموهوبين المشاركين فيها، وغالبًا يكون خلفهم مخرج أكاديمي درس عناصر صناعة هذا الفن السينمائي.
الأمر ليس بسيطًا، يقول محمد الشامي، فالسينما هي “الصناعة الفنية التي تجمع الفنون كلها، من الفن التشكيلي إلى المشاهد السينمائية والموسيقا التصويرية المحاكية للحالة النفسية للمشهد السينمائي، وسيكولوجية كل لقطة بحجمها وزاوية تصويرها وتكوينها تعكس الروح الفنية للمخرج، وهذا ما ينقص صناع الأفلام الجدد”.
تجارب شابة وصلت إلى العالمية
لكن هذا لا ينفي وجود تجارب شابة لمخرجين تمكنوا من صناعة أفلام قصيرة، توجت بجوائز عالمية، باجتهاد هؤلاء المخرجين والتعلم من الأخطاء والاطلاع على التجارب السينمائية العالمية.
ويتفق أسامة حريدين مع محمد الشامي في هذه النقطة تحديدًا، ويقول إن هناك جيلًا من الشباب المخرجين يكافح لصناعة أفلامه، وصناعة سينما سورية حقيقية.
وأضاف أن “المحيط المعطل كمًا ونوعًا أقوى من الشباب السوري، المحيط هنا هو المنظمات والمؤسسات الداعمة لصناعة الأفلام، وسواء كانت هذه المنظمات والمؤسسات موالية للنظام السوري أم مؤسسات معارضة، فقد دمرت أحلام هؤلاء الشباب”.
وفي حديث سابق مع الممثل والفنان السوري، نوار بلبل، رأى أن كل شيء يصور للثورة السورية من كل أنواع الفنون في الحالتين إما يبقى ويخلد أو يموت بالتقادم، وبحسب تعبيره، “يبقى الثمين ويسقط الغث”.
وأضاف بلبل لعنب بلدي أنه لا يمكن اليوم لوم السينما والفنون بشكل عام، باعتبار الحدث في البلاد أكبر بكثير من السينما وأكبر بكثير من اختصاره أو توظيفه بفيلم أو بمسلسل أو رواية، مشيرًا إلى أن هذا سيوثق لاحقًا بالتدريج رويدًا رويدًا.
صعوبة صناعة الأفلام القصيرة
يكمن الفارق بين الفيلم القصير والطويل في المدة الزمنية وما يترتب عليها من تفصيلات تتعلق بالقصة والصراع وعناصر أخرى، إلا أن قصر المدة الزمنية لا تجعل عملية صناعة الفيلم القصير أكثر سهولة.
وفي هذا الصدد يشير أسامة حريدين إلى أن أهم صعوبة في الأفلام القصيرة هي خضوعها لقواعد اللغة السينمائية خلال مدة زمنية معينة، والدراسة الأكاديمية وحدها لا تكفي للحصول على هذه اللغة، لأنها تحتاج إلى الوقت والممارسة والاطلاع الواسع على أعمال سينمائية قصيرة خضعت لهذه اللغة.
بينما يقول محمد الشامي إن المعايير الفنية لصناع هذه الأفلام هي التحدي الأول والأكثر صعوبة، معتبرًا أن الأفلام القصيرة أصبحت متاحة للجميع وأُنتجت أعداد هائلة منها، لكن على الصعيد الفني لا يطلق مسمى فيلم حقيقي إلا على عدد قليل جدًا منها.
هل يرتبط مستقبل صناعة السينما السورية بالأفلام القصيرة؟
تبرز أهمية صناعة الفيلم القصير بصقل مهارات صناعه لدخول سوق العمل في مشاريع أكبر وأفلام روائية طويلة مع خبرة أكبر، إضافة إلى عملية فهم خلق الرؤية الإبداعية للمخرج وفريق العمل، وهو ما يسهم برفع مستوى الأفلام المنتجة لاحقًا وفهم آلية صناعة السينما بشكل عام.
ويشير محمد الشامي إلى ضرورة الدراسة الأكاديمية لخلق سينما حقيقية ومبدعة بكل عناصرها، لما توفره من الاطلاع على تجارب المخرجين المحليين والعرب والعالميين، بالإضافة إلى العلوم النظرية والعلمية الأخرى المتعلقة بالصناعة، من الفلسفة والدراما والتاريخ السينمائي وغيرها.
بينما يؤكد أسامة حريدين أن الجيل الحالي من الممكن أن ينجح بصناعة سينما سورية حقيقية بشرط فهم السينما بلغتها الحقيقية، وأبعاد الفن السابع وإلامَ يرمز، وكيفية فهم السينما ليستطيع صناعتها لاحقًا، أما إذا بقي الوضع على ما هو عليه فالفشل حليف الجميع حكمًا، بحسب تعبيره.
ويشير أسامة إلى أن المشكلة في النهاية ليست مشكلة إمكانيات، بل بالكم الكبير من المخرجين وصناع الأفلام الموجودين فعلًا… ومَن منهم يستحق لقب مخرج حقًا؟
أهمية الأفلام القصيرة
يرى أسامة حريدين أن الأهمية الأولى للأفلام القصيرة أنها لا تخضع للرقابة الحكومية، لذا تستقطب الشباب وتحاكي وجدانهم، ونجدها تنتشر كثيرًا في أوقات الحروب والأزمات، بالإضافة إلى انخفاض تكاليفها تحديدًا مع انتشار التكنولوجيا الحديثة في المجال السينمائي.
كما تكمن جماليتها في مدتها القصيرة، ولذا من السهل أن تروي القصة من خلالها بغض النظر عن المساحة الزمنية، والحكم الرئيسي فيها هو خضوع العمل للغة السينمائية، ولأي مدى لديه أفق فني في تنفيذ الفكرة.
أغلب الأفلام الطويلة تخضع لشروط الإنتاج والسوق والربح المادي، بعكس الأفلام القصيرة، التي يمكن اعتبارها فنًا لأجل الفن فقط.