تجارة الأختام تنهي حقبة المخاتير في ريف حمص
حمص – عروة المنذر
شغلت دوائر المختار في سوريا نقطة ارتكاز أساسية مع تبدل السيطرة بين النظام والمعارضة خلال السنوات الماضية، وذلك لأهمية الختم الرسمي للأوراق الثبوتية، ولصعوبة الاستعاضة عنه في مناطق المعارضة.
مع توسع سيطرة المعارضة السورية، عملت الأجهزة الأمنية على سحب دوائر الدولة من المناطق التي بقيت خارج سيطرتها، لتبقي على دوائر ومؤسسات محددة، كالمدارس ودوائر المخاتير.
ويحتاج المواطنون السوريون إلى ختم المختار لتوثيق شهاداتهم الرسمية، من الزواج والوفاة والسكن وغيرها، وهذا ما جعل مهمة المختار مستمرة حتى مع سيطرة المعارضة على مناطق واسعة في سوريا، لكن في حالة ريف حمص الشمالي، فإن مهمة المخاتير انتهت بعد فترة التسويات.
تجارة الأختام
كان المخاتير قبل عام 2011، يتقاضون مبالغ رمزية مقابل ختمهم للأوراق المراد استصدارها من قبل المواطنين بما لا يتجاوز 100 ليرة سورية للورقة الواحدة (دولاران تقريبًا آنذاك)، أما بعد سيطرة فصائل المعارضة على ريف حمص الشمالي فبدأ المخاتير برفع تسعيرتهم لتتجاوز الـ 20 ألف ليرة مقابل تصديق إحدى الأوراق مستغلين حاجة السكان لعدم قدرتهم على الوصول إلى مناطق النظام، ولعدم قدرة مؤسسات المعارضة على تقديم خدمات متعلقة بالسجل المدني.
أحمد أبو إسماعيل، وهو من سكان مدينة تلبيسة، يقول لعنب بلدي، “خلال سنوات سيطرة الفصائل المعارضة على المنطقة استغلنا المخاتير بشكل غير مسبوق وبدؤوا بجمع ثرواتهم مقابل استصدار شهادة الوفاة أو تسجيل وقائع الولادة، ولعدم قدرتنا على الوصول إلى المستشفيات التي تعترف بأختامها دوائر الدولة في حال الوفاة أو الولادة، خضعنا لسلطة المخاتير في استصدار الأوراق، ما دفع ضعفاء النفوس منهم لتقاضي مبالغ وصلت إلى أكثر من 20 ألف ليرة، مقابل ختم الأوراق الرسمية”.
أحد المحامين من منطقة سهل الحولة، (تحفظ على ذكر اسمه لدواع أمنية) يضيف لعنب بلدي، أنه “في حالات الوفاة الناجمة عن القصف الذي كان يستهدف المنطقة، كان المواطنون مجبرين على دفع مبالغ للمخاتير مقابل استصدار شهادة الوفاة”.
ويوضح المحامي، “في حالات كثيرة كانت جثث القتلى تفقد ملامحها فلا يستطيع أحد التعرف إليها، والدليل الوحيد على وقوع الوفاة هو معرفة السكان المحليين بوجود الشخص في المبني الذي استُهدف، ما جعل السكان تحت رحمة المختار، لأن الأخير يستطيع ببساطة نكران وقوع الوفاة في سبيل الحصول على مبلغ مادي، خاصة وأن المخاتير بشكل عام كانوا من أصحاب الولاء للنظام، ولا يتم تعيينهم من دون الموافقات الأمنية”.
ويشير المحامي إلى أن المخاتير في المنطقة بمعظمهم “من أزلام النظام بامتياز، لكن الحاجة الملحة لهم ولأختامهم أجبرت فصائل المعارضة على غض الطرف عنهم، خاصة مع عدم قدرة مؤسسات المعارضة على تقديم البديل فيما يخص خدمات السجل المدني”، بحسب تعبيره.
المخاتير رهن الاعتقال بعد المصالحة
بعد اتفاق “المصالحة” الذي فرضه النظام وحليفه الروسي في ريف حمص الشمالي، في أيار 2018، سحبت قوات النظام الأختام من المخاتير بشكل فوري، وعينت مخاتير جددًا بدل المخاتير الذين عملوا خلال سيطرة قوات المعارضة على المنطقة.
لم يكن ملف الفساد الذي طالهم هو سبب اعتقالهم كما اعتقد أهالي المنطقة للوهلة الأولى، إنما إصدار شهادات وفاة لأشخاص أحياء كان السبب الرئيسي وراء اعتقالهم.
استدعي المخاتير بعد توقيعهم على بنود التسوية إلى فرع أمن الدولة أكثر من مرة، ومن ثم دخلوا أقبية الفرع، والسبب الرئيسي كان تقارير أمنية وثقت قيامهم بتوفية أشخاص لا يزالون على قيد الحياة، في الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة أو في دول اللجوء.
وتوجد أسباب دفعت بعض الأشخاص لدفع مبالغ لتوفية أنفسهم في سجلات النفوس، أبرزها الالتحاق بفصائل المعارضة أو التنظيمات الجهادية، وقاموا بمعاملة الوفاة لضمان عدم الملاحقة الأمنية لذويهم، أو لوجود شابين فقط في العائلة، فتتم توفية المسافر منهما، ليصبح الثاني وحيدًا ويعفى من خدمة العسكرية الإلزامية.
ومنذ سيطرة النظام السوري على ريف حمص الشمالي في أيار 2018، اعتقلت أجهزته الأمنية ما يزيد على عشرة مخاتير في المنطقة، بحسب ما وثقت عنب بلدي، بتهم مختلفة أبرزها إصدار شهادات وفاة لأشخاص لا يزالون على قيد الحياة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :