المنطقة الآمنة.. مشروع قائم وتفاصيل مؤجلة

  • 2019/08/25
  • 12:22 م

نور عبد النور | مراد عبد الجليل | ميس حمد

بقعة جديدة على الخريطة السورية يرسمها الراصدون للتصريحات الأمريكية التركية، بلون مغاير لـ “الأصفر” الذي يغطي الجزء الشمالي الشرقي من سوريا في الخرائط العسكرية، تشير إلى “منطقة آمنة” في بلد مضطرب.

تفتح تلك البقعة، التي تشكل جزءًا من الشريط الحدودي السوري مع تركيا، الباب أمام تطبيق تفاهمات تركية- أمريكية في المنطقة، تحقق مصالح الطرفين بشكل أساسي، بينما تُحسب مصالح الأطراف المحلية المرتبطة بكليهما على أساس التصور النهائي عن تلك المنطقة.

ورغم الغموض الذي ما زال يلف تفاصيل المنطقة الآمنة، بدأت خطوات إنشائها تجري بشكل متسارع، في ظل تعتيم أمريكي تركي على التوافقات المرحلية والنهائية بالنسبة لها.

وتقابل التحركات الأمريكية والتركية ردود فعل محلية تتراوح بين الرفض والارتباك والتأييد الكامل لفكرة إنشاء المنطقة الآمنة.

بينما يطغى الطرح التركي على أغلب التصورات بشأن المنطقة ومستقبلها العسكري والسياسي والخدمي، ويشكل أساس بناء المواقف المحلية حولها.

كما تحرك المنطقة الآمنة أسباب الحديث عن عودة اللاجئين السوريين، على اعتبار أنها ستكون تحت حماية الأطراف المعنية بإنشائها.

يناقش هذا الملف التصورات المختلفة لشكل المنطقة الآمنة المراد إنشاؤها في شمال شرقي سوريا، والمواقف حيالها من قبل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، كما يسلط الضوء على تحركات المعارضة فيما يخص مستقبل تلك المنطقة، والمخاوف الكردية منها.

قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أثناء إزالة التحصينات العسكرية على الحدود مع تركيا 22 آب 2019 (البنتاغون)

الشكل.. العمق.. الأثر

حسابات المنطقة الآمنة رهن تفاهمات أمريكا وتركيا

تحظى فكرة إنشاء المنطقة الآمنة في شمال شرقي سوريا بقبول ودعم محلي وإقليمي ودولي، لا يعكر صفوه سوى موقف النظام السوري الرافض والمستند إلى مبدأي “السيادة والشرعية”، ومخاوف حليفيه الروسي والإيراني.

وتقود الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا مواقف باقي الأفرقاء المحليين في سوريا، حول الخطوط العامة المتمثلة بالشكل والعمق، والتي تبنى عليها تفاصيل ترتبط بمستقبل المنطقة وإدارتها ودورها في الحل السياسي المنشود.

تصرّ تركيا على أن يتراوح عمق المنطقة الآمنة بين 30 و40 كيلومترًا، تضمن بها تقييد الوجود الكردي، المتمثل بـ “الإدارة الذاتية” سياسيًا، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عسكريًا، على اعتبار أن جزءًا كبيرًا من تلك المنطقة سيقام في مناطق نفوذها.

بينما تعارض الولايات المتحدة الأمريكية أن تمتد المنطقة الآمنة على كل تلك المساحة، دون أن تعلن عن موقف نهائي من عمقها، أو تصور معلن لامتدادها.

ورغم الخلاف الأمريكي- التركي حول هذا التفصيل، اتخذ الطرفان خطوات مشتركة لتسريع إقامتها، وتوصلا، في 7 من آب الحالي، إلى اتفاق يقضي بإنشائها.

وبدأ في 13 من آب الحالي إنشاء البنية التحتية لمركز العمليات في ولاية شانلي أورفا التركية، الخاص بإدارة المنطقة الآمنة في الشمال السوري.

كما تجلى أول التطمينات الأمريكية لتركيا في تدمير “قسد” التحصينات العسكرية في “المنطقة الآمنة”، في 24 من آب، بإشراف “التحالف الدولي”، الأمر الذي تم “بعد 24 ساعة من الاتصال الهاتفي بين الرئيسين التركي والأمريكي، رجب طيب أردوغان ودونالد ترامب”، بحسب وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون).

شكل المنطقة من وجهة نظر محلية

تتبنى المعارضة السياسية السورية وجهة النظر التركية، في أن يصل عمق المنطقة الآمنة بين 30 و40 كيلومترًا، بحسب مسؤول لجنة الجزيرة والفرات في “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، ياسر الفرحان.

كما تطمح المعارضة، وفق الفرحان، إلى أن تمتد المنطقة الآمنة في العمق أكثر من 30 كيلومترًا عن الحدود التركية، لتشمل باقي مناطق محافظة الحسكة، ومحافظتي دير الزور والرقة.

لكن هذا التصور لا يرضي الكرد تمامًا، سواء “المجلس الوطني الكردي”، المنضوي في “الائتلاف”، أو “الإدارة الذاتية”.

ويرى فؤاد عليكو، العضو في “المجلس الوطني الكردي” أنه من المبكر التأسيس لموقف واضح وصريح من المنطقة الآمنة، منوهًا إلى أهمية إنشائها كبديل عن التدخل العسكري.

ويضيف عليكو، في حديث لعنب بلدي، “فيما يتعلق بعمق المنطقة الآمنة فلسنا من نحدد ذلك وليس لنا دور في تحديدها، الاتفاق الأمريكي- التركي هو ما يحدد ذلك، وما يهمنا هو توفير الأمن والاستقرار في تلك المنطقة، وتسهيل عودة اللاجئين إلى مناطقهم وبيوتهم”.

“مجلس سوريا الديمقراطية” (الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية)، ينشد أن تحمل المنطقة الآمنة الاستقرار لشرق الفرات، لكن “عبر الحماية من التهديدات التركية”، على حد تعبير أمجد عثمان، الناطق باسم المجلس.

ويضيف عثمان، في حديث لعنب بلدي، “ما تم التفاهم عليه حتى الآن هو أن يكون عمق المنطقة بين 5 و14 كيلومترًا”.

مخاوف من التقسيم

يرفض النظام السوري التفاهمات الأمريكية- التركية حول إنشاء “منطقة آمنة” في شمال شرقي سوريا، ويعتبرها “اعتداءً على سيادة سوريا”.

ووصف مصدر رسمي في وزارة الخارجية والمغتربين، لوكالة الأنباء الرسمية (سانا)، في 26 من تموز، التدخل الأمريكي في سوريا بـ “الهدام”، والتفاهمات الأمريكية- التركية بـ “الاعتداء الصارخ على سيادة ووحدة سوريا أرضًا وشعبًا، والانتهاك الفاضح لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة”.

روسيا، التي تتحرك خطوات المنطقة الآمنة دون التنسيق معها، حذرت مما وصفته محاولات تقسيم شمال شرقي سوري، على لسان المتحدثة باسم وزارة خارجيتها، ماريا زخاروفا، معتبرة أن “الشرعية الدولية تتطلب موافقة دمشق على أي عمليات تجري على أراضيها”.

ودعت روسيا إلى الحوار بين “الإدارة الذاتية” والنظام السوري، بقولها، “لا نزال نقف مع تحقيق الاستقرار والأمن طويلي الأمد شمال شرقي سوريا عبر تأكيد سيادة سوريا وإجراء حوار مثمر بين دمشق والكرد، باعتبارهم جزءًا من الشعب السوري”.

أما إيران فحاربت اتفاق “المنطقة الآمنة” بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية شمالي سوريا، واعتبرته خطوة “استفزازية ومدعاة للقلق”.

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، في 18 من آب، إن تصريحات المسؤولين الأمريكيين واتفاقهم حول تشكيل منطقة آمنة شمالي سوريا “تتعارض مع مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة”.

واعتبر أن “الإجراءات من هذا القبيل شأنها شأن سائر ممارسات المسؤولين الأمريكيين، مدعاة لزعزعة الاستقرار”، وتعد “تدخلًا في الشؤون الداخلية لسوريا”.

جنديان تركيا على الحدود العراقية (وزارة الدفاع التركية)

مفهوم المنطقة الآمنة في القانون الدولي

لا يعد مصطلح “المناطق الآمنة” تقنيًا بحد ذاته في القانون الدولي، لكن يُستخدم لوصف عدد متنوع من الحالات المختلفة، منها المناطق الآمنة التي ينص عليها القانون الدولي الإنساني والأنواع الأخرى للمناطق الآمنة.

تنص القاعدة 35 في دراسة لجنة الصليب الأحمر حول القانون الدولي الإنساني العرفي السارية في النزاع المسلح غير الدولي على ثلاثة أنواع من المناطق الآمنة، “المستشفيات ومناطق الأمان والمناطق المحايدة” و”المناطق المجردة من السلاح” و”المدن المفتوحة والمواقع المجردة من وسائل الدفاع”.

بالأصل يحرّم القانون الدولي استهداف المشافي والمناطق المخصصة للعلاج ما لم تُستخدم لأغراض عسكرية، بالإضافة إلى هذه الحماية المفترضة، بإمكان أطراف النزاع الاتفاق أو الاعتراف بترسيم أي منطقة كـ “منطقة أمنة”، وقد تكون هذه المنطقة مستشفى، أو منطقة مدنية محايدة أو أيًّا من الأنواع المذكورة في الفقرة السابقة.

وبموجب هذا الاتفاق يلتزم أطراف النزاع بعدم استخدام المنطقة لأغراض عسكرية كتخزين الأسلحة أو تخبئة المقاتلين، لكن يجوز إيواء المقاتلين المصابين من كلا الطرفين في هذه المناطق، وبالتالي عدم استهدافها عسكريًا أيضًا.

ومن الأمثلة حول المناطق الآمنة التي أُنشئت بالتراضي تاريخيًا تحت هذه البنود من القانون الدولي، المناطق الآمنة في حرب بنغلاديش عام 1971، وفي قبرص عام 1974، وفي نيكاراغوا في عام 1979، وفي تشاد في عام 1980.

أما النوع الثاني من المناطق الآمنة، فقد بدأ بالظهور في العقود الأخيرة الماضية بسبب فشل المناطق الآمنة المذكورة في القانون الدولي الإنساني في حماية وتأمين المدنيين بشكل فعال من آثار النزاعات.

وهذا النوع من المناطق الآمنة عادة ما ينشئه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة دون الحصول على موافقة جميع أطراف النزاع، ويحمي هذه المناطق الآمنة أفراد عسكريون، ويمثل هذا التدخل صعوبة بما أنه يتطلب تدخل قوات مسلحة تابعة للأمم المتحدة.

المصدر: المكتب السوري للتطوير القانوني

 

المعارضة السورية..

حضور استباقي في تفاصيل المنطقة الآمنة

في ظل التفاهمات التركية- الأمريكية والتصريحات المتكررة الصادرة عن مسؤولين من كلا الطرفين، خلال الأسابيع الماضية، طغى غياب رؤية للمعارضة السورية المتمثلة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة حول المنطقة، باستثناء تصريحات صادرة عن مسؤولين في المعارضة على وسائل الإعلام التركية والمحلية، تدعم وجهة النظر التركية حول عمق المنطقة وأهميتها، وخاصة فيما يتعلق بالحل السياسي وعودة اللاجئين المهجرين إلى مناطقهم.

وتعتبر تركيا من أكبر داعمي المعارضة السورية، واستقبلت ما يقارب أربعة ملايين لاجئ سوري على أراضيها، كما دعمت عمليتين عسكريتين في مناطق ريف حلب (درع الفرات وغضن الزيتون)، لتصبح المسؤول الأول عن ملف المعارضة السورية، في ظل وجود إشارات استفهام حول رؤية المعارضة، إن كان من جانب الائتلاف الوطني أو الحكومة المؤقتة التابعة له.

وللوقوف على تجهيزات المعارضة السورية ورؤيتها، توجهت عنب بلدي للحديث مع الحكومة المؤقتة لمعرفة خططها المستقبلية لإدارة المنطقة الآمنة في حال تشكيلها، إلا أن “الحكومة الحالية معطلة حتى تشكيل حكومة جديدة”.

لكن الدكتور في الاقتصاد، عبد الحكيم المصري، الذي كان معاونًا لوزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة” المستقيلة، أكد أن “الحكومة المؤقتة دائمًا مستعدة، وهي وُجدت لخدمة المنطقة وأهلها، وهي جاهزة بمؤسساتها ومديرياتها بشكل كامل لأي عمل ضمن المنطقة الآمنة وتحت إشرافها”.

تنسيق قائم مع تركيا

من جهته، أكد عضو الهيئة السياسية في الائتلاف المعارض، ياسر الفرحان، أن “الائتلاف ينسق مع تركيا كل القضايا على قاعدة صلبة من تقاطع المصالح والقيم، كون تركيا حليفًا استراتيجيًا للمعارضة السورية”، في حين تنظر تركيا إلى الائتلاف كشريك أساسي، وهذا ما تم التأكيد عليه في آخر لقاء جميع رئيس الائتلاف، أنس العبدة، مع وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الثلاثاء 20 من آب الحالي.

واعتبر الفرحان أن ما يهم تركيا هو أمنها القومي، وأنها تريد إنشاء المنطقة الآمنة من أجل حماية حدودها، في حين أن إنشاء المنطقة يهم الائتلاف لأمرين، الأول “حماية أمن دولة جارة وصديقة”، والثاني “يتعلق بالمصلحة السورية ومصلحة الشعب السوري”.

وتابع، “المنطقة تدعم وتهيئ ظروف العملية السياسية، باعتبارها فرصة لتشكيل قوة للمعارضة، وتمنع استفراد النظام السوري، الذي يحاول السيطرة على مساحات واسعة عسكريًا، من فرض هيمنة عسكرية على طاولة المفاوضات السياسية”.

وأضاف، “الهدف من المنطقة الآمنة هو الحفاظ على وحدة سوريا، وتأمين عودة النازحين والمهجرين إليها، وتخليص سكان المنطقة في عمقها من حزب الاتحاد الديمقراطي الذي ضيق على الأهالي وفرض قوانين غير مقبولة”.

وباختلاف الرؤى حول عمق المنطقة بين الأتراك والأمريكيين، تتبنى المعارضة السورية رؤية تركيا، إذ إنه من المهم أن تكون المنطقة بعمق 30 كيلومترًا، وكامل المساحة في دير الزور وباقي الحسكة والرقة، بحسب الفرحان، الذي طلب أن تدار هذه المنطقة من أهلها بإشراف الائتلاف.

المعارضة جاهزة لإدارة المنطقة

الحديث عن إنشاء منطقة آمنة ليس وليد الأشهر الماضية، فقد طرحت الفكرة منذ بدايات تصاعد العمليات العسكرية في سوريا ولجوء آلاف الأشخاص إلى تركيا.

لكن الإصرار، خلال الأسابيع الماضية، من جانب أنقرة على إنشائها تحت مسمى “ممر سلام” لغايات سياسية ترتبط بحماية حدودها، طرح تساؤلات حول المقومات الموجودة في هذه المنطقة من الناحية الاقتصادية والخطوات والتجهيزات التي يجب العمل عليها في المنطقة، لاستيعاب مئات آلاف اللاجئين الذين تنوي تركيا إعادتهم.

“تحتاج المنطقة إلى إمكانيات كبيرة وخطط واستراتيجية لإدارتها، وهو ما يعمل عليه الائتلاف والحكومة المؤقتة”، بحسب الفرحان، الذي أكد أن الائتلاف لديه “لجنة الجزيرة والفرات”، التي تضم أبناء المنطقة الشرقية، وأسست رؤية لإدارة المنطقة كحالة مؤقتة من قبل أبنائها، مع الحفاظ على وحدة سوريا، كما بنت اللجنة أفكارًا وصاغتها بورقة آليات من أجل تحقيق السلام والعدالة في المنطقة ومن أجل حفظ الأمن.

كما أُعدت دراسات للمنطقة وأعداد القاطنين فيها، وأعداد اللاجئين المحتملة عودتهم، واحتياجاتهم التعليمية، والصحية، والخدمية من مياه وكهرباء ونقل، إضافة إلى حاجة المنطقة من موارد اقتصادية وكوادر بشرية، بحسب الفرحان، الذي أكد أن هذه الدراسات توضع على أساس أكثر من سيناريو.

كما تملك الحكومة المؤقتة ثلاث أوراق، كل واحدة من 120 صفحة، تضم خطة متكاملة لإدارة المنطقة وحماية أهلها ومنع الاعتداء عليهم، وتأمين الاستقرار فيها والتخلص من “المجموعات الإرهابية، ومنع عودة مجموعات تنظيم الدولة الإسلامية”، بحسب الفرحان، مشيرًا إلى أن الثروات التي توجد في المنطقة من قمح ونفط ومياه، كفيلة بتنشيط عجلة الاقتصاد في المنطقة وتأمين ظروف معيشية مستقرة لأبنائها.

خطط لمستقبل المنطقة الاقتصادي

“قبل الحديث عن عودة أي لاجئ، لا بد من تأمين المساكن، وإعادة تأهيل البنى التحتية لشبكات المياه والكهرباء والطرق، إلى جانب بناء المستشفيات”، بحسب الدكتور في الاقتصاد، عبد الحكيم المصري، الذي كان معاون وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة المستقيلة.

وأكد المصري، في حديثه لعنب بلدي، على ضرورة الاهتمام بالجانب التعليمي ودعمه لجميع المراحل بهدف إعادة الأكاديميين والخبراء وإيقاف الهجرة وعودة الطلاب.

وبحسب المصري، فإنه “على الرغم من الإمكانيات الكبيرة التي تحتاجها المنطقة، لكن الإشراف التركي عليها، في حال تشكيلها، “سيؤدي إلى التنظيم والتعاون بين المعارضة وأنقرة في ظل توفر إمكانيات بشرية في المنطقة، إضافة إلى إمكانية توفير إمكانيات مادية من خلال فرض رسوم جمركية والتبادل التجاري مع تركيا”.

وتابع المصري، “في حال توفر الأمن في المنطقة سيتيح ذلك دخول المستثمرين إليها، وإقامة مشاريع بكل المجالات”.

وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو ورئيس الائتلاف السوري انس العبدة- 20 من آب 2019 (الائتلاف)

هل يعود اللاجئون السوريون إلى المنطقة الآمنة؟

تفتح “المنطقة الآمنة” باب التساؤلات حول ما إذا كان إنشاؤها يهدف إلى دفع عملية إعادة اللاجئين في الدول المجاورة إلى سوريا، على اعتبار أنها تشغل، وفق التصور التركي، مساحة واسعة نسبيًا في شمال شرقي سوريا.

عنب بلدي طرحت على قرائها ومتابعي صفحتها على “فيس بوك” السؤال التالي: “إذا أنشئت (منطقة آمنة) في شمال شرقي سوريا.. هل تجد فيها فرصة لعودة اللاجئين؟ ولماذا؟”.

69% من المشاركين في الاستطلاع، الذين وصل عددهم إلى 2700 أجابوا بـ “لا”، بينما أجاب 31% بـ “نعم”.

وتباينت آراء المستخدمين الذين تفاعلوا على منشور الاستطلاع، وبرر الذين أجابوا بـ “لا” خيارهم بطرق مختلفة، إذ يرى عبد الرحمن المعلم أنها لن تكون آمنة “على غرار إدلب”، وأن “الدول الضامنة لها لن تتحرك”.

كما يقول زكريا حجازي “غالبية اللاجئين من مناطق غرب ووسط وجنوب سوريا، وليسوا من تلك الأماكن (شمال شرقي سوريا)، ولا يستبدلون لجوء خارجيًا بلجوء داخلي”.

وتساءل محمود الرشيد، “هل يترك الناس بيوتهم وقراهم؟ هل خرجت الثورة لهذا السبب؟”، بينما شكك أسامة الكنج بالطاقة الاستيعابية للمنطقة، وباحتمالية عدم قصفها من قبل قوات النظام.

ويقول أحمد إبراهيم، إن المنطقة “ليست فيها مقومات الحياة، وهي مقطعة الأوصال، والمدن لا يوجد فيها خدمات وعمل”، ويوافقه عامر العمري، “المنطقة الآمنة عبارة عن سجن كبير لا يمتلك أي مقومات للحياة”.

“آمنة” للمعارضة.. “مربكة” للكرد

مخاوف من تغيير “شامل” في شرق الفرات

بينما تتصرف المعارضة السورية بمنطق “تخطيط وتنفيذ”، رغم ضبابية مستقبل المنطقة الآمنة، يسيطر الإرباك على الموقف الكردي، في ظل مخاوف من تغيير شكل السلطة والإدارة في المنطقة، إضافة إلى مخاوف من “تغيير ديموغرافي”.

إذ يصر “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، بحسب المتحدث باسمه، أمجد عثمان، على ألا يكون هناك أي تغير في هيكل الإدارة الذاتية القائمة، التي تقدم الخدمات لأبناء المنطقة، أما حماية حدود هذه المنطقة، فيجب أن يتم “من قبل مجالس عسكرية محلية من أبناء المنطقة” على حد تعبيره.

أما “المجلس الوطني الكردي”، فيرى أنه “من المبكر تأسيس موقف واضح وصريح من المنطقة”، بحسب عضوه، فؤاد عليكو.

ويتابع، “المجلس مع المنطقة الآمنة شرط أن يكون أمنها وإدارتها من أبناء المنطقة بمختلف مكوناتها العرقية من عرب وكرد وتركمان وسريان وغيرهم، لأن من شأن ذلك خلق الأمن والاستقرار وعودة اللاجئين الى بيوتهم”، ويشترط المجلس أن “تكون المنطقة تحت إشراف التحالف الدولي بما فيه تركيا”.

عودة اللاجئين “مشروطة”

يقترن ذكر المنطقة الآمنة بقضية اللاجئين، على اعتبار أنها ستكون مساحة جغرافية مؤمّنة تتيح عودة جزء من اللاجئين السوريين إلى الداخل، بتوافق إقليمي دولي.

لكن القضية تتحول إلى مخاوف بالنسبة للأطراف السياسية الكردية، على اختلاف توجهاتها، خاصة إذا ما تعلق الأمر باللاجئين السوريين في تركيا، ومن غير أبناء المحافظات الشرقية.

يقول عليكو، “هناك مئات الآلاف من اللاجئين من أبناء جغرافية شرق الفرات، دير الزور والرقة والحسكة وكوباني، يعيشون في تركيا ومن حقهم العودة إلى منازلهم”.

ويستدرك، “أما ما يتعلق باللاجئين من خارج المنطقة، فنحن لا نحبذ ذلك لأن من شأنه خلق مشاكل بينهم وبين أبناء المنطقة، ونحن بغنى عنها”.

ويتشارك “مجلس سوريا الديمقراطية” الموقف ذاته مع “المجلس الوطني الكردي”، إذ يقول أمجد عثمان، “الذين سيعودون إلى المنطقة هم أبناؤها، ولم تتم الموافقة إلا على عودة أبناء كل منطقة إليها، أما ما تصرح به تركيا حول إعادة 700 ألف لاجئ، فلا علاقة لنا به”.

تغيير ديموغرافي

ينتقد عثمان “تحويل اللاجئين إلى ورقة ضغط لتحقيق أجندات سياسية”، ويقول، “نرفض استخدام اللاجئين من أجل إجراء تغيرات ديموغرافية، وتغيير في التركيبة السكانية في سوريا تحت أي مسمى كان”.

ويذهب المنسق الإعلامي لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، إبراهيم إبراهيم، إلى اعتبار المنطقة الآمنة احتلالًا للشمال السوري، وأنها “حرب إبادة” تستهدف إخراج الكرد من قراهم، ما سيسبب كارثة إنسانية بحق أربعة ملايين سوري.

أما مدير “المركز الكردي للدراسات الاستراتيجية” في ألمانيا، نواف خليل، فيقول لعنب بلدي إن

“المنطقة الآمنة تضم خمسة ملايين شخص، بينهم مليون نازح حسب إحصائية خلصت إليها الإدارة الذاتية”، ملمحًا إلى أن جزءًا من السكان يمكن أن يُهجر مقابل مجيء آخرين على غرار “تجربة عفرين”.

وعن التخوف من إحداث تغيير ديموغرافي، يقول خليل، “القضية غير مرتبطة بالمكون الكردي فقط، بل باللاجئين السوريين ككل، فهناك السريان والآشوريون والكرد والعرب”، ويتابع، “تركيا لديها البراعة في الهندسة السكانية، بدليل ما حدث للسريان والأرمن، والآن عفرين التي بدأتها أنقرة بالتهجير، وانتهت بتسمية الشوارع بأسماء رموز تركية تاريخية وسياسية”.

“كابوس عفرين”

ينظر أغلب الكرد الذين التقتهم عنب بلدي من قياديين وناشطين وباحثين وصحفيين إلى قضية المنطقة الآمنة على أنها تكرار لـ “سيناريو عفرين”.

إذ يعتبر فؤاد عليكو، عضو “المجلس الوطني الكردي” أنّ “ما يحصل في عفرين الآن من سيطرة أبناء المناطق الأخرى على منازل وممتلكات المواطنين، وفرض الأتاوات، والاعتقالات العشوائية للمواطنين من قبل الفصائل العسكرية، يؤكد مخاوفنا حول عودة لاجئين من غير مناطق”.

أما إبراهيم إبراهيم، المنسق الإعلامي لـ “قوات سوريا الديمقراطية” فيقول إن “ما حل بعفرين كفيل برفض أي إملاءات من أنقرة. المنطقة الأمنية حجة حظيت بدعم روسي أمريكي إيراني داعم وبشدة”.

أما الناشط السياسي الكردي، عبد القادر عاكوب، فيقرأ إحداث المنطقة الآمنة من زاوية مختلفة، معتبرًا أن “سيناريو عفرين لن يتكرر، فالمعركة الأولى تمت من جانب واحد، والتقارب اليوم أفضل الحلول الموجودة، كما أن واشنطن لا تزال ضامنة للاتفاق، فضلًا عن أنه يصب في مصلحة الكرد الراغبين في العودة من تركيا”.

الائتلاف يطمئن

في حين تسيطر الهواجس الكردية على تصورات المنطقة الآمنة، يرى الائتلاف الوطني أن تشكيلها لن يكون ذا أثر سلبي على السكان.

ويقول ياسر الفرحان، عضو الهيئة السياسية في الائتلاف المعارض، لعنب بلدي إن “الأراضي السورية للشعب السوري، حين تقع كارثة إنسانية بسبب وحشية النظام تلحق بأبناء المنطقة، لا نفكر أن الموضوع سيصنع تغييرًا ديموغرافيًا، اللاجئون عائدون إلى منطقة سورية”، ويعقب، “هذا طرح دوني لا يليق بالشعب السوري. أبناء المناطق الأخرى الذين سيلجؤون إلى تلك المنطقة هم طبعًا سيأتون بحالة مؤقتة”.

ويتهم الفرحان الإدارة الذاتية بصلتها بأجندة خارجية تشكل موقفها حيال عودة اللاجئين، “على خلاف أبناء المنطقة من الكرد والعرب والسريان والآشوريين”،

ويضيف، “ستكون العودة طوعية وآمنة وبالتالي سيجد كثيرون من أبناء المنطقة رغبة بالعودة إليها”.

ويرى الفرحان أن المكسب السياسي أكبر من الهواجس حول قضية اللاجئين، “فحين توجد في المنطقة قوة غير تابعة للنظام أو لحزب الاتحاد الديمقراطي، سيدفع ذلك بالكفة السياسية إلى التوازن، ويفرض هيمنة عسكرية على طاولة المفاوضات”، وبذلك تكون المنطقة الآمنة “مؤقتة لحين انتهاء الحل السياسي”.

قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أثناء إزالة التحصينات العسكرية على الحدود مع تركيا 22 آب 2019 (البنتاغون)

مقالات متعلقة

مجالس محلية

المزيد من مجالس محلية