أكلناها

  • 2019/08/25
  • 11:49 ص

لقطة من برنامج "أكلناها"

نبيل محمد

قلما يوجد برنامج سوري يحظى بهذا الكم من المتابعة، فأول ما يفاجئك به برنامج أكلناها الذي يقدمه الممثل السوري باسم ياخور على شاشة “تلفزيون لنا”، هو كثافة المتابعة، فقد تجاوزت أرقام المتابعين ثلاثة ملايين لبعض الحلقات، خاصة الأخيرة التي جمعت ياخور بشريكه الفني القديم أيمن رضا، والتي كانت من أكثر الحلقات التي أظهرت البرنامج عاريًا إلى حد ما من المجمّلات (ديور وإضاءة) التي لعبت منذ الحلقة الأولى الدور الأهم في التغطية على ضعف المضمون، بل وسذاجته وعثراته في أماكن معينة.

قد لا تكون هناك جدوى من انتقاد برنامج فني تنتجه قناة حصلت على دعمها المالي من تجارة الحرب، كونها وبشكل واضح تتبع للمليونير السوري سامر الفوز، المتهم بقضايا تجارية مرتبطة بالحرب ارتباطًا مباشرًا، تهريبًا وصفقات وتجارة محظورات وما إلى ذلك من السلع والتجارات التي كوّنت طبقة جديدة ظهرت أموالها بشكل مفاجئ وبغزارة، وفي أيدٍ من الواضح أنها لم تعتد على هذه الكميات، وهي بطبيعة الحال طبيعة اقتصاد الحروب في إنتاج تلك الطبقات، التي تثرى خلال أيام، فيبدو ثراؤها فاقعًا ومميزًا من خلال الأماكن والاستثمارات التي توظف وتصرف بها هذه الأكداس، وبطبيعة الحال أيضًا يقع اسم أفراد تلك الطبقة في قوائم العقوبات الغربية، كون أموالهم باتت تلعب دورًا في إدارة الحرب وتوجيهها، وبناء صفقة هنا بين دولتين، وهدم صفقة أخرى. الملخص أن أكلناها برنامج باذخ لم تعتد التلفزيونات السورية على إنتاجه، من مال مستثمر لا يخفى على السوريين من أي تيار سياسي كانوا أنه جمع أمواله على صدى أصوات القذائف والرصاص والبراميل، وفي ظل سيطرة سادة الحرب والميليشيات على اقتصاد البلاد.

تظهر الحلقة التي تختصر البرنامج نجمين كان لهما ما كان في عيون السوريين، من إعجاب بثنائي كوميدي، تم توظيفه في مرحلة من المراحل في النقد والإمتاع، خاصة في مسلسل بقعة ضوء، وما سبقة ولحقه من أعمال هذا الثنائي الذي انفصل فيما بعد، لأسباب استهلكها الإعلام، ثم جمعتهما طاولة البرنامج المليئة بأطباق من الطعام السيئ، المعد لإجبار الضيوف على الإجابة عن أسئلة إشكالية (من منظور معد البرنامج ومقدمه).

بدت الكوميديا بزيفها الواضح الجلي، وبعدم قدرة طرفيها على النطق بما هو مضحك فعلًا، بدت معجونة بثقة الفنانين بنفسيهما، أكثر من ساعة والنجمان الكوميديان يحاولان اجتراع الكوميديا دون فائدة، يحاولان تأليف الأغاني التي ظهرت مشوهة أكثر من التلوث السمعي الذي أثاره صوت أيمن رضا في المكان بأغانيه، جو عام ينضح بالرداءة، وعدم قدرة هذا البذخ على إخفاء الفقر الإبداعي، بل وهروب طرفي لعبة البرنامج من لحظتي حقيقة كان من الممكن أن تصنعا ما لم يصنعه البرنامج سابقًا. الأولى تهرب أيمن رضا من الحديث عن مدير شركة الإنتاج الذي غشه بمبلغ قدره ثمانية ملايين ليرة سورية (170 ألف دولار أمريكي قبل عام 2011)، واستسلام رضا أمام جبروت هذا الشخص كون المواجهة معه حسب ما يبدو من حديث الفنان غير ممكنة، أي أنه مسؤول رفيع أو ضابط أو مقرب من الأسرة الحاكمة، في ظل اعتراف النجمين بوجود هذا الواقع، الواقع الذي ما انفك رضا وياخور بالدفاع عنه منذ اندلاع الثورة السورية، فهما صاحبا رأيين من أوضح الآراء في دعم النظام السوري.. النظام الذي يقف خلف سلب رضا هذه الملايين الثمانية منطقيًا.

لحظة وضوح أخرى، كانت عندما بدأ النجمان بفتح الدفاتر القديمة بينهما، حين نفى رضا أن يكون ياخور حاليًا صديقًا له متهمًا إياه بشكل غير مباشر بالوصولية، الموضوع الذي تم رميه جانبًا كي لا يفقد البرنامج زيفه المتحلي بضحكات مقدمه وغناء ضيفه وصراخ الجمهور الذي عادة ما يأتي بطلب من المقدم أو حركات يده، فزيف ما يدور بحاجة إلى تفاعل بناء على الطلب.

في أكلناها يمكن لباسم ياخور الاشمئزاز من المثليّين، يمكن لمحمد حداقي الادعاء بأن مؤامرة تحاك ضده، ويمكن أن تصنع شكران مرتجى من باسل الخياط ألباتشينو العرب.. يمكن للبرنامج أن يختصر عنصرية وزيف ورداءة الدراما السورية التي احترف كل القائمون عليها هذا الزيف منذ 2011 حتى اليوم، وهو ما لا يلغي زيفًا سابقًا أصلًا لهذه المرحلة.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي