سياسي فكك الحكومة الإيطالية، وهاجم المنظمات الإغاثية، مصرحًا بعدائه للمهاجرين والوحدة الإيطالية والأوروبية، عُرف بأسلوبه الحاد ونشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي، صاعدًا بشعبيته ليصبح أشهر سياسيّ إيطالي وأبرز “الحراس” الأوروبيين في وجه اللاجئين والناشطين الإنسانيين.
إنه وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو سالفيني، الذي اشتهر عالميًا بمواقفة الحازمة ضد اللاجئين واتهامه الاتحاد الأوروبي بالتخلي عن إيطاليا، مع منعه لخمسة مراكب إنقاذ للاجئين على الأقل من الرسو على الشواطئ الإيطالية، وتهديده طواقمها بالسجن والغرامة، واصفًا إياهم بـ”مهربي البشر“.
آخر تلك الحوادث، التي جذبت الانتباه العالمي، كانت محنة سفينة “أوبن آرمز” التي تمكنت، أمس 21 من آب، من إنزال 107 مهاجرين في جزيرة لامبيدوسا جنوبي إيطاليا بعد 19 يومًا من الانتظار في البحر المتوسط، رغم تعهد ست دول أوروبية باستقبال المهاجرين على متنها.
أثار رفض سالفيني استقبال المهاجرين حفيظة المنظمات الحقوقية والدول الأوروبية، مع وصف وزيرة الدفاع الإسبانية، مارغريتا روبلز، لموقفه بـ”العار على البشرية”.
لكن مواقفه الإنسانية لم تكن هي مصدر الاهتمام الوحيد به خلال الأيام الأخيرة، إذ وضعته مناورة سياسية غير محسوبة في خطر الطرد من الحكومة الإيطالية وشطب كامل قراراته الصارمة.
انفصالية منذ الصغر
ابن الشمال الإيطالي وتحديدًا مدينة ميلان، ولد عام 1973، واتجه لسلك السياسة وهو بعمر 17 عامًا، منضمًا لحزب “الرابطة الشمالي” الداعي لانفصال الشمال الإيطالي الثري عن الجنوب الفقير.
أدار سالفيني “راديو بادانيا”، معبرًا عن آرائه الانفصالية، من خلال أحد عروضه الذي حمل اسم “لا تقل إيطاليا أبدًا”.
وبرهن على عدائه للدولة الإيطالية مرارًا، في أثناء صعوده السريع في صفوف الحزب، مع انتخابه عام 1993 ليكون ممثلًا عنه في مجلس مدينة ميلان، إذ رفض عام 1999 مصافحة رئيس إيطاليا الزائر، كارلو آزيغليو كيامبي، قائلًا “لا شكرًا أنت لا تمثلني”.
وقاطع عام 2011 احتفالات مرور 150 عامًا على قيام الدولة الإيطالية، واضعًا مكتبه خارج مجلس المدينة ليعلن عن استمراره بالعمل، وصرح عام 2014 أن “الألوان الثلاثية لا تمثله”، متحدثًا عن علم إيطاليا.
حول سالفيني أنظاره من الانفصال الإيطالي إلى الانفصال الأوروبي بعد خدمته في برلمان الاتحاد الأوروبي، ما بين عامي 2004 و2018، إذ ألغى بعد استلامه رئاسة الحزب عام 2013 كلمة “الشمالي” من اسمه، متوجهًا لفصل إيطاليا عن الاتحاد ومطلقًا دعواته الأولى ضد المهاجرين، الذين تصاعدت أعدادهم لتصل إلى ذروتها ما بين عامي 2014 و2016.
قضى في أيار عام 2017، ليلة في أكبر مراكز استقبال اللاجئين في صقلية وكتب بعدها، “تزداد قناعتي أن هناك محاولة جارية لاستبدال عرقي لشعب بآخر. هذه ليست هجرة طارئة، ولكنها هجرة منظمة تهدف لاستبدال شعب آخر بشعب إيطاليا، وعمال آخرين بالعمال الإيطاليين”.
وأقام سالفيني حملته الانتخابية عام 2018 مرتكزًا على مواقفه المعادية للمهاجرين، وما إن استلم في الأول من حزيران منصب وزير الداخلية بعد تشكيله لحكومة توافقية مع رئيس الوزراء وقائد “حركة خمسة نجوم”، جوزيبي كونتي، أعلن في تجمع لمناصريه أن “الأوقات الهانئة” للمهاجرين قد انتهت، وقال، “استعدوا لحزم حقائبكم، بطريقة مهذبة وهادئة، عليكم الرحيل”.
وعاد في شهر تموز الماضي إلى مركز استقبال اللاجئين، الذي ضم في ذروته أكثر من أربعة آلاف لاجئ، بعد أن أعلن عن إغلاقه في حزيران إثر انخفاض أعداد المهاجرين فيه إلى 152 بعد عام على بدء تنفيذ سياساته الصارمة.
طموح سياسي “خطر”
استغل سالفيني، تصاعد شعبية حزبه في انتخابات الاتحاد الأوروبي التي جرت في أيار الماضي، ليدعو إلى سحب الثقة من رئيس الوزراء كونتي، آملًا أن توصله انتخابات مبكرة إلى سدة الحكم.
لكن حركته لم تؤت ثمارها المطلوبة، بعد أن أعلن كونتي استقالته في 20 من آب الحالي، متهمًا سالفيني بالسعي وراء مصالح حزبية وشخصية، ما أدى إلى تفكك الحكومة اليمينية وتهديدها بطرده من بين صناع القرار.
وفي حال لم تتمكن الأحزاب الإيطالية من التحالف لتشكيل حكومة توافقية فسيتم حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة.
لكن “حركة خمسة نجوم” اتجهت سريعًا لدعوة الحزب الديمقراطي اليساري، الذي أعلن زعيمه نيكولا زينغاريتي عن قبوله التحالف وفق شروط ضمت:
“التمسك بالانتماء إلى أوروبا، والاعتراف الكامل بالديمقراطية وبالدور المركزي للبرلمان، والعمل على تحقيق تنمية قائمة على احترام البيئة، وتغيير كيفية التعامل مع المهاجرين مع المطالبة بدور أكبر لأوروبا بهذا الصدد، وتعديل السياسة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد بشكل يتيح المزيد من الاستثمارات”.
إن صمد التحالف الجديد فقد يخسر سالفيني منصبه، لكن في حال لم يفعل فقد يفوز بأصوات كافية ليصبح رئيس وزراء إيطاليا الجديد ويزيد من ضبطه للشواطئ الإيطالية.
–