رعاية “ضحايا الإرهاب”.. ضرورة مجتمعية لا آليات لتنفيذها
عندما تتوقف الجلَبة، وتتلاشى الضجة الإعلامية المرافقة للأحداث، ينكفئ الضحايا على أنفسهم وقد لحق بهم ما لحق من آثار نفسية عميقة، في وقت يكونون فيه بأمس الحاجة لبيئة حاضنة تدعم احتياجاتهم وتحترم حقوقهم.
ومع وجود عدد كبير من العوائل خلفتها التنظيمات الجهادية، المصنفة “إرهابية”، تغيب جهود رعايتهم والأخذ بيدهم ودمجهم بالمجتمع من جديد، بوصفهم “ضحايا للإرهاب”، وتبرز المشكلة أكثر عند النساء منهم، اللواتي يواجهن بالرفض والنبذ من مجتمعاتهنّ في كثير من الأحيان.
منسقة الشؤون الإنسانية والتنموية في “مجلس سوريا الديمقراطية” شمال شرقي سوريا، زوزان علوش، أشارت إلى أن الإهمال لا يقتصر على الضحايا، فعادة يتم إهمال كل المجتمع ما إن ينتهي العمل العسكري المكثف، وتنتهي معه الحملة الإعلامية المواكبة له.
علوش أكدت، في ردها على أسئلة وجهتها عنب بلدي عبر الإنترنت في 18 من آب الجاري، أنه لا توجد منظمات تعمل بشكل تخصصي مع النساء اللواتي حُرّرن من قبضة تنظيم “الدولة الإسلامية”، مبينة أن أغلب هؤلاء النسوة سُلّموا لعوائلهنّ، بمبادرة من كبار شيوخ وعشائر المنطقة، وبإشراف من الهيئات الخاصة بالمرأة في “الإدارة الذاتية”، لافتة إلى أن “مجلس المرأة السورية” يعمل على التواصل مع بعضهنّ.
إدماج الضحايا بالمجتمع
من الضروري توفير المساحة والوقت الكافيين لـ “ضحايا الإرهاب” لقبول أي نوع من أنواع الدعم، حسبما أوضحت المنسقة زوزان علوش، من خلال تجربتها الشخصية بالتعامل معهن، إلى جانب تحديد احتياجاتهنّ، وأشارت إلى أن أغلب الضحايا هنّ قادرات على تحديد هذه الاحتياجات إذا ما توفرت لهنّ البيئة الآمنة.
وحول طرق مساعدة الضحايا على تجاوز الأمور التي مروا بها، بيّنت علوش أن ذلك يكون عبر توفير الاحتياجات الأساسية لهنّ ولأطفالهنّ، ومن ثم إشراكهنّ ببرامج تتناسب ومدى استيعاب كل واحدة منهنّ ووضعها، يليها توفير فرص عمل كافية لإدماجهنّ بالمجتمع بطرق سلسلة.
وضع النساء كضحايا “خاص” في مجتمعاتنا، بحسب وصف علوش، إذ إن أغلبهنّ غير مرحب بهنّ في المجتمع، لذا فإن أي عملية أو برامج لتأهيلهنّ يجب أن تشمل أيضًا توعية المجتمع المحلي الحاضن للضحايا، إلى جانب برامج خاصة لأطفالهنّ.
وركزت علوش في إجاباتها على أن توفير فرص عمل لضمان حياة كريمة هو من أهم الأمور التي يجب على جميع الجهات أخذها بعين الاعتبار عند التعامل مع “ضحايا الإرهاب”، بالإضافة إلى برامج الدعم النفسي والتأهيل المجتمعي والتعليم الذاتي.
تبعات بعيدة الأثر لا جهود لمعالجتها
العاملة في مجال التوثيق، ورئيسة مجلس إدارة منظمة “ناجيات سوريات”، حلا هزاع، أشارت من جهتها إلى أنه بالرغم من الظروف النفسية والجسدية والاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي يعاني منها ضحايا تغيب الجهات المسؤولة عن رعايتهم، باستثناء وجود بعض المنظمات والتجمعات الصغيرة التي عملت معهم بجهود خجولة، والتي ركزت في معظم عملها على الدعم النفسي فقط.
ولفتت هزاع إلى تبعات كبيرة ستواجه المجتمعات المحلية في المستقبل ما لم تتم رعاية الضحايا، منها أن بعض النساء اللاتي كنّ في المناطق التي سيطر عليها تنظيم “الدولة”، أجبرن على الزواج من رجال ينتمون للتنظيم لا يعلمن أي شيء عنهم حتى أسماءهم، وقد وقعت النسوة في مشاكل كبيرة بعد إنجاب أطفال من هؤلاء الرجال، ما جعل الأطفال يعاملون كمكتومي قيد، وهي إحدى المشاكل التي لا يفكر أحد في إيجاد حلول لها، رغم ما سيكون لها من تبعات كبيرة في المستقبل، تقول هزاع.
وأضافت أن العبء الاقتصادي وغياب المعيل المادي للأسرة وضع المرأة أمام أعباء وأحمال ثقيلة، بالإضافة إلى قلة خبرتها وضعف ثقتها الذاتية، الأمر الذي جعلها تخضع للشخص الذي يمارس العنف بحقها.
وتابعت هزاع حديثها بأن الموضوع شائك جدًا، فعلاوة على ذلك يتم وصم بعض النساء بأنهنّ يتبعن لتنظيم “الدولة”، على الرغم من كونهنّ ضحايا، وهنّ الآن محجوزات بمخيمات تفتقر للظروف الجيدة، دون وجود أي حل واضح لوضعهنّ، هل هو الترحيل أم الإفراج أم المحاكمات العادلة.
وختمت هزاع حديثها بالتأكيد على ضرورة وجود مراكز تأهيل اجتماعي ونفسي، والعمل على تمكين “ضحايا الإرهاب” لأنها ضرورة وحاجة لبناء المجتمع.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :