كيف يمكن تخليص “ضحايا الإرهاب” من آثاره النفسية طويلة الأمد؟

  • 2019/08/21
  • 11:31 ص
أيزيدية ناجية من تنظيم "الدولة الإسلامية"، المصدر موقع "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، 2019

أيزيدية ناجية من تنظيم "الدولة الإسلامية"، المصدر موقع "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، 2019

آثار نفسية عميقة يُخلّفها “الإرهاب” لدى ضحاياه الذين عايشوا جرائمه أو مسّتهم على نحو خاص حتى بعد زواله، فأشكال وألوان التعذيب والحصار والاختطاف والاغتصاب تترك لدى الضحايا اضطرابات نفسية لا تزول من تلقاء نفسها، فهي بحاجة إلى برامج دعم وتأهيل نفسي طويلة الأمد، إلى جانب تضامن أسري ومجتمعي.

الاختصاصية والمعالجة النفسية، جوانا البزرة، تحدثت لعنب بلدي عن الآثار النفسية التي ترافق “ضحايا الإرهاب”، وأهم البرامج المستخدمة في مجال العلاج النفسي لهم.

ترى البزرة أن “الإرهاب” الذي سيطر على كثير من المناطق في سوريا، لم يرحم امرأةً أو طفلًا أو رجلًا، إذ تصرف “الإرهابيون” بأشنع التصرفات التي لا يمكن لإنسان تخيلها، فكان إرهابًا جسديًا وفكريًا ونفسيًا، في محاولة لفرض سلطة الخوف بالضغط والقوة، ليعيش الناس برهاب وخوف دائم.

وقد تمت معاملة النساء كإماء أو سبايا أو رقيق من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية” وغيره، وقد سمعنا عن محاولات انتحار بين هؤلاء النسوة، خاصة ممّن حملن من دون معرفة نسب أبنائهنّ، فقد أدى إحساسهنّ بالخوف والقلق والاكتئاب وعدم الأمان إلى شعورهنّ بالتهديد والضياع، والقلق من المستقبل المجهول.

وتلفت البزرة إلى أن مراحل عديدة يتبعها الأطباء النفسيون في رحلة علاج الأشخاص الذين تعرضوا لمخاطر الإرهاب، تتم بشكل تدريجي، إلى جانب طلب المساعدة من أهل الضحية وأصدقائها بشكل كبير.

تخطي الأذى بشكل تدريجي

بداية مراحل العلاج تتجلى بمحاولة مساعدة الضحية على تخطي الأذى النفسي الذي تمر به، فعند شعور أحدهم بالذنب أو تأنيب الضمير أو بالاكتئاب والرغبة بالانتحار، يتم العمل على تخليصه من هذه المشاعر تدريجيًا بالتخفيف منها وبتقوية علاقته الإيمانية، بأن يتم على سبيل المثال إخبار الضحايا بأن ما قد تعرضوا له مر به كثر غيرهم، في سوريا وفي العراق وغيرها من الدول التي تعاني من “الإرهاب”. 

كما يتم إخبار الضحايا بأن الحياة هي عبارة عن محطات فيها الجيد وغير الجيد، ولكن عندما نمر بمراحل صعبة يجب أن نعرف كيف يمكن أن نقفز وننسى المرحلة التي مررنا فيها. 

الابتعاد عن تذكير الضحايا بما حدث أو لومهم عليه

الاختصاصية النفسية جوانا البزرة تؤكد أهمية أن يتجنب أهالي الضحايا تذكيرهم بالأحداث التي مرت بهم بأي شكل من الأشكال، وألا يستمعوا للأخبار أو للبرامج التي تتحدث عن مشاكل اجتماعية قد تعيد لذاكرة أبنائهم الأحداث السيئة.

أما بالنسبة للمجتمع المحيط فأهم ما يمكن القيام به لمساعدة الضحايا على العودة للحياة الطبيعية وتجاوز محنهم النفسية هو عدم لومهم أو اعتبارهم مذنبين أو مخطئين، بل على العكس من ذلك يجب التعاطف معهم كونهم ضحايا لما مروا به، وإظهار التضامن لإخراجهم من الحالة التي يمرون بها.

وعلى الأشخاص المحيطين ألا يكرروا القصة على مسامع الضحية بكثرة، وألا يعملوا على تسليط الضوء عليها بشكل كبير، حتى لا تبقى آثارها حية لدى الضحية. 

العلاج بالتنويم المغناطيسي

وتُبيّن الاختصاصية والمعالجة النفسية أن جلسات العلاج النفسي التي ستأخذ بالضحية إلى بر الأمان ستحتاج إلى وقت طويل ليس أقل من سنتين أو ثلاث، وحتى تتمكن من التخلص من الرواسب والذكريات، قد يلجأ المعالجون النفسيون في بعض الأحيان للتنويم المغناطيسي، بهدف فصل الذاكرة عن الأحداث والمشاعر التي ارتبطت بالضحية وبعقلها، وهو ما تعتبره أفضل وأسرع حل، إذ إن كل جلسة تنويم مغناطيسي تعادل تقريبًا عشر جلسات علاج نفسي عادية تعتمد على التحدث. 

وتشير البزرة إلى أن العلاج في التنويم المغناطيسي قد يحتاج من 10 إلى  12 جلسة كأقل تقدير، حتى يتمكن المعالج من الدخول لأعماق الضحية وإخراج “الجراثيم” المعششة داخل العقل، بحسب تعبيرها.

وتلفت البزرة إلى أنه في حال لم يتمكن الضحية من الحصول على فرصة العلاج النفسي فقد يحتاج إلى مرور وقت طويل من أجل نسيان ما حدث ولن يتم ذلك بشكل جذري، لأن هذه الآثار قد تظهر على شكل أمراض جسدية أو قد تتحول إلى اضطرابات نفسية أخرى.

وردت إلى عنب بلدي مراجعة علمية، في 10 من أيلول 2019، من مجموعة من الاختصاصيين النفسيين السوريين، حول طرق تجاوز آثار التجارب العنيفة الواردة في هذا المقال، تنشرها عنب بلدي كما هي:

السادة الأعزاء فريق التحرير في جريدة عنب بلدي:

نحن العاملون على تحضير هذا الملف، مجموعة من الاختصاصيين النفسيين واختصاصيي الطب النفسي، طالعنا المقال المنشور على موقع جريدتكم الموقرة، في 21 من آب 2019، بعنوانكيف يمكن تخليص “ضحايا الإرهاب” من آثاره النفسية طويلة الأمد؟

وانطلاقًا من دورنا كمتخصصين بعلم النفس والطب النفسي، ومهتمين بالشأن السوري وقضاياه العامة، ومنها الصحة النفسية وعلم النفس، نود التنويه إلى بعض النقاط التي وردت في المقال المذكور وتصحيحها بشكل علمي.

مع كامل الشكر والتقدير لجريدتكم لاهتمامها بهذه القضايا الحساسة.

استخدام مصطلح “الإرهاب” في العنوان:

“الإرهاب” مصطلح سياسي وليس مصطلح نفسي أو اجتماعي، وبالتالي طالما أن المقال يتناول أثار نفسية اجتماعية يمكن استخدام مصطلح العنف أو التجارب العنيفة أو الخطف أو الاغتصاب أو الاضطهاد بدل استخدام مصطلح “الإرهاب”.

وأشار المقال إلى ممارسات تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” (داعش)، وبالمقابل لم يشر إلى ممارسات الكثير من الأطراف والأنظمة التي مارست انتهاكات لحقوق الإنسان بشتى أنواعها ومنها تنظيمات أو كيانات محسوبة على دول بشكل رسمي أو غير رسمي في كل من العراق وسوريا وغيرها من دول المنطقة، حيث أن المقال يبدو من هذه الناحية غير متوازن ومنحاز.

فقرة تخطي الأذى بشكل تدريجي:

الاغتصاب أو التعذيب فعل عنيف لدرجة أنه يصعب على العقل تصديقه، وبنفس الوقت هذه الحوادث ليست بسيطة وغير شائعة بالحياة اليومية، وإخبار الناجين منه بأن ما مروا به مر به الكثيرون غيرهم لايساعد على التعافي، لأن فيه معلومات غير صحيحة وبنفس الوقت يشعر الناجون بأن معاناتهم تافهة.

بالإضافة إلى ذلك، لم يرد بأي مرجع اطلع عليه الاختصاصيون الذي أعدوا هذا الملف توصية بإمكانية القيام بهذا الأمر، وعلى العكس التوصيات للتعامل مع الناجين من التعذيب والاغتصاب توصي بعدم تبسيط المعاناة، وضرورة عدم إبلاغ الناجين بأن مشكلتهم عادية أو شائعة أو بسيطة.

بالنسبة للعلاقة الإيمانية بعد التعرض للأحداث الصادمة: نحتاج للانطلاق مما يؤمن به الفرد وعدم تعميم هذا الأمر على جميع الناجين، والحذر في طرح هذا الأمر، خاصةً في المراحل الأولى للعلاج، نظرًا لما مر به الناجون من حدث غير قابل للفهم أو التصديق ويعتبر خارج أي عدالة أو منطق.

النسيان والقفز على الحدث: ليس هدفًا علاجيًا في العمل مع الناجين من الصدمات، وإنما الهدف هو تجاوز الحدث والتعافي، لأن هذا حدث شديد صادم يترك أثره في الفرد حتى بعد التعافي منه.

الابتعاد عن تذكير الضحايا بما حدث أو لومهم عليه:

من المهم بداية تسمية المتعرضين لهذا النوع من الأحداث بـ”الناجين”، وليس “الضحايا”، لمساعدتهم على التعافي.

في هذه الفقرة، القضايا التي ذكرت صحيحة ولكن التفسير غير صحيح مثال: “عدم لوم المحيطين للناجين من الاغتصاب، وعلى الأشخاص المحيطين ألا يكرروا القصة على مسامع الضحية بكثرة، وألا يعملوا على تسليط الضوء عليها بشكل كبير، حتى لا تبقى آثارها حية لدى الضحية”.

ليس هدف ذلك ألا تبقى آثار الحدث، إنما لكي لا يبقى الناجون يعيشون الحدث، وألا يظلوا عالقين بحالة الضحية للحدث الذي تعرضو له.

عبارة “التعاطف معهم كونهم ضحايا لما مروا به”: هذا الأمر لا يساعد الناجين، على العكس يثبت ويرسخ عندهم حالة الضحية والضعف، بدل أن يمكنهم من تجاوز الحدث والتعافي.

تجنب التفكير بالحدث بأي شكل: أمر غير ممكن فعليًا، لأن كل ماحول الناجيين من حوارات وأخبار وربما أشياء بسيطة لاعلاقة به بالحادث قد تجعلهم يفكرون بالحدث.

عدم الاستماع للأخبار والبرامج التي تعيد الذاكرة: ربما يحتاج المعالجون لمعرفة كيف يحدث عيش الخبرات السابقة من خلال اللأخبار والبرامج.

وكجزء من مراحل العلاج المتقدمة يكون العودة لممارسة انشطة الحياة والاستماع للأخبار والبرامج المتعلقة بهذه الاحداث جزء من التعافي من خلال الاندماج في دعم ومساندة الناجيين الجدد من نفس الاحداث التي مر به الناجون الذين قد بدأو العلاج ووصلو لمراحل متقمة  .

العلاج بالتنويم المغناطيسي:

الكثير من الدراسات توصي بأن التنويم المغناطيسي غير صالح للخبرات والأحداث الصادمة ومنها الاغتصاب والتعذيب.

والسبب أن المتعالج خلال تطبيق التنويم المغناطيسي يكون غير فاعل، والفاعلية تكون للمعالج بشكل كبير، وأحد القضايا التي مر بها الناجون من الاغتصاب هو فقدان السيطرة والتحكم خلال التعرض للاغتصاب، وعليه فإن أي علاج ليس فيه فاعلية وحضور كامل للناجين هو علاج غير ملائم لهم.

راجع المقال وشارك بصياغة الرد العلمي:

د. جلال نوفل: استشاري الطب النفسي

د. عمار بيطار: استشاري الطب النفسي

صلاح الدين لكه: اختصاصي نفسي

بيان حقي:  اختصاصية نفسية

ربى درويش : اختصاصية نفسية


المراجع والمصادر:

  • تدريب التدبير السريري لضحايا الاغتصاب- منظمة الصحة العالمية (حضره أغلب المشاركون في إعداد الرد)
  • دليل التدبير السريري لضحايا الاغتصاب- منشورات منظمة الصحة العالمية سنة 2004

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع