“الظلم صعب.. الظلم لا يُنتسى..”، بهذه الكلمات بدأ علي محمد سرد قصة شقيقه “محمد محمد” الذي قُتل على يد عناصر من تنظيم “الدولة الإسلامية” وهو في أول شبابه دون ذنب، ولم يكتفِ التنظيم بقتله بل عمد إلى التمثيل بجثته وسحله على مرأى من أهالي المنطقة.
يسترجع علي محمد في حديثه لعنب بلدي كل مشاعر الحزن والأسى التي حركتها جروح دفينة لم تُدمل، رغم مرور سنوات على مقتل شقيقه، فما يتركه الظلم وقلة الحيلة في النفوس عصي على النسيان، ومن شأن ذكره أن يُضرم النار مجددًا في دهاليز الذاكرة التي تستعيد كل التفاصيل بوجعها ومرارتها.
“في يوم الجمعة 23 من أيار من عام 2014، كان محمد متوجهًا مع أصدقائه في سيارة خاصة إلى تركيا عن طريق معبر جرابلس الحدودي، حين تم اعتقاله على يد عناصر حاجز تابع لتنظيم (الدولة)، بالقرب من قرية (جب الفرج)، وبعد ملاسنة كلامية ونقاش حاد مع أمير مصري منهم، اقتيد محمد إلى قرية (الشيوخ)، حيث عمد عناصر التنظيم إلى قتله بالرصاص، ثم ذبحه والتمثيل بجثته، ولم يشفَ غليلهم بذلك بل قاموا بربطه بسيارة وسحله مسافة 2 كم، بين منطقتي (شيوخ الفوقاني) و(شيوخ التحتاني) ورجموه بعدها بالحجارة ناعتين إياه بالـ (كافر)”.
كان التنظيم يحاول إرهاب المدنيين، عبر اعتقال بعض منهم أو تصفيته، ليتمكن بذلك من بسط سيطرته وفرض قوانينه بالقوة.
يتابع شقيق محمد، “بعدها حصل الكثير من المفاوضات عن طريق وسطاء مدنيين لإحضار جثة محمد، ولكن التنظيم رفض أن يسلمها لنا، ولم نتمكن من إحضارها إلا بعد ثمانية أشهر من الحادثة، وذلك بعد أن تم القضاء على التنظيم في ناحية (الشيوخ) التابعة لمدينة كوباني”.
وأضاف، “على إثر حادثة مقتل أخي محمد توفي والدي بجلطة دماغية”.
متظاهرون متعاطفون حول العالم
تعاطف كثيرون حول العالم مع مقتل محمد الشاب العشريني، خريج قسم اللغة الإنكليزية في كلية الآداب بجامعة حلب، وخرجت مظاهرات في مدن سورية عدة، وفي تركيا والعراق والدنمارك وغيرها مطالبين بالقصاص من القتلة.
القانون الدولي ومحاسبة القتلة
تمتلئ ذاكرة آلاف السوريين بمشاهد مؤلمة، عايشها الضحايا وذووهم، على يد مختلف أطراف النزاع السوري، الذين وإن اختلف وجههم وطريقتهم إلا أن ممارساتهم “الهمجية” وانتهاكاتهم القانونية والإنسانية تصهرهم في بوتقة “مجرمي الحرب”.
وفي ظل قانون الغاب والانفلات الأمني الذي يطغى على المشهد السوري، تكررت مشاهد قتل المدنيين والتمثيل بجثثهم، في واحدة من أبشع أنواع الانتهاكات بحق البشرية، التي تظهر فيها النزعات الانتقامية والثأرية للقاتل الذي لا يُشفى غليله إلا بتقطيع جسد الضحية أو فصل رأسه أو حرقه، وذلك بهدف جعله “عبرة لمن لم يعتبر بعد”.
الحقوقي إبراهيم علبي، مدير “البرنامج السوري للتطوير القانوني” أكد في تصريح سابق لعنب بلدي أن سوء معاملة قتلى الحرب مُجرّم في القانون الإنساني الدولي، سواء كان القتلى مدنيين أم عسكريين.
وأضاف أن للميت حقوقًا دولية بعدم إهانته بمختلف الطرق، ومن بين الحقوق دفنه ضمن الأعراف السائدة وعدم التمثيل بجثته أو الاستهزاء بموته.
أما عن محاسبة المسؤولين، فأوضح علبي أنها صعبة في المرحلة الحالية التي يسود فيها توثيق الانتهاكات فقط، مشيرًا إلى أن الصعوبة تتعلق بعرقلة تشكيل محكمة جنايات خاصة بسوريا، لاعتبارات سياسية، في وقت لا تتمتع فيه محكمة الجنايات الدولية بشرعية لفرض سلطتها على سوريا دون تفويض رسمي.
ومع ذلك شهدت بعض المحاكم الأوروبية قضايا عدة تمت فيها محاسبة متورطين بجرائم ضد الإنسانية في سوريا، ومنهم الجندي السابق في جيش النظام محمد عبد الله، الذي حكم في السويد بالسجن ثمانية أشهر لانتهاكه “الكرامة الشخصية للقتلى”، بعدما انتشرت صورة له وهو يضع قدميه على جثثهم.
كما حكمت محكمة سويدية، عام 2015، على مقاتل سوري في صفوف المعارضة بالسجن خمس سنوات، بتهم “جرائم حرب” بعد انتشار مقاطع مصورة له يعذب فيها الأسرى ويطلق النار على أحدهم.
وبهذا الصدد، قال الحقوقي إبراهيم علبي إن المحاكمات الفردية لأشخاص خارج بلدهم تتم وفق قوانين الدولة التي تحاكمهم، إذ غالبًا ما تعتمد تلك الدول على مبدأ الاختصاص القضائي العالمي، الذي يسمح للمحاكم الوطنية بالتحقيق في جرائم دولية معينة.
أما عن الأدلة، فقال علبي إن القانون الإنساني الدولي يأخذ جميع الأدلة بعين الاعتبار، سواء كانت شهادة أشخاص أو صورًا أو مقاطع فيديو، إلا أن المحكمة المختصة بالمحاسبة، محلية كانت أو دولية، تأخذ الأدلة التي تندرج ضمن معاييرها الخاصة.
–