وطنت قوات الأسد مؤخرًا في بلدة حجيرة، المتاخمة لبلدة السيدة زينب في العاصمة دمشق، قرابة 5 آلاف نسمة من أهالي الميليشيات الشيعية القادمة من مدينة بصرى الشام جنوب سوريا، وذلك بعد تحريرها من قبل فصائل الجيش الحر قبل نحو شهر.
وتفجر الاحتقان الطائفي في بلدة حجيرة ذات الأغلبية السنّية، التي كان يعيش فيها نحو 200 ألف نسمة ينتمون إلى مناطق عدة في سوريا كالجولان وإدلب وريف حلب، قبل غيرها من المناطق السورية منذ بداية الثورة، حيث يعتبر «التعايش بين الطائفتين السنّية والشيعية فيها بركانًا خامدًا أفرغ حممه مطلع الثورة بفعل ممارسات النظام، حيث سعت الأخيرة لزجّ الطائفة العلوية والشيعية في حربها ضد الشعب» وفق ما ينقله ناشطو المنطقة.
تاريخ المواجهة
الناشط الإعلامي ضياء محمد، وهو من سكان حجيرة، يقول في حديثٍ إلى عنب بلدي إن مجموعات من «الشبّيحة» هي من تولت قمع مظاهراتهم في البلدة بداية الثورة، حيث تمثلت هذه المجموعات بشباب من بلدة السيدة زينب المجاورة من الطائفة الشيعية وبعضهم من بلدتهم حجيرة، لتأخذ الثورة في البلدة بعدًا طائفيًا منذ بدايتها حسب قوله.
وتطور الأمر فيما بعد مع بداية تسلح الثورة، وتحوّل مجموعات «الشبّيحة» في المنطقة إلى ميليشيات ارتكبت العديد من المجازر في حجيرة، أبرزها وقعت بتاريخ 18 نيسان 2012 وراح ضحيتها أكثر من 130 شهيدًا وفق لجان التنسيق المحلية، حين اُستهدفت مظاهرة لجمعٍ كبير من الأهالي بصاروخٍ موجه.
ومع انتقال السيطرة إلى الجيش الحر، تولت تلك الميليشيات قتال الحر على أطراف حجيرة بالقرب من مقام السيدة زينب، الذي يعتبر من أهم الأماكن المقدسة عند الشيعة في العالم، ليكون ذلك ذريعة ليستقدم النظام الآلاف من المقاتلين اللبنانيين والعراقيين والإيرانيين للقتال معه ضد الثوار.
وفي تشرين الثاني من 2013 شنّ الأسد حملة عسكرية مدعومًا بحزب الله اللبناني ولواء «أبو الفضل العباس» و»ذو الفقار» العراقي ضد مناطق جنوب دمشق، تمكنت حينها من السيطرة على 6 بلدات في المنطقة منها حجيرة.
ارحلوا!
أعمال سرقة ونهب وحرق للمنازل نفذتها الميليشيات في البلدة فور السيطرة عليها؛ إذ يقول ضياء محمد إن منازل عددٍ ممن تلاحقهم قوات الأسد في البلدة من ناشطين أو منتمين للجيش الحر أحرقتها الميليشيات، ومن بينها منزله ومنزل أخيه كما هدمت منزل العائلة.
ويضيف «أعطت الميليشيات عشرة أيام لأهالي البلدة، مهلةً لإفراغ المنازل من الأمتعة باستثناء الكهربائيات التي سلبتها وبيعت لاحقًا في الأسواق».
وحاولت عائلاتٌ من سكان حجيرة العودة للبلدة لتستقر فيها إلا أنها منعت بحجة أن المنطقة عسكرية ولا مكان للمدنيين فيها، ومن بينهم عائلة أم أحمد التي تقول إنها حاولت العودة لمنزلها الواقع قرب دوار حجيرة عدة مرات إلا أن «الشبّيحة» كانوا يطردونها ويطلبون منها الرحيل بلغة التهديد، وفق تعبيرها.
وتتابع أنها فقدت زوجها قبل نحو عامين جراء قصف النظام للبلدة ولا معيل لها ولأطفالها الثلاثة الآن إلا عملها كخادمة في المنازل، مشيرةً إلى سكنها مع أطفالها في غرفة صغيرة بالأجرة في أحد الأحياء العشوائية في العاصمة.
«ضاحية جنوبية»
وتضيف أم أحمد أنها «تفاجأت» عندما رأت إحدى العائلات تسكن منزلها في آخر مرة ذهبت لزيارته، بعد أن طلبت الميليشيات المسيطرة على البلدة منها «إذنًا شكليًا» للاستقرار في منزلها.
وبعد وصولها إلى المنزل علمت أم أحمد أن الأشخاص الذين سكنوه هم عائلة أحد عناصر الميليشيات الذي ينتمي إلى بصرى الشام وقد هرب مع عائلته بعد تحرير الجيش الحر للمدينة الشهر الماضي، حالها حال المئات من الأهالي.
لا يمكن وصف ما يحدث في المناطق التي تخضع لسيطرة الميليشيات الشيعية في جنوب دمشق إلا «بالتوطين» بحسب ضياء محمد، الذي يرى أن قوات الأسد تسعى لتشكيل «طوق شيعي» حول السيدة زينب لـ «تكوين ضاحية قرب العاصمة دمشق أشبه بالضاحية الجنوبية في بيروت».
ويشهد الجنوب الدمشقي المجاور تجييشًا طائفيًا كبيرًا وعلى العلن، وذلك من قبل المقاتلين الإيرانيين والأفغان والعراقيين الذين يهددون بإبادة «السنة» وتطهير الشام منهم «دفاعًا عن زينب».