عنب بلدي – خاص
تتسارع الخطوات التركية- الأمريكية الرامية إلى إنشاء “المنطقة الآمنة” شمال شرقي سوريا، في ظل توافق جزئي بين الطرفين على خطوطها العريضة واختلاف في تفاصيل العمق والسيطرة.
بعد محادثات طويلة بين الطرفين، وتهديد ووعيد من الجانب التركي بالتحرك بشكل أحادي لشن عملية عسكرية وإنشاء المنطقة، كان يقابل بمماطلة أمريكية، اتفق الجانبان، مطلع آب الحالي، بشكل مبدئي على إنشاء المنطقة، في ظل موافقة من “الإدارة الذاتية” على الاتفاق، باعتبارها المسيطرة على مناطق شمال شرقي سوريا، لكن وفق شروط رافضة للتصور التركي حول تفاصيل المشروع.
إصرار تركي
تفاصيل الاتفاق بين الطرفين لم تتضح بشكل كامل حتى الآن، واكتفيا بالإعلان أن “المنطقة الآمنة “ستكون “ممر سلام” وسيتم بذل جميع الجهود الممكنة من أجل عودة السوريين إلى بلدهم، وللعمل على ذلك قررت أنقرة وواشنطن إنشاء مركز عمليات مشترك في تركيا، لتنسيق شؤون وإدارة المنطقة، في مسعى لتنفيذ التدابير الأولى بشكل عاجل لإزالة مخاوف تركيا الأمنية على حدودها الجنوبية مع سوريا.
وتعتبر تركيا “وحدات حماية الشعب” (الكردية) المدعومة أمريكيًا، امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني” المحظور في تركيا والمصنف إرهابيًا، وتحاول إبعادها عن حدودها الجنوبية.
أعقبت الاتفاق خطوات متسارعة من قبل أنقرة لتنفيذ المشروع، في محاولة إصرار تكشف نوايا واشنطن تارة، وخوفًا من تكرار المماطلة الأمريكية في تجربة اتفاق منبج، عندما توصل الطرفان إلى خارطة طريق في حزيران 2018، تتم على مراحل محددة، تبدأ بانسحاب قادة “الوحدات” وتشكيل إدارة محلية وتشكيل المجلس المحلي والعسكري اللذين سيوفران الخدمات والأمن في المدينة، حسب التوزع العرقي للسكان، لكن واشنطن لم تلتزم بالاتفاق.
وفي ظل تأكيد تركيا على لسان وزير خارجيتها، مولود جاويش أوغلو، الخميس 8 من آب، أن أنقرة “لن تسمح بأن يكون الإلهاء هدف هذا الإجراء (إنشاء منطقة آمنة)، على غرار ما حدث في خطة طريق منبج”، بدأت مباشرة بالإعلان عن إنشاء مركز العمليات.
وأعلنت وزارة الدفاع التركية، في 13 من آب، وصول وفد أمريكي مكون من ستة أشخاص بدأ أعمال إنشاء البنية التحتية لمركز العمليات في ولاية أورفة التركية من أجل البدء بالعمل في أقرب وقت ممكن، كما بدأت الطائرات دون طيار التركية بالتحليق في مناطق شمالي سوريا، في إطار الاتفاق مع واشنطن.
كما أوفدت أنقرة وزير دفاعها، خلوصي أكار، برفقة قادة الجيش إلى ولاية أورفة الحدودية مع سوريا، لتفقد مركز العمليات المشتركة، في 16 من آب، وأكد من هناك أن “مركز العمليات المشتركة سيبدأ عمله بكامل طاقته، اعتبارًا من الأسبوع المقبل”.
وقال، “لقد توصلنا إلى اتفاق عام حول التنسيق والسيطرة على المجال الجوي، وكذلك حول العديد من القضايا الأخرى”، معتبرًا أنه إلى الآن تم الالتزام بالجدول الزمني المتفق عليه مع أمريكا، دون أي مشاكل، وتوقع أن يستمر الأمر على هذا المنوال في المستقبل.
وفي ظل التحرك المتسارع لتركيا، عادت واشنطن للروتين الذي كانت عليه قبل الاتفاق، فأكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، شون روبرتسون، الخميس 15 من آب، أن الاتفاق بين تركيا وأمريكا لإقامة المنطقة الآمنة سيتم تنفيذه بشكل تدريجي، وأن آلية الوصول إلى المنطقة سيتم تنفيذها على مراحل.
وأضاف روبرتسون أن واشنطن تراجع في الوقت الحالي الخيارات حول مركز التنسيق المشترك مع الأتراك، وأن بعض العمليات المتعلقة بالاتفاق ستبدأ في وقت قريب.
موافقة مشروطة من “قسد”
وتتجه الأنظار إلى “الإدارة الذاتية” التي تسيطر على شمال شرقي سوريا، بجناحها العسكري “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي أكد قائدها العام، مظلوم عبدي، لوكالة “هاوار” التابعة لـ”لإدارة”، في 14 من آب، أن مشروع “المنطقة الآمنة” كان مطلبًا سابقًا للإدارة الذاتية، في إشارة لموافقة الأخير على إنشاء المنطقة برعاية أمريكية وبشروط تصب في مصلحتها.
وقال عبدي إن “الموضوع الأساسي هو حماية الحدود، وهناك مشكلة أمن الحدود بين شمال وشرق سوريا والدولة التركية. رسميًا تسمى (المنطقة الآمنة)، ونحن باستطاعتنا تسميتها بـ (المنطقة الآمنة). ولكن جوهرها هو أمن الحدود”.
وأضاف القيادي أن “قسد” ترى ذلك أمرًا إيجابيًا، إذ تم الاتفاق على الخطوط العريضة، في ظل عدم وجود تفاصيل بعد، فـ ”المسائل الثلاث الأساسية التي ظهرت في الإعلام هي مسائل أساسية ونحن نتفق مع ما ظهر. نحن على ثقة أن إطار الاتفاق مناسب للوصول إلى حل، ولكن ما زالت هناك الكثير من التفاصيل”.
ومن جانب آخر فإن “الإدارة الذاتية” ترسم ملامح خاصة بالمنطقة الآمنة قد تختلف مع التصور التركي الذي تصر عليه أنقرة حول عمق وشكل المنطقة وإدارتها، وهو ما أكد عليه المسؤولون الأتراك مرارًا، وكان أحدثه قول وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، إن بلاده تصر على إقامة المنطقة بعمق 30 إلى 40 كيلومترًا داخل الأراضي السورية.
لكن القائد العام لـ “قسد”، مظلوم عبدي، قال، “الأمور التي قبلنا بها كانت في مشروعنا بالأساس، تتضمن المنطقة الممتدة من نهر دجلة إلى نهر الفرات على طول الحدود، لم نقبل أن تتضمن منطقة محددة فقط، إذا حصل اتفاق يجب أن يشمل كل مناطق شمال شرقي سوريا”.
وأضاف عبدي، “المنطقة بأكملها عمقها خمسة كيلومترات، ولكن في بعض المناطق بين سري كانيه وتل أبيض يصل عمق المنطقة إلى تسعة كيلومترات، وفي مناطق صغيرة جدًا يزداد العمق إلى 14 كيلومترًا بين سري كانيه وتل أبيض، بشكل عام عمق المنطقة هو خمسة كيلومترات، ولكن في أماكن صغيرة محددة تتراوح بين 9 و14 كيلومترًا”.
وتختلف أنقرة وواشنطن على نقاط عدة فيما يتعلق بـ “المنطقة الآمنة”، إذ تتطلع تركيا إلى إقامة المنطقة بعمق 30 إلى 40 كيلومترًا داخل الأراضي السورية، وتولّي السيطرة عليها، وإخراج مقاتلي “قسد” منها، بينما تريد واشنطن أن تكون المنطقة بعمق خمسة كيلومترات دون دخول القوات التركية أو المدعومة منها.