أسامة آغي
تشكّل سياسة “الأرض المحروقة” التي تنتهجها روسيا ضدّ مناطق شمالي حماة وجنوبي إدلب سمة حقيقية لنمط التفكير الروسي، الذي يعتقد أنّ الانتصار العسكري لا يأتي بغير عمليات تدمير شامل للحياة في القرى والبلدات والمدن المحررة. هذا التدمير المرعب مارسه الروس في مناطق عديدة من سوريا، منها غوطتا دمشق والجنوب السوري وكذلك في الجزء الشرقي من مدينة حلب.
هذه السياسة الروسية لا يمكن أن تكون صائبة وتحقّق أهدافها في كلّ المناطق السورية، فهناك مصالح لآخرين لا يقبلون بالتراجع عنها لصالح التعنت والهمجية العسكرية الروسية.
وكي يكون الكلام واضحًا ومكشوفًا، فإن إدلب مع شمالي حماة، إضافة إلى شمالي حلب، هي مناطق ذات حساسية عسكرية وأمنية للجارة تركيا، فهذه المناطق تشكّل خزّانًا بشريًا أخيرًا للسوريين الهاربين من جحيم براميل وصواريخ وهجمات النظام السوري وحلفائه، بقصد التغيير الديموغرافي، وهي تقع تحت سيطرة فصائل الثورة.
ولكن هناك من يقول: إنّ شمالي حماة وإدلب قد يخضعان لعملية تبادل منفعة بين الروس والأتراك، وهذه المنفعة ترتكز على إغماض روسيا عينيها عن تصميم الدولة التركية على خلق “المنطقة الآمنة” في شرق الفرات، ابتداءً من خطّ الحدود السورية التركية من تل أبيض حتى اليعربية، وبعمق يتراوح ما بين 30 و40 كيلومترًا داخل الأراضي السورية.
إذا فكّرنا جيدًا بهذه المقايضة المفترضة بين روسيا وتركيا، سنستخلص منذ البداية خطأ هذه المقولة من أساسها. فالروس يريدون السيطرة على المناطق التي يمرّ بها الطريق “M4” القادم من اللاذقية باتجاه حلب، والسيطرة على الطريق “M5” الذي يصل بين حلب ودرعا. قسم من هذين الطريقين يقع تحت سيطرة فصائل الثورة، وهما ضمن المنطقة الخاضعة للضمانة التركية بموجب اتفاقات أستانة.
والسؤال: ما الذي يجبر تركيا أن توافق على سيطرة روسيا والنظام السوري على هذين الطريقين الاستراتيجيين، اللذين يشكّلان محفّزين حقيقيين للتجارة والاقتصاد المار عبرهما بما يخدم استمرار النظام وتقوية أوراقه؟ كذلك ما المقابل المفترض الذي يجب أن تقدّمه روسيا لتركيا مقابل قبول تركيا بنشاط هذين الطريقين المهمين؟
لنقل على المكشوف: إن روسيا لا تملك أدنى تأثير حقيقي على الوضع في منطقة شرق الفرات (الجزيرة) لتقايض به تركيا، وإن الذي يسيطر على الوضع شرق الفرات هم الأمريكيون ومعهم حليفهم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
هذه الحقيقة يجب أن تشكّل قاعدة عمل لكسر تصميم روسيا على السيطرة على المناطق التي يمرّ بها الطريقان الدوليان “M4″ و”M5”. كسر إرادة الروس وجنونهم التدميري ضدّ المناطق المحررة في شمالي حماة وإدلب يتمّ من خلال اتباع أسلوب التحصينات، وأسلوب حرب العصابات، والعمل خلف حدود خطوط العدو، بأسلوب الكرّ والفرّ.
روسيا غير قادرة على تحمّل حرب استنزاف طويلة لقواتها وقوات حلفائها، ولهذا فهي تتبع سياسة الأرض المحروقة لتحقيق نتائج سياسية، تضعها على طاولة أي مفاوضات مقبلة.
إنّ مصلحة تركيا كدولة عبّر عنها رئيسها، رجب طيب أردوغان، حين قال إنه “لا يمكن الجلوس إلى طاولة المفاوضات دون النزول إلى الساحة”. والسؤال: ما مصلحة تركيا بإغماض عينيها عن ورقة إدلب وشمالي حماة، وهي منطقة خفض تصعيد وتوتر تحت ضمانتها؟ لذلك يمكن القول إن الجنون الروسي ضدّ إدلب يحتاج من يوقفه عند حدوده، وهذه الحدود هي مقاومة فصائل الثورة بضراوة لأي حل عسكري تحاول روسيا فرضه على هذه الفصائل.
إنّ صمود فصائل الثورة رغم قسوة وفظاعة الهجمات الروسية سيفتح الباب واسعًا باتجاه مفاوضات حقيقية على أرضية القرار الدولي 2254، الذي يعني انتقالًا سياسيًا للسلطة في البلاد وسلامًا على شعبها.