إدلب – شادية التعتاع
بدأت باصات التهجير القسري بالخروج من الغوطة الشرقية إلى المناطق الشمالية والشمالية الغربية لسوريا، في نهاية آذار عام 2018، ليحمل أهل الغوطة معهم همومهم وتعب سنوات الحصار، دون نسيان حرَفهم ونشاطهم الذي عُرفوا من خلاله.
لم يكن الحال في الشمال أفضل، فالمنطقة تشهد حربًا أيضًا ومعارك متواصلة، وتنتشر فيها البطالة والفقر، ولكن سرعان ما تأقلم الأهالي مع وضعهم الجديد، وبدأ أصحاب المهن والحرَف بإعادة إحياء ما كانوا عليه، فأسسوا المشاغل وفتحوا المحلات وبدأت المصانع والورشات بالعمل.
وشرع بعض المهجرين من أهالي الغوطة الشرقية، التي كانت مشهورة بصناعة الفواكه المجففة والكونسروة والمربيات، بافتتاح ورشات تصنيع قمر الدين في الشمال السوري، فافتتحوا ورشتين في مدينة عفرين وأخرى في بلدية سرمين بريف إدلب الشمالي.
وافتتح مجموعة من الشباب المهجرين من مدينة عربين في الغوطة بريف العاصمة دمشق، ورشات لتصنيع قمر الدين، مستفيدين من خبرتهم السابقة في هذه المهنة المتوارثة عن الآباء والأجداد، بحسب ما قال يحيى هاشم، وهو عامل في مجال صناعة قمر الدين بالشمال السوري.
وأضاف يحيى هاشم أن التوجه كان إلى عفرين حيث يزرع المشمش بشكل أكبر من بين مناطق الشمال السوري الأخرى، مشيرًا إلى أنه ليس بالجودة التي كانت تتمتع بها الفاكهة في مزارع الغوطة و”لكنه يفي بالغرض”.
وينتشر قمر الدين المصنع في حمص وحماة في الشمال السوري، ولكنه بحسب يحيى ليس بذات الجودة التي كان يصنع بها في الغوطة، و”حين افتتح بعض مهجري عربين ورشة لتصنيع المادة في عفرين عاد الشراب إلى مائدة كثير من المهجرين، خلال شهر رمضان الماضي، كما هو المعتاد”.
كيف تتم صناعة قمر الدين
عصام الريا، وهو من أهالي ريف إدلب الجنوبي، وكان يعمل في صناعة قمر الدين بالغوطة الشرقية، وعاد لمزاولة مهنته بعد عشر سنوات، يروي لعنب بلدي طريقة صناعة قمر الدين التي تعتمد على مراحل أساسية من جني محصول المشمش وغسيله وتعبئته في صناديق صغيرة ضمن غرفة صغيرة تدعى “المبخرة”.
يبخر المشمش عبر إشعال مادة زهر الكبريت بالبخار الصادر عنها، لتعقيم حبات المشمش وتنقيته من الشوائب والحشرات الزراعية، ثم يدخل إلى “القشارة” للتخلص من القشور.
وفي المرحلة التالية يتم عصر المشمش والتخلص من بذوره، ويضاف إلى الناتج السكر والقطر مع التحريك المستمر، ثم يصفى لأربع مرات متتالية.
وفي مرحلة التجفيف ينقل العاملون العصير لقنوات خشبية، يسميها المختصون “الدفوف”، في الهواء الطلق، وتعرض لأشعة الشمس بعد دهن “الدفوف” بزيت الزيتون كي لا يتأثر طعم المنتج.
يترك العصير تحت أشعة الشمس من أربعة إلى خمسة أيام، وتنقل الشرائح لمرحلة التنظيم والتقطيع ومن ثم التخزين أو البيع.
تستغرق تلك المراحل، بحسب عصام الريا، عدة أسابيع، وتتطلب المراحل التي تسبق التجفيف مهارة في سكب العصير ضمن “الدفوف” بكميات متساوية، للحصول على شرائح متناسقة من قمر الدين.
ويضيف محروس منينة، وهو أحد تجار قمر الدين وصناعها في الشمال السوري، أن الصناعة تشهد بعض الصعوبات، لا سيما فيما يخص تسويق المنتج، بعد أن غابت الغوطة الشرقية في سنوات حصارها عن سوق التصريف الخارجي، إذ كانت المادة تصدر إلى مصر ودول الخليج وتركيا وباكستان ودول المغرب العربي.