عنب بلدي – ميس حمد
“كانت أجواءً إيجابية وبناءة”، بهذه الكلمات لخص وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، اجتماعًا ثنائيًا أطفأ نار التوتر في العلاقات التركية- الأمريكية، في 7 من آب 2019، واستطاع إيجاد هامش سياسي أخيرًا يفضي إلى منح أنقرة ضوءًا أخضر للمضي في مشروعها شرق الفرات في سوريا، وإحداث “المنطقة الآمنة” التي وقع تفسيرها في فخ التأويل بين اعتبارها منطقة “عازلة” أو “آمنة”، حسب توصيف أنقرة لها.
لغة التقارب تلك أثارت مخاوف كردية من معاودة خوض تجربة نزوح جديدة إلى مدن شرق الفرات، شبيهة بتجربة عفرين التي استقطبت كاميرات وأقلام الإعلام الغربي كـ”الجارديان” و”نيويورك تايمز” لتغطية المعارك وممارسات فصائل المعارضة السورية على الأرض بحق المدنيين الكرد، والادعاء برغبة أنقرة في إحداث تغيير ديموغرافي مقصود يهدف إلى نفي السكان.
تخوف مماثل عاود الظهور مجددًا مع إعلان أنقرة التحضير لمعركة شرق الفرات التي تريد من خلالها السيطرة على مناطق على طول الشريط الحدودي مع سوريا، وإبعاد المنظمات التي تسيطر على المنطقة وتصنفها “إرهابية”. هذه المخاوف من تكرار سيناريو حرب عفرين، ظهرت خصوصًا مع اتخاذ واشنطن موقع “الحليف الثنائي الدبلوماسي” مع أنقرة، بعد انتهائها من وجود تنظيم “الدولة الإسلامية” شمالي سوريا.
عفرين في الذاكرة
“لا تزال صور حرب عفرين وهجرة سكانها تثير مخاوفنا”، هكذا استهل فراس محمد (30 عامًا)، وهو مواطن يقيم في القامشلي على الحدود السورية- التركية، حديثه عن احتمالية تكرار سيناريو عفرين والنزوح نحو المدن المجاورة مع إعلان أنقرة معركتها شرق الفرات.
“من الصعب تخطي ما رأيناه وما حدث هناك، وإن تكرر فستكون موجات النزوح أكبر مما حصل في عفرين”، أضاف فراس، لكنه أردف، “هذا مستبعد فقوات سوريا الديمقراطية بتحالفها مع قوات التحالف تجعل من احتمالية الهجرة خيارًا مستبعدًا”.
وتسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” على مناطق شمال شرقي سوريا، وهي القوات التي كانت تسيطر على عفرين، قبل دخول فصائل المعارضة المدعومة تركيًا إلى المنطقة، في كانون الثاني 2019، وسط تراجع أمريكي آنذاك عن دعم حليفها المحلي.
وعن وجهة النزوح المحتمل، إن حصل، فيرى فراس، المقيم في القامشلي، أن إقليم كردستان العراق بديل جغرافي أكثر قربًا لسكان منطقة شرق الفرات، مما لو تم النزوح إلى بقية المحافظات السورية.
المخاوف موجودة.. الكارثة مستبعدة؟
القيادي في تيار المستقبل الكردي في سوريا، علي تامي، برر مخاوف المواطنين في المنطقة بعدم وجود تنسيق مع أي طرف كردي معارض لـ”قسد” وكذلك “الاتحاد الديمقراطي” الذي يعد من أبرز الأحزاب المشكلة لـ”الإدارة الذاتية”.
وأضاف القيادي أن واشنطن “غير جادة” في الاتفاق، وإنما تحاول تجنيب المنطقة كارثة جديدة، معتبرًا أن السقف الزمني لأي خطوات في شرق الفرات قد يكون بعد شهرين على أبعد تقدير.
ولا يزال شكل المنطقة وآليات مشروع “المنطقة الآمنة” ضبابيًا حتى اليوم، إذ تصر تركيا على أن تكون على طول 460 كيلومترًا بعمق 30 إلى 40 كيلومترًا داخل سوريا، وخروج مقاتلي “قوات سوريا الديمقراطية” منها، بينما تريد واشنطن المنطقة بعمق خمسة كيلومترات، دون دخول للقوات المدعومة من تركيا.
رؤية إيجابية أخرى نحو الاتفاق التركي- الأمريكي، يُجملها الناشط السياسي عبد القادر عاكوب، خلال حديثه إلى عنب بلدي، تتلخص في أن “التخوف غير منصف، وسيناريو عفرين لن يتكرر، فالمعركة الأولى تمت من جانب واحد، والتقارب اليوم أفضل الحلول الموجودة، كما أن واشنطن لا تزال ضامنًا للاتفاق فضلًا عن أنه يصب في مصلحة الكرد الراغبين في العودة من تركيا”.
ويدور الحديث عن تكرار تجربة منبج، بتسيير دوريات مشتركة بين أنقرة وواشنطن دون عمليات عسكرية أو سيطرة من قبل الطرف التركي أو فصائل المعارضة على المنطقة، وخير دليل على ذلك مدينة رأس العين الحدودية، إذ كانت في واجهة التوترات على طرفي الحدود دون أن تشهد حالات نزوح.
طرحت فكرة المنطقة الآمنة لأول مرة من قبل تركيا خلال الزيارة التي قام بها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى واشنطن، في أيار 2013، ودخلت أنقرة وواشنطن في مفاوضات متعثرة منذ ذلك الوقت.