خطيب بدلة
أفرحُ، كلما قرأت خبرًا يتعلق بتحرر المرأة في مكان ما من بلادنا، وأتمنى لو أستطيع التعبير عن فرحي بأن أجدل منديلًا أبيض وأدبك به وأصيح دُهْ دُهْ، مثلما كانت -وما زالتْ- حثالاتُ مجتمعنا تدبكُ بمناسبة الحركة التصحيحية، تعبيرًا عن الحب لحافظ الأسد (ووريثه) الذي لم يترك بيتًا في سوريا إلا وأدخل عليه الحزن والحِداد، وبضمن ذلك بيوت أفراد هاتيك الحثالات… ولا أقتصرُ في فرحي واحتفالي، إذا أمكن، على الدبكة، بل أفشخ من فوق خروف ذي قرنين معقوفين، وأُخرج السكين من زناري وأذبحه جاعلًا دمه ينشب في الهواء، وفي خاتمة المطاف أسحب فردي الستندر من زناري وأطلق مشطًا كاملًا مثلما فعل ابنُ بلدنا “أبو هداد” حينما أطلق النار في أحد أعراس البلدة فأصاب امرأة كانت تزغرد على سطح منزل مجاور فأرداها قتيلة.. أفعل ذلك كله، لأنه ليس أمرًا قليلًا أن تتحرر المرأة في بلادي، فيخطو مجتمعنا، بذلك، خطوة أولى إلى الأمام على طريق المجد والحضارة.
الخبر الذي أثار فرحي هذه المرة يتحدث عن منظمة نسائية تعمل في منطقة خارجة عن سيطرة نظام ابن حافظ الأسد، تحمل اسمًا طويلًا تتخلله كلمة “تمكين”، وهي مفردة عزيزة على قلوبنا نحن السوريين الذين عشنا تحت سيطرة الأسد الأب والأسد الابن، وبالأخص “تمكين اللغة العربية”، وهي فكرة عبقرية ورثها بشار عن والده، ومناسبتُها أن الأب كان جالسًا ساعات طويلة في مهرجان خطابي (دون أن يشخّ)، والرفاق الخطباءُ يصعدون إلى المنصة متسلسلين مثل ملاقط حبل الغسيل، وورقة الواحد منهم أكبر من ملحفة اللحاف، ويبدأ بإلقاء خطاب صميدعي عامر بالمشاعر الوطنية والقومية المعادية للاستعمار والإمبريالية والصهيونية والرجعية وأذناب الاستعمار، ويدعو فيه لتحقيق الوحدة الكبرى بقيادة هذا المناضل التاريخي الكبير الماثل أمامكم أيها الرفاق..
وتقول الحكاية إن هذا المناضل التاريخي، حافييظ، انتبه، وهو المشهودُ له بالنباهة، إلى أن كل الخطباء -عدا الأستاذ صفوان قدسي- توجدُ بينهم وبين اللغة العربية ثارات لا تقل عن (ثارات كُليب من جساس)، وينطبق عليهم قولُ إبراهيم طوقان في القصيدة التي خصصها لمعاتبة أحمد شوقي في مديح معلم المدرسة:
فأرى حمارًا بعد ذلك كله- رفعَ المضافَ إليه والمفعولا
فالتفت إلى الهدهد الجالس بجواره، وقال له باختصار: اللغة العربية تحتاج إلى “تمكين”. فهبت، منذ صباح اليوم التالي، رياح التمكين لتملأ السهل والوعر، وطلع يوسف الصيداوي في التلفزيون ببرنامج يومي تتحدث فيه اللغة العربية عن ذاتها (أنا البحرُ في أحشائه الدرُّ كامنٌ)، وانفلتت الدورياتُ المؤللة على أصحاب المحلات والدكاكين يأمرونهم بإزالة الآرمات التي تتضمن أسماء أجنبية، وصار الذي يسوى والذي لا يسوى يتحدث عن تمكين اللغة العربية، هذا المرض الوراثي الذي ظهر في أيام الوريث بشار على نحو أكثر قوة وانتشارًا وشراسة، حتى إن اتحاد الكتاب العرب اهتم به وفضله على إبداع الشعر والقصة والرواية.
الآن، الشباب، في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، يتحدثون عن تمكين المرأة.. تمكنونها من أيش، يا عين عمكم، بعدما همشتموها، وقمعتموها، وجللتموها بالسواد؟!