حنين النقري – دوما
أولُ ما أشعل فتيل ثورة الشعب ضدّ نظامه، كان طريقة تعامل الأخير الوحشية مع أي تعبير يخالف ما يراه. تعاملُ النظام مع أطفال درعا كان همجيًا جدًا، وكانت ثورة الشعب – بداية- حميّة وفزعة نصرة لدرعا المكلومة. ومع مرور الوقت بدأت أحادية الرأي والتعامل القمعي مع «أي» اختلاف حرفيًّا تبدو واضحة للعيان أكثر، وهذا طبيعي مع قمع دام عقودًا…
لكن السؤال: إلى أي مدى تشرّبنا كشعب رفض الاختلاف؟ وهل نتمتع بدرجة مرونة بالتعامل مع الاختلاف في مجتمعنا؟؟ حديثي هنا ليس عن الآراء السياسية، فالأمر يكاد يكون محسومًا بأن الكثيرين يمارسون القمع على أفكار سواهم كالنظام تمامًا (وإن لم يكن بوسائله الإجرامية)، لكن حديثي عن الحياة اليومية، عن العادات الاجتماعية ومدى تقبّلها لأن تكون «مختلفا» عمّن حولك!
الاختلاف أحيانًا يكون بإرادتنا، كاختيارنا لفرع لا يوافق رغبات الجميع، اختيار زوجة وفق معايير خاصة غير تلك التي يفرضها المجتمع، اختيار نمط حياة مغاير للسائد، إدارة الوقت بطريقة تناسب اهتمامات قد لا يراها المجتمع مهمّة، عدم ارتياد المدارس أو الجامعات والاستعاضة عنها بدراسة ذاتية، رفض لعادات أو أعراف لا نؤمن بها… والقائمة تطول..
تعامل المجتمع مع أي من هذه الأنواع من الاختلاف هو تعامل قمعيّ للغاية، البعض لا يرغبون أن يشعروا بأن أحدهم يحيا حياته بطريقة أخرى، وأن أعمارهم كان يمكن أن تُدار بشكل أفضل!
ستجد دومًا -أينما التفتّ- من يوجه لك نصحًا عن كيفية إدارة حياتك وما هو أنسب لك! وكأنك غير قادر على الاختيار أو تحديد ما تريد! (سيُشعِرك البعض دومًا أنهم يعرفون كيف عليك أن تحيا أكثر من نفسك!)
النوع الثاني من الاختلاف، هو اختلاف يتمّ خارج إرادة الإنسان، اختلاف خلقيّ، نعم.. إن كنت ممن لديهم أفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة في منازلهم ستفهم ما أعنيه. فمنذ أن تخبر من حولك أنك رُزِقت بطفلٍ عنده اختلاف ما (كفيف، توحدي، عنده متلازمة داون…) سيبدأ الجميع بتوجيه دعوات الصبر لك… نظرات الشفقة ستلازمك وستحوم حولك… والهمزات واللمزات والتلميح (والتصريح أحيانًا) ستكون أساليب جرح عليك أن تدرك كيفية التعامل معها!
أي قُبلةٍ منك لصغيرك المختلف، أو ضمّة حب حقيقية، سيتم التعامل معها بمقولة (خطي… بيكسب ثواب!) وكأن محبتك له زائفة، وكأنه ليس من صلبك!!
أي اصطحاب لطفلك المميز المختلف لمناسبات اجتماعية ستقابل بالاستغراب!! نعم، يجب أن تتقوقع على اختلافك وتخفيه كعارٍ كتب عليك!!
هل تعلم أن بعضًا ممن رزقوا بأطفال مختلفين باتوا يخجلون حقًا من اصطحابهم أو إظهارهم اجتماعيًا بسبب معاملة المجتمع لهم؟ أي قمع أكبر من هذا؟
الأطفال المختلفين، المميزين، ذوي الاحتياجات الخاصّة هم جزء طبيعي من المجتمع. جزء مختلف بنسبة طبيعية، ولهم حقوق يجب أن نحفظها لهم ونسعى لترسيخها وإن لم يسعَ أصحابها لذلك…
أول حقّ، وأبسط حقّ، أن نتعامل مع اختلافهم على أنه طبيعي، دونما إحساس بالشفقة!! أهاليهم ليسوا بحاجة نظراتكم المشفقة، وتمتمات شفاهكم الهامسة (الله لا يبلينا)!… أهلهم يحبّونهم حقّا… لا يصطنعون ذلك… يهتمون بهم ويخافون عليهم… يقلقون إن مرضوا… يبكون إن أصابهم مكروه…
هم مختلفون؟ وما الضير بأن تكون مختلفًا…
سواء أكان اختلافك إراديًا أم لا إراديًا، لك الحقّ، كل الحقّ في أن تحياه بحبّ وشغف، لك الحق في أن تثور أمام أي ممارسة قمعية تجاه اختلافك الذي تحبّه…
لا تسمح لأحد بأن يسلبك تميّزك… دافع عن اختلافك!