مدينة عفرين.. النسيج المُلفق والمستقبل المجهول

  • 2019/08/17
  • 3:23 م

تحطيم تمثال كاوا الحداد في مدينة عفرين - 2018 (daraj)

ناصر علم الدين

عفرين تلك المدينة الفارهة المبنية على أحدث أطرزة العمران، تتجول في شوارعها فتلحظ حالة الترقب والوجوم بين سكانها الأصليين والوافدين إليها من شتى المناطق السورية. مركز عفرين الثقافي تحوّل إلى مقر لأحد الفصائل العسكرية التابعة لتركيا، كما أن الشوارع الرئيسية باتت تحمل صبغة أعلام المعارضة السورية، فمن دوار كاوا سابقًا إلى دوار غصن الزيتون موشحًا بصرح يحمل العلمين التركي والسوري الأخضر، إلى صور الرئيس التركي التي باتت تشابه في كيفية نشرها صور رأس النظام السوري في شوارع دمشق، حيث بات الاستزلام بالأتراك وسيلة للعيش لدى كثير من الفصائل العسكرية والمنظمات المدنية والمجالس المحلية.

يتهم الكرد الوافدين العرب من محيط دمشق باغتصاب المدينة منهم، وتغيير ديموغرافيتها، إذ تنصب الفكرة الرئيسية لدى الكرد حول فكرة قدوم سكان محيط دمشق على متن الدبابة التركية. أحد الفصائل العسكرية التابعة للأتراك تقوم بسلب ملكيات الكرد من بيوت وأراض بحجة عائدية ملكيتها لحزب PKK بالإضافة لفرض أتاوات كبيرة على حقول الزيتون المملوكة للكرد، وبعض حالات التحرش والاعتداء من قبل منتسبي تلك الفصائل، والتي يتناقلها الناس سرًا وبشيء من التحفظ والرفض الضمني، خصوصًا من الوافدين العرب.

عفرين تُسكن حاليًا من عرب وكرد، لكن لا ائتلاف كبير بينهم، خصوصًا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار نمط الحياة الشعبي الكردي، القائم على مساواة الرجل بالمرأة في شتى مجالات الحياة، والذي يتمتع بحيز نسبي كبير مقارنة بالوافدين الجُدد ذوي الطابع المحافظ المائل للتشدد، ما دفع  النسوة الكرديات لارتداء الحجاب والخروج برفقة أزواجهن في أثناء التجوال، والعودة إلى منازلهن باكرًا، وعدم الخروج ليلًا، ما يعكس حالة خوف وانكفاء للمجتمع الكردي.

كل هذه التراكمات وغيرها من الاختلافات الاجتماعية في نمط الحياة بين سكان المدينة الأصليين والوافدين إليها، سيمنع بالضرورة تجانس السكان الحاليين للمدينة مع بعضهم على الرغم من إشراك المكون الكردي في بنية المجلس المحلي للمدينة، بأوامر تركية، وفرض “كوتا” للتمثيل الكردي ضمن المجلس.

كما أن القيادات الشعبية من الطرفين لم تبادر حتى الآن بإقامة منتديات فكرية تعريفية لتقريب وجهات النظر ومنع المماحكات بين الأطراف، أو لتبيان حالة الحيف التي ألمت بأهل غوطة دمشق، والتي ألجأتهم للخروج من بيوتهم وأراضيهم مُكرهين، سعيًا لحماية من تبقى من أولادهم والنجاة بأنفسهم من الحملة العسكرية الروسية مطلع عام 2018.

كنتيجة طبيعية للاختلاف والاحتقان الكبيرين، سيبدأ التصادم الخفي بين المكونات الجديدة، تفجيرات وحوادث إطلاق نار وعبوات ناسفة تستهدف أماكن تجمعات وآليات لقيادات بالفصائل المسلحة المدعومة تركيًا، كان آخرها تفجير مطعم شعبي بالقرب من مقر فرقة الحمزات الرئيسي، في 28 من تموز الماضي، أدى إلى مقتل طفل وشاب من السكان الوافدين وجرح ستة عشر آخرين، وسُبق هذا الحادث بإطلاق نار استهدف أحد الوافدين ببحيرة ميدانكي في ريف مدينة عفرين بتاريخ 2 من حزيران، أدى إلى مقتله، بالإضافة لعدة تفجيرات استهدفت مركبات قادة فصائل معارضة موالية لتركيا.

كل هذه المؤشرات تدل بالضرورة على مستقبل مجهول يكتنف سكان مدينة عفرين من جميع المكونات، لا سيما مع غياب لغة التفاهم ما بين السكان الجدد والأصليين، وتغييب دور الفكر والثقافة والتفاهم، وقد نستفيق يومًا ما على وقع مجازر قد يذهب ضحيتها المئات من الوافدين العرب أمام توعد قادة الفصائل الكردية باسترداد عفرين من مغتصبيها، الذين جاؤوا على ظهر الدبابة التركية. قد يبدو ذلك خيالاً ولكن علمتنا السياسة أن لا مستحيل فيها.

 

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي