القهر النفسي وسب المقدسات

  • 2015/04/27
  • 4:06 م

نستمر في عرض أساليب التعذيب النفسي للمعتقلين، وكنا تعرضنا في العدد السابق إلى الإيماء بإطلاق السراح ومنع زيارة الأهل ومعرفة مكان الاحتجاز، ومررنا على الآثار السلبية في كلا الحالتين؛ ونستعرض اليوم أساليب القهر النفسي وسب المقدسات وآثارها في نفسية المعتقل.

سماع أصوات تعذيب النساء

في المجتمعات الشرقية والمجتمع السوري خصوصًا، هناك خصوصية للرجل من حيث كونه الراعي للمرأة والمنجد لها عند حصول الخطر وصاحب «النخوة» حسب التعبير العامي.

ولعلم النظام بطبيعة السوريين وتكوينهم الاجتماعي، يقوم بتعذيب النساء في مكان قريب من زنزانات الرجال، ويكون سماع صوت صراخهن واستنجادهن مسموعًا بوضوح لدى المعتقلين، الأمر الذي يثير الغضب الشديد لدى الرجال، لكنهم في اللحظة ذاتها لا يستطيعون فعل شيء فهم عاجزون عن حماية أنفسهم فضلًا عن غيرهم.

هذا الموقف، يؤدي بالمعتقل إلى شعور عميق بالقهر والذل، وأن رجولته التي كان يعتز بها طوال عمره أصبح لا معنى لها، بل وأصبحت ذكوريته عارًا عليه.

يحاول البعض هنا التنفيس عن هذا الشعور بالبكاء، ويظهر عند الآخرين بنوبات غضب، ويميل البعض إلى الانزواء والدخول في حالات اكتئاب.

ماهر، معتقل سابق في فرع الأمن العسكري بحماة، يقول «كانوا يخرجون النساء إلى الباحة عند المساء، ويقومون بتعذيبهن بطريقة وحشية جدًا.. كنا نسمع بكاءهن وصراخهن يستنجدن، ولا أنسى صوت امرأة شابة كانت تعذب وهي تصرخ وتقول: ياعااالم.. ياناس.. مشان الله.. مشان محمد».

ويضيف ماهر، الذي خرج من المعتقل قبل نحو عام، «كنت أسمع في الوقت نفسه صوت ضحكات العناصر واستهزائهم بها، وكنت أضرب رأسي بالحائط وأنا أبكي من شدة القهر، ولم أستطع في تلك اللحظة سوى أن أقول: يارب.. يارب»، ويردف «صوت تلك المرأة واستنجادها لا يزالان في أذني، وأشعر بالخجل من نفسي كلما تذكرت تلك الصرخات».

إساءات ذات طابع عنصري وديني

يعتبر الانتماء الديني والطائفي أمرًا يعتز به الفرد، وتعتبر المقدسات من ركائز الإنسانية، مما لا يسمح للغير المساس بها، وقد يصل الأمر بالفرد ليقاتل دونها في حالات حاضرة الآن في مجتمعاتنا.

وفي حال الإهانة والاستهزاء من تلك المقدسات، عندما يكون الإنسان عاجزًا عن الرد؛ يدخل الأخير في حالة من القهر النفسي، وتنعكس تلك الارتدادات عليه في حال لم يستطع الرد على المعتدي ولو حتى بالكلام.

ويتبع النظام وعناصره هذا الأسلوب مع المعتقلين بغاية الضغط النفسي والقهر وليس لمجرد الإهانة والاستهزاء فقط.

زيد، أحد المعتقلين في فرع الجوية بدمشق، يقول «شبحوني، وفي الليل جاء العنصر ليستمر في ضربي وصار يشتمني: أنتم كلكم كلاب ولابد من تربيتكم، ثم استمر في سب الذات الإلهية وسب النبي وأصحابه، كل هذا وأنا مشبوح لا أستطيع التحرك»، ويضيف زيد: «أقسم بالله لوكنت حرًا لقتلت ذلك الرجل قبل أن يشتم طائفتي وديني وربي ونبيي».

ما حصل مع زيد أشعره بأنه في لحظة قد تخلى عن مقدساته، ولم يستطع الدفاع عنها، هذا الشعور الذي ضل ملازمًا له دفعه بعد خروجه من المعتقل للانضمام لصفوف المقاتلين ضد قوات الأسد، ويقول «إن دافعي للقتال اليوم هو الانتقام ممن يستهزئون بديني وربي، وسوف أجعلهم يدفعون الثمن».

إذن، قد تستمر انعكاسات تلك الإهانات والاستهزاءات لفترة طويلة حتى بعد الخروج من المعتقل، وقد تدفع ذلك الفرد للتطرف، وقد تكون هذه النتيجة إحدى الغايات التي يريدها النظام من هذه الأساليب ليستفيد في المحصلة على الصعيد السياسي.

مقالات متعلقة

  1. ثروة التعذيب في أيدٍ أمينة
  2. في الزنزانة.. مصير مشترك وانتهاكات مقابل رغيف خبز
  3. التعذيب النفسي
  4. الأسد قاهرني.. أي والله

مجتمع

المزيد من مجتمع