
Image Source: Canva
Image Source: Canva
د. أكرم خولاني
كل منا لديه درجة من حب الذات وحب الظهور، ويشعر بالسعادة عند اهتمام الآخرين به، وتكون هذه المشاعر عند الناس الأسوياء منضبطة وضمن الحدود المقبولة اجتماعيًا، لكنها قد تكون متضخمة ومبالغًا فيها عند بعض المصابين باضطرابات الشخصية، وهو ما يسمى “اضطراب الشخصية النرجسية”.
تعني النرجسية في موروثنا الشعبي حب الذات والغرور، الذي يعمي الفرد عن عيوبه ونقائصه، إذ يرى المرء نفسه كاملًا في كل شيء، دون الوعي بحقيقته التي قد تكون معاكسة، أما في الطب النفسي فهناك مصطلح اضطراب الشخصية النرجسية، الذي يُعرف بـ (NPD) اختصارا لـ Narcissistic personality disorder، وهو حالة نفسية يتملّك المريض بها شعور مبالغ فيه بحب الذات أو الأنانية المطلقة، وتميل دائمًا إلى الغرور والتعالي، فضلًا عن حاجة عميقة إلى زيادة الاهتمام والإعجاب، واضطراب العلاقات، وانعدام التعاطف مع الآخرين.
وتظهر النرجسية بنسبة عالية بين الذكور مقارنة بالإناث، خاصة بين الأطفال الضعفاء جسديًا، ويصابون بها بدءًا من مرحلة المراهقة، أو فترة البلوغ المبكر.
ويعود أصل هذه الكلمة إلى أحد مشاهير الأسطورة اليونانية ويدعى نركسيس، كان شابًا شديد الوسامة، حتى إن جميع النساء كن يقعن في حبه وهو لا يأبه لمعاناتهن، بل يعاملهن بجفاء، إلى أن رأى صورة نفسه في البحيرة ليقع في حب هذه الصورة دون أن يدري أنه وقع في حب نفسه، وعندما اكتشف الأمر أصابه الارتباك وانتحر.
الصفة الأساسية في الشخصية النرجسية هي حب الذات، فالنرجسي عاشق لنفسه ويرى أنه الأجمل ويرى الناس أقل منه جمالًا، ولذلك فهو يبيح لنفسه استغلال الناس والسخرية منهم.
والنرجسي يهتم كثيرًا بمظهره وأناقته، ويدقق كثيرًا في اختيار ملابسه، ويعنيه كيف يبدو في عيون الآخرين وكيف يثير إعجابهم، ويستفزه التجاهل من قبلهم، ويحنقه النقد، ولا يريد أن يسمع إلا المديح وكلمات الإعجاب.
كما يصاحب الشخصية النرجسية شعور غير عادي بالعظمة، ويسيطر على صاحبها حب الذات وأهميتها، وأنه شخص نادر الوجود أو أنه من نوع خاص فريد لا يمكن أن يفهمه إلا خاصة الناس، ينتظر من الآخرين احترامًا من نوع خاص لشخصه وأفكاره، وهو أناني، استغلالي، ابتزازي، وصولي، يستفيد من مزايا الآخرين وظروفهم في تحقيق مصالحه الشخصية، وهو غيور، متمركز حول ذاته، يستميت من أجل الحصول على المناصب.
ويميل النرجسيون نحو إعطاء قيمة عالية لأفعالهم والبحث عن المثالية في آبائهم من حيث المركز والعطاء.
السبب الحقيقي للإصابة بالنرجسية غير معروف، فقد يصبح الشخص نرجسيًا دون وجود أي سبب، ولكن هناك عوامل مساعدة تزيد من احتمال الإصابة:
ليس كل أناني نرجسيًا، فحتى تصف شخصًا بأنه نرجسي، لا بد أن تتوافر فيه ست صفات على الأقل من المواصفات التالية:
وقد ذكرت دراسة أن أصحاب الشخصيات النرجسية لهم بعض الصفات الظاهرية التي يسهل رصدها، أهم هذه الصفات هي اتصاف حاجبي الشخصية النرجسية بالسُمك والكثافة والشكل المميز.
ويفسر ذلك بأن النرجسيين يميلون للإبقاء على حواجبهم الكثيفة لتعزيز تميزهم واختلافهم، ما يزيد من احتمالية تذكر الناس لهم، وبالتالي زيادة نظرتهم المثالية لأنفسهم لأن الناس يحبونهم ويتذكرونهم.
إن رد الفعل الأمثل حيال النرجسيين هو إبداء العطف عليهم، لأن الكثير من النرجسيين يعانون بحق من تدنٍ مزمن في مستوى احترامهم لأنفسهم وثقتهم بها، وهو أمر يتخفى خلف غطرستهم ونرجسيتهم، لذا فإن القليل من طمأنتهم قد يكون مفيدًا، ويقلل من سلوكهم الضار.
وكذلك في بيئة العمل يساعدهم على التركيز، ليقوموا بالأعمال الموكلة إليهم على أفضل وجه دون التفكير في نسب نجاح الآخرين لأنفسهم، أي جعلهم ينسبون الفضل لأصحابه على العكس من طبيعتهم.
والتجاهل ربما يكون مفيدًا أيضًا للحفاظ على سلامتك النفسية خلال التعامل معهم، إذ يستمد النرجسيون الضعفاء قوة كبيرة تدعم ذواتهم عندما يرون أثر أفعالهم على من حولهم، ويزيدون من عدوانيتهم.
يعتمد علاج اضطراب الشخصية النرجسية على العلاج النفسي لتحسين التواصل مع الآخرين بحيث تكون علاقات المريض أكثر حميمية ومتعة وإرضاء، ويتم ذلك عن طريق جلسات من الحديث لفهم أسباب ودوافع منافسة الآخرين أو انعدام الثقة بهم أو ربما احتقار النفس والآخرين.
أما العلاج الدوائي فلا دور له في اضطراب الشخصية النرجسية إلا عند وجود مشاكل نفسية أخرى مرافقة كالاكتئاب مثلًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى