عنب بلدي – خاص
تصر روسيا على أنه لا يوجد أي اتفاق ضمني للحفاظ على ما تصفه بـ”الجيب الإرهابي في إدلب”، بحسب تعبير وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في شباط الماضي، بمعنى أن اتفاق “سوتشي” لوقف إطلاق النار وتأمين منطقة “منزوعة السلاح”، الموقع بين تركيا وروسيا في أيلول 2018، هو اتفاق “مؤقت”.
عاد الحديث عن تطبيق الاتفاق في جولة “أستانة 13″، مطلع آب الحالي، بعد اتفاق على هدنة “مشروطة” لتنفيذ بنود “سوتشي“، ولكن سرعان ما أعلن النظام السوري عن إلغاء اتفاق الهدنة ومتابعة عملياته العسكرية في المناطق الشمالية الغربية لسوريا.
وينص اتفاق “سوتشي” على إقامة منطقة “عازلة” (منزوعة السلاح) بعرض 20 كيلومترًا على طول خط النار بين قوات النظام والمعارضة وتسيير دوريات مشتركة (روسية- تركية).
ويشمل اتفاق المنطقة “منزوعة السلاح” سحب السلاح الثقيل من المقرات ونقاط التمركز العسكرية في المنطقة، مع بقاء تلك النقاط على حالها، والسماح ببقاء السلاح المتوسط كرشاشات “23” ومدافع “57” ومضادات الدروع، بينما يتراجع العتاد الثقيل فقط إلى المقرات الخلفية.
تمتد المنطقة في مناطق سيطرة المعارضة فقط، من الجهة الشرقية لإدلب إلى حدود دارة عزة بريف حلب، الأتارب، سراقب، معرة النعمان، وفي الجنوب تغطي مدينة خان شيخون، كفرزيتا، مورك، وصولًا إلى كفرنبل، بينما تشمل الجهة الغربية منها مدينة جسر الشغور حتى بلدة محمبل والبارة في جنوبها.
لكن النظام السوري يعمل اليوم على الزحف لتأمين هذه المناطق تحت سيطرته، بدعم روسي، خاصة بعد إعلان استئناف العمليات العسكرية وخرق الهدنة، في 4 من آب الحالي.
جسر الشغور وريف حماة.. أهداف مبيتة للنظام
في حديث سابق إلى عنب بلدي، في 28 تموز الماضي، توقع مصدران عسكريان قياديان في المعارضة، (طلبا عدم ذكر اسميهما) أن قوات الأسد تنوي السيطرة على جسر الشغور ومحمبل والقرى الواقعة في الريف الغربي لجسر الشغور في خطوة لوصل المدينة بمنطقة سهل الغاب، وصولًا إلى معسكر جورين، أبرز القواعد العسكرية في ريف حماة الغربي.
ورجحت المصادر أن تتجه قوات الأسد كمرحلة أولى إلى فصل الريف الغربي لمحافظة إدلب ومناطق سيطرة المعارضة في ريف اللاذقية، على غرار ما اتبعته في المناطق الأخرى، ضمن سياسة تقسيم المناطق المستهدفة إلى جيوب صغيرة.
كما تشمل عمليات النظام ريف حماة الشمالي وصولًا إلى حدود خان شيخون، ما يضمن تأمين مدينة حماة بشكل كامل من جهة، وتأمين مناطق سيطرة النظام الاستراتيجية في ريف اللاذقية وحماة الغربي من جهة ثانية.
معارك النظام الحالية تشبه ما كان مرسومًا قبيل الاتفاق بين روسيا وتركيا، إذ بدأت قوات النظام بدعم روسي الزحف في المنطقة العازلة وإخضاعها لسيطرتها بشكل مباشر، وسط تصدٍ من الفصائل المقاتلة في إدلب.
خمسة محاور
عقب إلغاء اتفاق الهدنة “المشروطة”، في 4 من آب الحالي، شنت قوات النظام هجومًا بريًا على خمسة محاور منفصلة ممتدة من ريف إدلب الشرقي وصولًا إلى ريف حماة الشمالي.
وبدأت العمليات العسكرية مدعومة بالطيران الروسي على محور قرية الأربعين قبل أن تفتح محور قرية الزكاة غرب اللطامنة والممتدة على ذات محور قرية الأربعين، لتكشف القوات المهاجمة من خلالها خاصرتي بلدتي اللطامنة وكفرزيتا بريف حماة.
كثفت قوات النظام عملياتها وشنت هجومًا منفصلًا على تل صخر، الواقع في ريف حماة الشمالي، والذي يعتبر الخاصرة الجنوبية لبلدة الهبيط، إلى جانب التمهيد بالقصف على بلدات اللطامنة وكفرزيتا وخان شيخون ولطمين والتمانعة.
وبحسب ما رصدت عنب بلدي، شنت قوات النظام هجومًا بريًا على المحور الثالث، من جهة أم الخلاخيل وأرض الزرزور بريف إدلب الجنوبي الشرقي، بالتوازي مع هجمات حاولت فيها التقدم إلى بلدة الهبيط بريف حماة الغربي.
وفتحت قوات النظام معارك في كبانة بريف اللاذقية الشمالي، في سلسلة من محاولات التقدم على محور يعتبر واحدًا من المناطق الاستراتيجية على جبهة الساحل، إذ تكررت المحاولات في نفس النقطة، منذ بداية العمليات العسكرية على المناطق الشمالية الغربية لسوريا، في 29 من نيسان الماضي، لكنها لم تستطع اقتحامها حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
وشنت قوات النظام هجومًا آخرًا على محور تل سكيك وبلدة سكيك في محاولة السيطرة عليها وفتح الطريق نحو بلدة التمانعة في ريف إدلب الجنوبي.
في ظل هذه العمليات، تعمل الفصائل المقاتلة في إدلب على رد فعل بمحاولة التصدي لهذه الهجمات، وشن عمليات سريعة في المناطق التي تقدمت إليها قوات النظام، كما اتبعت سياسة الكمائن والكر والفر في محاولة التصدي لتلك الضربات المتعاقبة.
استراتيجيات النظام في معارك إدلب
اتبعت قوات النظام وحليفتها روسيا استراتيجيات في معاركها في المناطق الشمالية لحماة والجنوبية لإدلب، لضمان تقدمها وتحقيق خطوة أمام الفصائل المقاتلة مستغلة تفوقها من الناحية اللوجستية.
المعارك الليلية
استغلت قوات النظام قلة الإمكانيات لدى الفصائل المقاتلة، فيما يتعلق بأدوات الرؤية الليلية، وبدأت بعمليات عسكرية جديدة من نوعها من حيث التوقيت.
وشنت القوات عملية برية على قرية الأربعين بريف حماة الشمالي ليلًا، لأول مرة، في تطور يعتبر جديدًا بالنسبة للفصائل المقاتلة في المنطقة، واستغلت الدعم الروسي من ناحية الاستطلاع وتزويدها بأجهزة كشف ليلي متطورة في وقت لا تمتلك الفصائل تلك القدرات.
هذه السياسة استخدمتها قوات النظام بدعم روسي حينما شنت هجومًا على مناطق المرج شرق الغوطة بريف العاصمة دمشق، وتمكنت من إخضاع مطار مرج السلطان وعدة قرى وبلدات محيطة من بينها بلدة مرج السلطان والبلالية ومزارع الزمانية، في كانون الأول من عام 2015.
وشنت القوات عدة هجمات ليلية سيطرت خلالها على المناطق التي صعب عليها نهارًا الدخول إليها، ساعدتها بذلك طائرات استطلاع روسية تزود مرابط المدفعية بالإحداثيات الدقيقة لأماكن وجود الفصائل وغرف عملياتها ومراكزها وهذا ما سهل المهمة.
الهجوم من الخواصر
تجنبت قوات النظام الهجوم بشكل مباشر على مواقع محصنة، لا سيما المدن الكبيرة، وعمدت إلى سياسة تضرب فيها خواصر المنطقة التي تريد السيطرة عليها، تجنبًا للأضرار التي قد تقع خلال الهجوم المباشر.
هذه السياسة استخدمتها القوات في الغوطة الشرقية حينما شنت هجومًا على مدينة المليحة، في أواخر أيار من عام 2014.
وانتجهت قوات النظام في إدلب ذات السياسة من خلال ضرب جبهات مختلفة تعتبر خواصر لمناطق استراتيجية، لا سيما بالسيطرة على تل صخر والجيسات التي تعتبر خاصرة بلدة الهبيط، وسيطرتها على الأربعين خاصرة كفرزيتا، والزكاة خاصرة اللطامنة التي صارت جبهات القتال تحدها من محورين، محور الزكاة ومحور المصاصنة والزلاقيات، كما شنت هجومًا على تل سكيك خاصرة بلدة السكيك القريبة من بلدة التمانعة.
سياسة القضم
سياسة القضم، أو ما يعرف بسياسة “دبيب النمل”، التي تعتمد على معارك النفَس الطويل، عن طريق شن هجمات روتينية بشكل يومي متوقعة البداية والنهاية.
تشبه هذه الهجمات بتوقيتها دوام الموظفين، إذ تبدأ بوقت محدد وتنتهي بوقت محدد مترافقة بقصف مدفعي وجوي، وهدف هذه الهجمات تحصيل أي تقدم يذكر حتى لو كان أمتارًا، وهذا التقدم ترافقه مباشرة عمليات تحصين.
عمليات القضم تلك تراكمية تظهر فاعليتها مع مرور الزمن بعد التقدم لمساحة واسعة تصل من خلالها إلى منطقة استراتيجية منشودة.
هذه العمليات استخدمتها قوات النظام في معاركها للسيطرة على أحياء حلب الشرقية، كما استخدمتها في المناطق الشرقية للغوطة التي آتت أكلها حينما شنت عمليتها العسكرية الكبرى على ريف العاصمة الشرقي وسيطرت عليه، في آذار 2018.
شرعي “فيلق الشام” المنضوي في “الجبهة الوطنية للتحرير”، عمر حذيفة، أكد استخدام قوات النظام هذه السياسة، وقال عبر حسابه في موقع “تلغرام”، إن النظام وروسيا يعمدان إلى خطة القضم البطيء للمناطق “المحررة” بعد التركيز على المنطقة المراد السيطرة عليها وتكثيف الضربات الجوية (الأرض المحروقة).