السماد.. أول نتائج الهيمنة الروسية على مفاصل الاقتصاد السوري

  • 2019/08/11
  • 1:38 ص

معمل سماد الكالنتر فى الشركة العامة للأسمدة بحمص- 26 من كانون الثاني 2019 (سانا)

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

بدأت نتائج الهيمنة الروسية الاقتصادية في سوريا تظهر خلال الأشهر الماضية، بعد وضع موسكو يدها على مفاصل اقتصادية مهمة وتوقيع اتفاقيات طويلة الأمد مع حكومة النظام السوري، ستجعلها المتحكم الأول وصاحبة القرار فيها.

هذه الاتفاقيات، التي تمتد لعشرات السنين في مختلف القطاعات الحيوية الاقتصادية من نفط وغاز وفوسفات، جاءت بعد تدخل الروس كلاعب أساسي في الساحة السورية في أيلول 2015، وتحويل دعمهم العسكري والسياسي إلى عملية ابتزاز بهدف الحصول على امتيازات اقتصادية طويلة الأمد.

أولى هذه النتائج ظهرت في بسط شركة “ستروي ترانس غاز” الروسية السيطرة على الشركة العامة للأسمدة في حمص بموجب عقد استثمار، وصرف ونقل موظفيها، بحسب ما أفاد مصدر من داخل الشركة لعنب بلدي، في وقت تتوجه فيه حكومة النظام إلى استيراد السماد بعد أن كانت سوريا مصدرة له.

شركة الأسمدة تحت الهيمنة الروسية

في تشرين الثاني 2018، وقعت شركة “ستروي ترانس غاز” الروسية عقدًا مع “الشركة العامة للأسمدة” في حمص، التي تعد أكبر مجمع صناعي كيميائي في سوريا، وتنتج عبر معاملها الثلاثة الأسمدة الآزوتية والفوسفاتية وتؤمّن حاجة القطاع الزراعي بشكل كامل. ويقضي العقد باستثمار الشركة ومعاملها الثلاثة مدة 40 عامًا قابلة للتجديد.

وبموجب العقد، يعيد الجانب الروسي صيانة المعامل الثلاثة، ويلتزم بالحفاظ على إنتاجيتها وإيصالها للطاقة التصميمية خلال عامين، بحيث تبلغ حصة الشركة السورية من الأرباح 35% مقابل 65% للشركة الروسية، بحسب بنود العقد، التي نشرتها صحيفة “تشرين” الحكومية في 31 من تشرين الأول 2018.

وقال مدير المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية للصحيفة، أسامة أبو فخر، إن الهدف من استثمار الشركة مع الجانب الروسي هو الوصول إلى الطاقات الإنتاجية التصميمية التي تقدر بنحو 1600 طن يوميًا من الأسمدة، يحق للشركة الروسية بعدها تصدير الأسمدة للخارج في حال اكتفاء حاجة السوق المحلية.

جاء ذلك بعد استثمار الشركة نفسها مناجم الفوسفات في تدمر، عبر عقد صادق عليه رئيس النظام، بشار الأسد، في نيسان 2018، ينص على تقاسم الإنتاج بين الطرفين بحيث تكون حصة المؤسسة العامة للجيولوجيا 30% من كمية الإنتاج مقابل 70% للشركة الروسية.

وتتحمل المؤسسة السورية دفع قيمة حق الدولة عن كميات الفوسفات المنتجة، وتسديد قيمة أجور الأرض والتراخيص وأجور ونفقات إشراف المؤسسة والضرائب والرسوم الأخرى البالغة بحدود 2%، لمدة 50 عامًا، بإنتاج سنوي قدره 2.2 مليون طن من بلوك يبلغ الاحتياطي الجيولوجي له 105 ملايين طن، ما يعني نفاد كامل احتياطي الفوسفات في سوريا.

بلغ احتياطي سوريا من الفوسفات، وفق أرقام المؤسسة العامة، 1.8 مليار طن خام، في 2009، وبلغت صادرات سوريا من الفوسفات أكثر من 3.2 مليون طن إلى أسواق العالم، ما جعل سوريا تحتل مركزًا متقدمًا بين الدول المصدّرة للفوسفات في العالم.

كما احتلت سوريا المرتبة الخامسة على قائمة الدول المصدّرة للفوسفات عام 2011، وتعد الهند وروسيا ولبنان ورومانيا واليونان من أبرز الدول المستوردة.

الاتفاقيتان أعطتا الروس الهيمنة الكاملة على أهم مفصل حيوي في الاقتصاد السوري، الذي حوّل سوريا من دولة منتجة للفوسفات والسماد ومصدرة لدول العالم إلى مستوردة، إذ وافق رئيس حكومة النظام السوري، عماد خميس، في 21 من تموز الماضي، على استيراد 75 ألف طن من السماد الآزوتي (يوريا)، و25 ألف طن من السماد الفوسفاتي (السوبر فوسفات الثلاثي)، بهدف تأمين الأسمدة اللازمة للمزارعين في الموعد المناسب، لضمان استمرار تنفيذ الخطط الزراعية للموسم الشتوي المقبل.

وأثار ذلك إشارات استفهام حول استيراد السماد على الرغم من تشغيل “الشركة العامة للأسمدة” في حمص تدريجيًا منذ منتصف عام 2017 عبر تفعيل المعامل الثلاثة التابعة لها (معمل الأمونيا يوريا- معمل الكالنترو- معمل السماد الفوسفاتي)، وذلك بعد توقف دام أكثر من عامين، وقدرة هذه المعامل على إنتاج الكمية المطلوبة.

وبحسب ما كشف مدير عام الشركة العامة للأسمدة، جمال الدين العبد، لصحيفة “الوطن” المحلية، في 25 من تشرين الثاني 2018، فإن كمية الإنتاج الفعلية لمختلف منتجات الشركة بلغت حوالي 99 ألف طن، ويتضمن الإنتاج مختلف أنواع الأسمدة بما فيها سماد اليوريا والسماد الفوسفاتي.

ولم تقتصر الهيمنة الروسية على الإنتاج، بل تعدت إلى التحكم بموظفي شركة الأسمدة، على الرغم من تصريحات متكررة للمسؤولين السوريين بعدم المساس بهم، إذ أكد مصدر مطلع يعمل داخل الشركة لعنب بلدي، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن دورية روسية دخلت إلى الشركة قبل أسابيع وطلبت من مدير الشركة المغادرة بعد صدور قرار بنقله.

وأوضح المصدر أنه بعد توقيع العقد مع الشركة الروسية، درست إدارتها أوضاع الموظفين والعمال الحاليين وقدرتهم على العمل، واحتفظت بقرابة 900 عامل، في حين نُقل حوالي 1200 عامل من شركة الأسمدة إلى جهات مختلفة منها معمل السكر وشركة الأجبان والألبان في حمص.

الدور على الغاز والقمح

وعملت روسيا على توقيع عقود مع النظام في قطاعات حيوية ومفصلية تجعلها تتحكم بأي سلطة مستقبلية في سوريا، وأهم هذه القطاعات القمح، إذ عملت موسكو، خلال السنوات الماضية، على السيطرة على مادة القمح الاستراتيجية في سوريا من خلال بناء المطاحن وتحكمها بها، أو من خلال توريد مئات آلاف الأطنان من القمح إلى سوريا بعد صفقات مع الحكومة، التي تضطر إلى استيراد المادة من موسكو، بعد تراجع الإنتاج في سوريا.

وأعلنت شركة “سوفوكريم” الروسية في شباط 2017 عن بناء أربع مطاحن للحبوب في محافظة حمص السورية، بكلفة 70 مليون يورو، ما يعني السيطرة على مورد مالي مهم للدولة السورية ويجعلها بحاجة للروس في تأمين المادة مستقبلًا.

أما القطاع الحيوي الآخر الذي استحوذت عليه روسيا وأصبحت صاحبة القرار فيه هو قطاع الطاقة من نفط وغاز، عبر توقيع اتفاق “عقد عمريت” في 2013، وهو اتفاق ضخم مع شركة روسية، ويشمل عمليات تنقيب في مساحة 2190 كيلو مترًا مربعًا ويمتد على مدى 25 عامًا، بكلفة تبلغ 100 مليون دولار، بتمويل من روسيا، وفي حال اكتُشف النفط أو الغاز بكميات تجارية، ستسترد موسكو النفقات من الإنتاج، بحسب ما قاله المدير العام للمؤسسة العامة للنفط، علي عباس، لـ “فرانس برس” في 2013.

وكانت وزارة الطاقة الروسية أعلنت في تموز 218 أن الشركات الروسية بدأت تستكشف، بالتعاون مع الشركاء السوريين، إمكانيات استعادة حقول النفط والغاز ومصافي النفط وعناصر البنية التحتية، إضافة إلى “التنقيب الجيولوجي على الأرض وعلى الجرف”.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية