إبراهيم العلوش
يأتي عيد جديد على السوريين وهم تحت القصف، وعلى الحواجز، وفي المعتقلات، وفي الشتات الذي تحيله تقلّب قوانين اللجوء إلى جحيم، فهل السوري اليوم هو الأضحية في هذا العيد، هل هو الأضحية التي يأكل لحمها النظام والروس والائتلاف والدول الشقيقة والصديقة؟
يهلّ علينا عيد جديد تحت وابل القصف الروسي والأسدي، ويهلّ على أكثر من مئتي ألف من معتقلينا في سجون النظام، ويعاود السوريون الترقب والخوف في مهاجرهم ويتحولون إلى موضوع للقنص والتفتيش والاتهامات بالتسبب بانتشار السرطان، وعلى السوري أينما تحرك أو التفت أن يثبت أنه بريء ومسالم، وأن يشكر المارين بلا مناسبة!
عندما ترى شرطيًا قادمًا باتجاهك تتلمس هويّة اللجوء، وتتأكد من وجودها، الذي صار أهم من وجودك، وإذا لم تكن الهويّة موجودة فإنك تدخل في مرحلة انعدام الوزن لتصبح ورقًا أبيض تتمنى أن ترفعه الرياح عاليًا قبل وصول الشرطي إليك.
وعندما تلتقط وجهك كاميرات المراقبة فإنها تستبشر بالتقاط صورة إنسان ضائع ولا تستطيع أن تقرأ ما يرتسم على وجهك من حزن ومن حنين ومن ألم.
الشرطة والكاميرات في اسطنبول تبحث عن السوريين، والشباب مختبئون، وصارت رؤية الشارع حسرة عليهم حتى في يوم العيد لئلا يكونوا من تعداد الستمئة الذين يتوجب على الشرطة التقاطهم كل يوم وترحيلهم إلى المجهول ودون وداع لبيوتهم، دون وداع لرفقائهم في العمل، الذي يستمر أكثر من اثنتي عشرة ساعة وبأجر يقل عن نصف أجر العامل التركي، الذي يحمل هويّة ويستمتع برؤية الشوارع ويستطيع أن يطالب بحقه في الأجر والتقاط الأنفاس وساعات العمل، ويستطيع أن يغني أو أن يتكلم بلغته ويفهمه الجميع.
تملأ الاستمارات التي لا نهاية لفراغاتها ولا نهاية لما تطلبه من التفاصيل المحرمة حتى في قوانين من صاغوا هذه التفاصيل، ويجب عليك أن تبتسم حتى ولو كانت غرفة المكتب خالية من الأشخاص، فكاميرات المراقبة المنتشرة في كل زاوية، توفر لمراقبيها الوقت ليقوموا بتحليل وجهك وأفكارك، وربطها بالمعلومات التي تكتبها، وبالمعلومات التي تسربها الجهات الأخرى التي زرتها أو عملت معها أو عشت معها.
تتوقف عن الكتابة فجأة وتعيد غطاء القلم إلى مكانه وتضعه فوق الاستمارات النهمة لابتلاعك، ماذا لو أن كاميرات المراقبة التي تطل عليك في هذا المكتب الفخم للمنظمة الدولية تعمل على الليزر، وتفتت جسدك لتقلّب قطعه وتفتش فيها عن أشياء مشبوهة، تتخيل نفسك كومة من الخضار المفرومة أمام المراقب الذي يطل عليك عبر الكاميرا من مكانه المجهول.
الطائرات الروسية تعاود القصف الاستراتيجي للمدارس والمستشفيات والبيوت، وتتسبب في تهجير أكثر من سبعمئة ألف من السوريين في محيط إدلب، ليقضوا العيد في العراء أو تحت شجر الزيتون بانتظار تكتيكات جديدة لغارات الطيران وللبراميل النوعية، وبانتظار تصريحات جديدة للافروف الذي يلف دبلوماسيته بالصواريخ وبالكيماوي ويطلق تطميناته وحرصه على السلام وبناء الدولة السورية وعودة المهجّرين إلى فروع التحقيق.
الأخبار تتوالى في وكالات الأنباء، وأمريكا تعلن أنها انسحبت من اتفاقية الصواريخ النووية، لأن روسيا طورت طرازًا جديدًا من الصواريخ خارقة الاتفاق!
يا إلهي هل الروس جربوا صاروخهم الجديد مع باقة الأسلحة والقنابل والصواريخ التي قال بوتين إنه يجربها فوق السوريين، هل هم جادون فعلًا في معركة صنع السلام في سوريا واستعمال الصاروخ الجديد من أجل التأكد من فاعليته؟
في يوم العيد تتوالى أخبار البؤس من دمشق ودرعا وحمص وحلب ووقوع الناس في دوامة البحث عن أبنائهم في المعتقلات، والبحث عن لقمة طعام في يوم العيد، ناهيك عن توفير لحظة فرح للأطفال الذين اختبؤوا كثيرًا حتى وصلوا أحياءً إلى يوم العيد.
عيد آخر يمرّ علينا ونحن نحاول انتزاع البهجة وتقديمها لأطفالنا.. عيد آخر ولا يزال معتقلونا ينتظرون الحرية وعودة الحياة إلى سوريا الحرة.. عيد آخر ولا أحد يزور قبور شهدائنا… عيد آخر يهلّ علينا ولم يبق لدينا من ذخيرة للفرح إلا كلمات العيد المجرّبة: عيدكم مبارك.. وكل عام وأنتم بخير.