مع دخول الحرب عامها الخامس في سوريا، يزداد انذهال الأمريكيين المهتمين بالشأن السوري من لامبالاة الرأي العام الأمريكي، إذ لا توجد أزمة جديدة تلوح في الأفق وتدلّ على المعاناة الإنسانية لتستحق استجابة أكبر من الأمريكيين.
كان من المحتمل أن يستجيب الأمريكيون بشكل أكبر لو أن زلزالًا مدمرًا مفاجئًا ضرب سوريا، ولكن الحرب لها طرق خاصة في تحويل أنظار العالم عن المعاناة الإنسانية.
دمرت الحرب في سوريا بلدًا بأكمله وأثرت على أكثر من 20 مليون شخص، وخلقت أكبر أزمة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية مع أكثر من 12 مليون هاربٍ من العنف إلى البلدان المجاور أو نازح داخل بلده بعيدًا عن منزله، نصفهم من الأطفال، بينما أسفرت عن مقتل أكثر من مئتي ألف شخص.
هاني، طفل يبلغ من العمر 8 سنوات، نجا عشرات المرات من الموت بأعجوبة بعد الهجمات الصاروخية المتكررة على منزلهم، ليصاب في واحدة منها بينما كانت عائلته نائمة، حيث دخل صاروخ في غرفة مجاورة له وقتل أبناء عمومته، ما أجبه وعائلته على التنقل من بيت إلى آخر هربًا من الصواريخ ليغادر بعدها البلاد كرهًا.
يعيش هاني الآن في لبنان ويفتقد منزله في سوريا كثيرًا، حيث ألعابه وحاسوبه ودراجته التي اعتاد اللعب عليها، “قبل أن يبدأ القصف في سوريا كنت أشعر بأمان كبير، ولكن بعد بدايته أشعر بأمان أكثر هنا”، يقول هاني مضيفًا “لقد نسيت دراجتي وجميع ألعابي وحاسوبي؛ لقد أصبحوا قطعًا الآن”.
هناك 12 مليون شخص سوري بحاجة إلى المساعدة، وهو رقم أكبر بمرتين من 5 مليون متضرر جراء تسونامي في المحيط الهندي، و3.5 مليون متضرر في زلزال هاييتي، و1.7 مليون متضرر من إعصار كاترينا.
وقد استجاب الأمريكيون لكل هذه الكوارث بالتبرع بمئات ملايين الدولارات، إذ تبرعت منظمة الرؤية العالمية بـ 36 مليون دولار في السنة التي تلت زلزال هاييتي، كان 5.9 مليون دولار منهم في الأسبوع الأول فقط!
وبالمقارنة بعد 4 سنوات من الحرب لم تكن المنظمة قادرة على رفع تبرعاتها إلى أكثر من 2.7 مليون دولار لمساعدة المتضريين في سوريا.
كنتيجة لأي كارثة من صنع الإنسان، فإننا نميل إلى إلقاء اللوم على شخص ما، وفيما يخص المعاناة في سوريا نلوم القادة عديمي الشفقة و”الجماعات المتمردة” وتنظيم “الدولة الإسلامية” وحتى الشعب السوري نفسه يُلام؛ أي إن حل المشكلة هو عمل شخص آخر وليس عملنا.
الأمر الآخر الذي يصف الأزمة هو “العقول المخدّرة”، إن السياسة أمر معقد للغاية ومع وجود مصالح الأمريكيين والسوريين والفصائل الإسلامية و”المتمردين” و”المتطرفين” والحكومات الأخرى في الشرق الأوسط نجدهم جميعًا في مجابهة بعضهم البعض.
وحتى يصبح القادة جميعًا مستعدين للجلوس على طاولة المفاوضات لمناقشة أمر السلام في سوريا، لا يبدو أن حلًا ما في الأفق حتى الآن.
وربما لا يهتم الأمريكيون بهذا الأمر كون الذين يعانون من الأغلبية المسلمة إذ وفقًا لإحصائية مركز بيو للأبحاث، فإن الأمريكيين يتعاملون بشكل سلبي عندما يتعلق الأمر بالمسلمين أكثر من أي طائفة أخرى، معتبرين أن الإسلام يشجع على العنف، لذلك ربما يكون هذا عذرًا لعدم تعاطفهم مع هذه المعاناة.
ولكن هل كل هذه الأسباب تعتبر مبررًا لصرف النظر عن آلاف الأطفال أمثال هاني؟ هل نحن حقًا بحاجة إلى كوارث طبيعية وزلازل مدمرة لإجبار الجميع على إيلاء هذا الحجم الهائل من المعاناة الإنسانية في المنطقة اهتمامهم؟
لا ينبغي أن نكون بحاجة إلى أمثال تلك الكوارث لرؤية وسماع صرخات الأطفال أمثال هاني؛ يجب علينا أن نساعد ببساطة لأنه الشيء الصحيح والإنساني الذي يجب علينا فعله.
لقراءة المادة باللغة الانكليزية من المصدر: اضغط هنا.