د. أكرم خولاني
الكثير من الناس يحبون الدقة والانضباط في كل جوانب الحياة، كترتيب المنزل ومكان العمل، والدقة في المواعيد، والمثالية في التعامل، وما إلى ذلك.
وتعتبر هذه الطباع محمودة اجتماعيًا لأنها تؤدي إلى نتائج ناجحة، ولكن حين تشكل هذه الأمور هاجسًا للشخص الذي يقوم بها بشكل مبالغ فيه فإنها تعطي تأثيرًا عكسيًا، وتكون ناجمة عن اضطراب في الشخصية يسمى “الشخصية الوسواسية”.
ما هي الشخصية الوسواسية
هو اضطراب شخصية يتميز بنمط عام من القلق حول الانتظام، والكمالية، والاهتمام المفرط بالتفاصيل، والقيام بجميع الأعمال بشكل دقيق ومنظم يستغرق منه أوقاتًا طويلة، دون تحقيق الإنجاز المرجو في النهاية، وقد يدفعه ذلك الكمال للتحكم في حياة من حوله ورفض الخطأ والانحراف عن الطريق الصحيح، لذا غالبًا ما يعاني المصاب من الوحدة وفشل العلاقات والبعد عن الناس لعدم تقبلهم التدخل الزائد والسيطرة على حياتهم.
ويتصف المصاب بهذا الاضطراب بالاتكالية، وانعدام الثقة، وهو دائمًا متشائم حول مستقبله.
اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية شائع، وهو أكثر حدوثًا عند الذكور منه عند النساء، ومن الصفات التي تميز ذوي الشخصية الوسواسية:
- يتميز ذو الشخصية الوسواسية بالمثالية لدرجة ربما تعيق إكمال أي مشروع يبدأه بسبب تلك المثالية المقيدة لروح العمل من حيث يريد له النقاء والرقي كما يظن.
- يشعر أن الأمور يجب أن تقف لأنها تسير بلا ضوابط وعلى غير هدى، فالانضباط في حس تلك الشخصية هو التطبيق الأعمى للقواعد وأنظمة ذلك المشروع.
- يتجه للعمل والإنتاجية دون اعتبار لحاجة الإنسان للمتعة والراحة، كما لا يهتم لظروفه وحاجاته الحياتية، فاتباع القواعد والثوابت والأنظمة هو الهدف المنشود ولا شيء سواه.
- لا يعتد لصداقاته ولا لذويه، إن اختلفت حاجات أولئك مع روتينهم المعتاد فلا استعداد للتنازل أو تقديم المرونة التي تتطلبها ظروف الحياة.
- ضميره حي لدرجة مقلقة تجعلك تشعر أن ذلك ليس تقوى أو أمانة، بمقدار ما هو طبع فطري، نظرًا لما يصاحب ذلك الضمير من قلق وانزعاج.
- مشغول بشكل مبالغ فيه بالمبادئ والقيم والأخلاقيات والمثاليات، وقد يخاصم الناس إن رأى منهم مجرد خطأ يسير لا يستدعي عادة ذلك الانفعال وتلك الخصومة، ومن أجل أن يبرر ذلك الانفعال تجده يبالغ في الاستشهاد بالنصوص الشرعية والآثار والأشعار، لكنه استشهاد حرفي لا يعتبر متغيرات الزمان والمكان والأحداث والأشخاص من حوله.
- يتردد كثيرًا في توزيع المهمات على من حوله ما لم يتيقن أنهم سيؤدونها تمامًا بكل دقة، ويظل يتابعهم بشكل مزعج ربما يمنعهم من مواصلة إنجازها، كما أنه عنيد في رأيه ولا يقبل رأي الآخر نظرًا لانعدام المرونة في ذاته.
- يعد حريصًا على حفظ المال أكثر مما يجب، ويسعى إلى ادخاره بشكل مبالغ فيه تحسبًا لأي طوارئ مستقبلية.
- تجده مزعجًا بسماته تلك لمن هم تحت مسؤوليته من أبناء وموظفين، إلا أنه ممتع لمديره نظرًا لدرجة الدقة والانضباط والتقيد بالأنظمة لديه.
- يتميز أيضًا بالطابع الرسمي في التعامل حتى مع معارفه وذويه، وترى ذلك أيضًا في مشاعره وأحاسيسه حيث لا دفء في المشاعر، وتنقصه التلقائية، ويغلب عليه طابع الجدية وعلى حواراته التفصيل الممل.
- يتحمل العمل لساعات طويلة، شرط ألا تكثر فيها المقاطعات أو أمور مستجدة على روتينه المعتاد، كما يتصف بمحدودية المهارات في التواصل مع الآخرين، ويصر على وجوب توافق الآخرين مع طباعه وحاجاته النفسية، فيقلق عند حدوث أي أمر ربما يؤثر في حياته أو برنامجه اليومي.
- علاوة على ذلك، فإن لديه الاستعداد لإسعاد من يراه أقوى منه في طباعه، ويتعامل مع رغبات أولئك وكأنها واجبات وأوامر.
- يخاف من الوقوع في الخطأ، وهذا ما يفسر طبع التردد لديه وضعف القدرة على اتخاذ القرار.
- تتسم حياته الزوجية والمهنية بالاستقرار، إلا أنها غير مسترخية بشكل عام، كما أن صداقاته محدودة.
ما الفرق بين الشخصية الوسواسية والعصاب الوسواسي القهري؟
عصاب الوسواس القهري مرض تتوقف معه الحياة ويؤدي إلى عطب فيها وعدم قدرة المريض على التأقلم مع أفكاره، أما المصاب باضطراب الشخصية الوسواسية فهو عبارة عن خلل في التفكير ولا يعانى من منغص لحياته يجعلها تتوقف، كما أن المصاب باضطراب الشخصية الوسواسية لا يشعر عمومًا بضرورة تكرار الإجراءات أو الشعائر على عكس المصاب بالوسواس القهري الذي يكرر الإجراءات لمرات عديدة، بل عادة ما يجد المصاب باضطراب الشخصية الوسواسية متعة في إتقان المهمة، في حين أن المصاب بالوسواس القهري غالبًا ما يكون أكثر توترًا وأسى بعد التكرار القهري لأفعاله.
ما أسباب الشخصية الوسواسية؟
أسباب اضطراب الشخصية الوسواسية غير معروفة، ولكن يعتقد أن تنطوي على مزيج من العوامل الوراثية والبيئية، وقد تظل الوراثة كامنة حتى تفعل بأحداث في حياة أولئك الذين لديهم استعداد جيني لاضطراب الشخصية الوسواسية، ويمكن أن تشمل هذه الأحداث الصدمة التي يواجهها خلال مرحلة الطفولة، مثل الاعتداء الجسدي أو العاطفي أو الجنسي أو غيرها من الصدمات النفسية.
كيف يُشخّص اضطراب الشخصية الوسواسية؟
يتم تشخيص اضطراب الشخصية الوسواسية عند وجود أربعة على الأقل من العناصر التالية:
- مشغول بتفاصيل القواعد والقوائم والنظام والتنظيم، أو الجداول الزمنية لدرجة أن يفقد المغزى الأساسي من النشاط.
- يظهر الكمالية التي تتعارض مع اكتمال المهمة (على سبيل المثال، غير قادر على إكمال المشروع نظرًا لعدم استيفاء معايير صارمة أكثر من اللازم).
- يخصص أوقاتًا بشكل مفرط للعمل والإنتاجية ليبتعد عن الأنشطة الترفيهية والصداقات.
- يقظ بصورة مفرطة، دقيق، وغير مرن حول مسائل الأخلاق والقيم.
- غير قادر على تجاهل أو التفريط في أشياء لا قيمة لها، حتى ولو لم تكن لها أي قيمة عاطفية.
- غير راغب في تفويض المهام أو العمل مع الآخرين، ما لم يقوموا بتنفيذ الأعمال وفقًا لطريقته هو للقيام بهذه الأمور.
- يعتمد على أسلوب البخل في الإنفاق تجاه ذاته والآخرين، وينظر إلى المال على أنه شيء مكنوز للكوارث المستقبلية.
- يظهر صلابة وعنادًا.
هل يمكن علاج اضطراب الشخصية الوسواسية؟
علاج اضطرابات الشخصية الوسواسية القهرية ليس سهلًا، ويعتبر عملية طويلة ومعقدة خاصة في حال كان المريض لا يقبل فكرة أنه مصاب باضطراب الشخصية الوسواسية، أو يعتقد أن الأفكار أو التصرفات التي يقوم بها صحيحة، ويتضمن علاج اضطراب الشخصية الوسواسية كلًا من العلاج النفسي، والعلاج السلوكي المعرفي، والعلاج السلوكي، ويجب أن يتم التركيز في أثناء العلاج على المشاعر أكثر من الأفكار.
وبالنسبة للأدوية الطبية فإنها غالبًا لا تلزم في هذا الاضطراب، ولكن فلوكستين (المعروف تجاريًا بالبروزاك) قد يكون له دور في تخفيف الأعراض بنجاح.
كيف نتعامل مع صاحب هذه الشخصية؟
كي يتعامل أي أحد مع صاحب تلك الشخصية، عليه تفهّم طباعه، ورؤية الجانب الإيجابي من شخصيته المتمثل في نجاحه في العمل، والتكيف مع اضطرابه ليسهل التعامل معه، وتجنب أي اصطدام بقدر الإمكان.