“موسم المونة” ضائع بين النزوح والركام في إدلب
إدلب- شادية التعتاع
حان موعد تموين منتجات الصيف الغذائية استعدادًا لقدوم الشتاء في محافظة إدلب، شمالي سوريا، وعلى عادتها انتظرت زينب أن تصلها الطلبات من أهالي معرة النعمان لتجهز رب البندورة و”مخلل القبار”، إلا أن آمالها خابت هذا العام ولم تستطع تأمين مصروف الشتاء المقبل كحال السنوات السابقة.
“أخذت إصرار النمل قدوة في عملي، فقدوتي هي النملة، تعمل في الصيف وتقعد في الشتاء”، شرحت زينب تناري لعنب بلدي عملها في تجهيز “المونة” وبيعها كل صيف للأسر الميسورة، التي تتمكن من تحمل تكاليفها المتزايدة كل عام.
غلاء الأسعار لم يكن العائق الوحيد أمام تموين أهالي مدينة معرة النعمان لحاجياتهم هذا العام، إذ ترافق موسمها مع الحملة العسكرية التي يشنها التحالف السوري الروسي ضد مناطق ريفي إدلب وحماة، والتي سببت نزوح ما يزيد على 715 ألفًا منذ بداية شهر شباط حتى 29 من تموز الماضي، وفق إحصائيات فريق “منسقو الاستجابة”.
لم تتمكن زينب من النزوح مع عائلتها، رغم المخاطر الكبيرة التي تتعرض لها، فلا يوجد مكان يأويها ولا مال كافٍ لديها، لذلك تلجأ كلما اضطرت إلى ظلال الزيتون في البساتين ثم تعود مجددًا إلى بيتها.
تضطر زينب للعمل في تجهيز “المونة” لتأمين حاجيات أسرتها المؤلفة من ثلاث فتيات وولدين صغيرين، مع زوجها الذي تعرض لإصابة أفقدته البصر عام 2012 وهو يحاول إسعاف الجرحى جراء القصف الذي تعرضت له مدينته، ولا تزال حتى الآن تتابع عملها ملبية الطلبات القليلة التي وصلتها مكتفية بتجهيز ما تيسر من مواد غذائية.
أحلام متعثرة واستهلاك سريع
اجتهدت سميرة قدور، أستاذة اللغة العربية، خلال الصيف الماضي وعملت بتجهيز “المونة” لتساعد زوجها على إعالة أسرتها البالغ عددها ثمانية أفراد، واضعة نصب عينيها بدء مشروع مطعم للأكلات الشعبية، بالتعاون مع عدد من السيدات، لكن بدء الحملة العسكرية واضطرارها للنزوح من كفرنبل إلى سلقين أعاق أحلامها.
تابعت عملها هذا الصيف أيضًا، بعد أن وصلتها الطلبات عن طريق المعارف والأصدقاء، لكن طلبات هذا العام لم تتعدَّ 10% من طلبات العام الماضي.
وأشارت سميرة، في حديثها لعنب بلدي، إلى أن الناس هذا العام توجهوا لطلب المواد الغذائية التي تستهلك مباشرة ولا تحتاج للتخزين، مثل الملوخية والمقدد (الباذنجان المجفف).
وبرأي سميرة، فإن سبب هذا التحول يعود للقصف والنزوح وغلاء الأسعار التي زادت بنسبة 25% عن العام الماضي، والتي كانت من أهم الصعوبات التي واجهتها خلال التموين، خاصة مع بعد السوق وعدم توفر المواصلات وارتفاع الأسعار لدى الباعة المتجولين.
لا استقرار.. لا “مونة”
“المونة” في ظل غياب الاستقرار تمثل “عبئًا” لا تستطيع سناء العلي تحمله، بعد أن نزحت مع أسرتها من قرية معرتحرمة، خلال الحملة الأخيرة، إذ كرست ما لديها من مال لدفع أجرة البيت وفواتيره الباهظة، حسبما قالت لعنب بلدي.
كان تموين المواد الغذائية فيما سبق وسيلة اقتصادية وعملية لحفظ الطعام وتوفير تكاليفه خلال الشتاء، مع استغلال موسم نضج الخضار وانخفاض أسعارها في الصيف.
واختلفت عادات حفظ الطعام عمومًا في ظل الظروف التي عانتها إدلب خلال السنوات السابقة، فمع انقطاع الكهرباء وارتفاع الأسعار اتجه الناس لأساليب الحفظ القديمة، من تجفيف البازلاء وحفظ ورق العنب بالماء والملح.
لكن التموين بحاجة لمساحة ونظافة، حسبما قالت كيناز ملحم، لعنب بلدي، وهو ما لا يتوفر في مخيمات اللجوء المكتظة.
لجأت كيناز إلى مخيم القلعة في سرمدا، مغادرة بلدة احسم بسبب القصف، “حينما كنا في القرية كنا نجهز المونة من كل نوع، نجهز الملوخية، والمكدوس، والدوبيركة البيضاء (لبن غنم يطبخ ويحفظ للشتاء ليستخدم في طبخ الشاكرية والششبرك وغيرها) والمخللات”.
لا تتوفر المساحة ولا إمكانية العمل داخل المخيم، ولا حتى مكان لحفظ “المونة” ولا وسيلة لنقلها عند الاضطرار للانتقال من خيمة لأخرى، حسبما قالت كيناز، مشيرة إلى أن المال غير متوفر أيضًا.
وأضافت كيناز أن “المونة” كانت تصف على الرفوف في المنازل في “المرطبانات” الزجاجية النظيفة كشكل من أشكال الزينة أيضًا، أما في المخيم فلا وجود للزجاج ولا للرفوف.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :