عن أسطورة الإصلاح الديني

  • 2019/08/04
  • 10:22 ص
محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

لعقود، حكمت الوهابية السعودية، ومنعت دور السينما وقيادة المرأة للسيارة وسفرها دون محرم، وأطلقت العنان لشرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكل ذلك طبعًا تحت إشراف طبقة من مشايخ وعلماء بدا لفترة طويلة أنهم حائط صد ولبنة أساسية في النظام الحاكم، حتى جاء شاب في مقتبل العمر متوسط الذكاء ودمر كل هذا بضربة واحدة دون حراك يذكر من رجال الدين إن لم يكن بمباركتهم.

في كتابه القيم “السلطة في الإسلام” يشير المستشار عبد الجواد ياسين إلى عامل ضروري، كثيرًا ما يتم إغفاله لفهم تطور الإسلام، وهو عامل التاريخ، فما نؤمن به اليوم ونعتبره إسلامًا مقدسًا هو في بعض أجزائه حصيلة أحداث تاريخية دمغت الإسلام بدمغتها، وفي قلب هذه الأحداث التاريخية الصراع على السلطة، الذي ابتدأ في فجر التاريخ الإسلامي في سقيفة بني ساعدة. ولذلك يكرر المستشار في ثنايا كتابه الواقع في مجلدين أنه إذا كان التاريخ هو مفتاح الإسلام فإن السلطة هي مفتاح التاريخ.

تثير هذه الحقيقة التساؤل عن جدوى الإصلاح الديني من الأساس. قبل قرن من الزمن دعا رواد الإصلاح الأوائل أمثال جمال الدين أفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وآخرون إلى ضرورة الإصلاح الديني الفكري وهم يحاولون الإجابة عن السؤال الشهير: لماذا تقدم الآخرون وتخلفنا؟ على اعتبار أن هذا الإصلاح الموعود سيسهم بدفع أمتنا للحاق بركب الأمم.

وكثيرًا ما يشار إلى الإصلاح البروتستانتي الذي بدأ في ألمانيا وانتقل منها إلى دول أخرى أواسط القرن السادس عشر، وكثيرون ربطوا بين نشوء الرأسمالية والبروتستانتية ودعوتها للعمل و”الزهد الداخلي” كما بين ماكس فيبر في “الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية”، ولكن الواقع أنه ليس هناك اتفاق عام على أن هذا الإصلاح مرتبط مباشرة بتقدم الغرب. فمعظم دول العالم ذات الأغلبية السكانية المسيحية هي ديمقراطية وعلمانية ولكن قليلًا جدًا منها يشبه فرنسا أو بريطانيا أو الولايات المتحدة.

ومن ناحية تاريخية، أشعل الإصلاح البروتستانتي شرارة حرب أهلية في عدة دول أوروبية ارتُكبت فيها فظاعات هائلة، وما زالت الكنائس المسيحية الكاثوليكية والأرثوذكسية تختلف على ما اختلفت عليه قبل ألفي عام، ما يدل على أن الإصلاح الديني لم يجد طريقه إلى الأسس النظرية لهذه الكنائس، وما بدا أنه إصلاح هو ليس أكثر من محاولة يائسة من الكنيسة لاستبقاء الأتباع الخارجين من الدين أفواجًا.

تسود فكرة مفادها أن تخلفنا مرتبط ارتباطًا مباشرًا بتركنا للإسلام، وأن عودتنا إليه ستنعكس بالضرورة تحسنًا فوريًا على أوضاعنا القاتمة، ومنها اشتُقت فكرة أخرى بأن علينا أن نعود للإسلام “الحقيقي” أو لـ”روح الإسلام” وليس الإسلام التقليدي الذي عفا عليه الزمن.

والحقيقة أن الأفكار ما لم تُهيَّأ لها إرادة سياسية قادرة على تطبيقها فسيبقى تأثيرها محدودًا، وفي الغالب معدومًا. فالأولوية إذن يجب أن تكون للإصلاح السياسي فهو مفتاح الإصلاح الديني المنشود، أما الاكتفاء بالإصلاح الديني المجرد فهو ببساطة يعني عقودًا (أو قرونًا) نجتر فيها نقاشًا عن الموسيقى والمصافحة والاختلاط والتصوير والعقل والنقل وخلق المصحف، حتى يأتي كوشنر من وراء البحار فيأمر ابن سلمان بفعل الصواب فيفعله ثم نقول بصوت واحد: سمعًا وطاعة.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي