تلاعب بالمساعدات وخنق لمناطق المعارضة..
تقرير يكشف تورط النظام في “توجيه” جهود الإغاثة
عنب بلدي – خاص
نشر “المركز السوري للعدالة والمساءلة” تقريرًا تضمن وثائق مسربة تشير إلى تلاعب النظام السوري بتدفق المساعدات الإنسانية لمعاقبة معارضيه ومكافأة الموالين له.
بحسب التقرير، الذي حصلت عنب بلدي على نسخة منه، الخميس 1 من آب، فإن المخابرات السورية لعبت دورًا في توجيه المساعدات الدولية، المقدرة بمليارات الدولارات، لمعاقبة السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة ومكافأة السكان الموالين للنظام السوري.
وجاء في التقرير، أن النظام السوري اشترط على منظمات الإغاثة الدولية الحصول على موافقته لتقديم المساعدات داخل سوريا، وأكدت منظمات دولية عدة أن طلبها لتوزيع المساعدات كان يُقابل بالرفض أو يتم تجاهله دون ذكر الأسباب.
“مثبت بالوثائق”
يدعم التقرير تقريرين نشرهما معهد “تشاتام هاوس”، ومنظمة “هيومان رايتس ووتش” الحقوقية يشيران إلى تلاعب النظام السوري بجهود الإغاثة المقدرة بملايين الدولارات، كما استند المركز إلى أرشيف الوثائق الخاص به لإثبات صحة التقريرين.
تؤكد إحدى الوثائق، التي نشرها المركز ضمن التقرير، مساعي النظام السوري للحد من وصول المساعدات الطبية إلى المناطق الخاضعة للمعارضة السورية.
وتشير مذكرة صادرة عن شعبة الأمن السياسي في شباط 2014 إلى وجود حظر رسمي على المساعدات الطبية للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بحجة حصول “المسلحين” على دعم طبي أجنبي.
ومن الوثائق المرفقة في التقرير، برقية موجهة إلى رؤساء فروع شعبة الأمن السياسي في المخابرات السورية في جميع المحافظات، تطلب فيها “التأكد من جهة مقصد البضائع قبل إرسالها، لأن وصول المساعدات إلى المناطق الساخنة يحتاج إلى قرار سياسي مسبق وتتم متابعته من قبل مكتب الأمن الوطني بالتنسيق مع ضابط ارتباط محدد من شعبة الأمن السياسي”.
ويشير مدير “المركز السوري للعدالة المساءلة”، محمد العبد لله، إلى أن حجم الوثائق التي يحوزها المركز كبير للغاية، وتقدر بحوالي نصف مليون صفحة.
لماذا تأخر نشر هذه الوثائق؟
وحول سبب تأجيل نشر الوثائق المتعلقة بالتلاعب بالمساعدات، يقول العبد الله لعنب بلدي إنّ تحليل الوثائق التي يملكها المركز “يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين، خصوصًا أن التحليل يتم من قبل فريق وليس باستخدام برامج كمبيوتر”.
ويضيف، “كون الوثائق باللغة العربية، واجهنا مشكلة كبيرة بعدم توافر البرمجيات المساعدة على التقاط الكلمات المفتاحية ضمن الوثائق، وأيضًا كون عدد كبير من الوثائق مكتوبًا باليد أو هناك إضافات باليد (وليس مطبوعًا) فهناك استحالة للاعتماد على الكمبيوتر”.
ويتابع، “هناك أيضًا موضوع الأولويات، تركيز المركز في التقرير الأخير (للجدران آذان) كان على ملفات المعتقلين وانتهاكات القانون الدولي. لكن الوثائق تضم العديد من الملفات التي يمكن العمل عليها وهذا ما حصل في تقريرنا الموجز. لاحظنا وجود عدة وثائق حول موضوع التلاعب بالمساعدات الإنسانية وتسييسها، وكانت فرصة مناسبة صدور تقرير هيومان رايتس ووتش حول ذات الموضوع، لذلك قمنا بإصدار ورقة قصيرة كونها لا تتطلب أشهرًا من البحث”.
إدانة للنظام: “حصار وتجويع وتهجير قسري”
أظهرت إحدى الوثائق التي أرفقها المركز في تقريره مذكرة صادرة عن فرع الأمن السياسي في محافظة إدلب، في تموز عام 2014، كيف يحدد النظام السوري مناطق “آمنة” لتوصيل المساعدات إليها، ومناطق “ساخنة” يجب تقييد وصول المساعدات إليها.
وبناء على المذكرة صُنفت بلدتا الفوعة وكفريا على أنهما آمنتان لوجود قواعد عسكرية فيهما، في حين صُنفت بلدتا قاح وعتمة على أنهما “ساخنتان” لوجود مسلحين فيهما، رغم احتوائهما على مخيمات كبيرة للنازحين.
ولذا يعتبر التقرير أن توزيع المساعدات الإنسانية تم بناء على اعتبارات سياسية بدلًا من الاحتياجات الإنسانية.
ويشير العبد الله إلى أنّ تلك الوثائق تعتبر إدانة للنظام بـ “الحصار والتجويع للمدنيين، اللذين يعتبران جريمة ضد الإنسانية”، ويتابع، “هناك أدلة قوية على الحصار العسكري الفعلي، لكن الاتهامات بمنع المواد الإنسانية والإغاثية من الوصول إلى المناطق المحاصرة عادة تفتقد لأدلة مادية قوية من ناحية، أو تكون محصورة في حالات حصلت في العلن (مثل قصف قافلة إغاثية). لكن حتى في تلك الحالات، ليست هناك أدلة جنائية عن الطرف الفاعل، وهو أسلوب عمدت القوات السورية (والروسية لاحقاً) إلى اتباعه”.
لكن “ما يمكن أن تثبته الوثائق هو أن الحصار كان متعمدًا، ولا يستهدف المقاتلين فقط، بل المدنيين، وكان مخططًا له على أعلى المستويات. مع ربط هذه الأوامر بما حصل على الأرض من حالات تجويع أو وفيات بسبب نقص المواد الطبية. هنا يمكن إثبات أن جريمة الحصار والتجويع حصلت بشكل متعمد”.
كما يمكن أن تدين الوثائق النظام بعمليات التهجير القسري، “كون النتيجة الرئيسية لتجويع مدينة أو بلدة بأكملها ومنع المساعدات الطبية والإغاثية عنها، سيؤدي كما رأينا للتهجير القسري للمدنيين، وهي جريمة حرب أيضًا”، بحسب العبد الله.
منظمات إغاثة “متورطة”
يقول التقرير إنّ “المنظمات الدولية قد أذعنت لإطار عمل مسيّس وموجّه بشكل أساسي من قبل قطاعات من الحكومة السورية انتهكت حقوق الإنسان بشكل فظيع. ومن خلال القيام بذلك، تضحّي وكالات المعونة الدولية لا محالة بمبادئ الحياد والنزاهة الخاصة بها”.
وحول إمكانية استخدام الوثائق المنشورة في التقرير لإدانة منظمات دولية، يقول محمد العبد الله إن “تسييس العمل الإنساني لا يمكن ملاحقته جنائيًا، لكن يمكن الضغط عليه إعلاميًا وحقوقيًا”.
ويضيف، “ما حاولنا وسنحاول إثباته من خلال الوثائق (على مراحل) هو حجم الضرر والأذى الذي نتج عن إذعان المؤسسات الدولية لشروط الحكومة السورية والسماح لها بالتحكم بقرار وصول المواد الإنسانية والطبية من عدمه”.
ويتابع، “قلقنا الرئيسي أن يتم الاستمرار في هذه السياسة والتعاون مع دمشق في مراحل إعادة الإعمار وتجاهل الاستهداف الواضح للضحايا وأيضًا تجاهل الفساد المستشري في الحكومة السورية والمنظمات التابعة لها”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :