من أرض القصف إلى أرض الحرم..
حجاج إدلب يحملون همومهم إلى السعودية
عنب بلدي: رهام الأسعد – ضياء عودة
لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، ولم تلههم مشقة الحج عن ذكر من تركوهم تحت نيران القصف، تارة يدعون لأهلهم وأولادهم في إدلب وأخرى يفكرون بمأساة العودة من أكثر مكان شعروا فيه بالأمان إلى مرمى النيران من جديد.
في غرفة الفندق الذي يقيمون فيه بمدينة مكة، تجتمع مجموعة صغيرة من أهالي إدلب، يتابعون بصمت وألم ما ستخرج به محادثات “أستانة”، ويستبشرون بأنباء غير مؤكدة عن اتفاق مشروط لوقف إطلاق النار في إدلب، تلك المحافظة التي غادروها لأيام معدودات في رحلة لأداء مناسك الحج، على أمل العودة إليها ولقاء عوائلهم بظروف أفضل.
قلوبهم في إدلب
الرجال الخمسة، الذين زارتهم عنب بلدي حيث يقيمون في مكة، هم عينة من مجموعة أشخاص تركوا بلداتهم التي تتعرض لقصف مستمر منذ نيسان الماضي، في حملة أطلقها النظام السوري، بدعم روسي، على ريف إدلب الجنوبي، وتوجهوا لقضاء “واجبهم” الديني وفي حناجرهم “غصة” الخوف على ذويهم و”فرح” زيارة الحرم المكي والنبوي.
“هي رحلة العمر، ولكن كنت أتمنى لو كانت ظروف بلدنا أفضل”، عبارة ترددت على مسامع الحاج طاهر العاصي حين كان في الباص الذي يقلّهم نحو الكعبة، فنقل طاهر ما سمعه لرفاقه في غرفة الفندق ملامسًا حسرتهم وتبنّيهم لتلك العبارة.
يقول طاهر، ابن منطقة جبل الزواية في ريف إدلب الجنوبي، إنه لا يتوقف عن الدعاء لأهله في إدلب منذ اليوم الأول الذي وصل فيه إلى مكة، مشيرًا إلى أن رحلة الوصول إلى السعودية كانت “ميسّرة” رغم وجود بعض العراقيل “الروتينية”.
بينما قاطعه الحاج أحمد عزيزة، ابن أريحا في ريف إدلب، متحدثًا عن معاناة عاشوها في أثناء خروجهم من بلداتهم نحو معبر باب الهوى، الذي قضوا فيه يومًا كاملًا، ومنه توجهوا إلى تركيا برًا ثم إلى السعودية جوًا.
يضيف أحمد عزيزة في وصف شعوره، “تركنا أولادنا وأهلنا تحت القصف، نمسك هواتفنا كل ساعة لنطمئن عليهم، أعصابنا تلفت منذ مغادرة أراضينا، لكنها فرصة وجاءتنا لأداء هذه الفريضة”.
لم ينكر أحمد أنه تردد قبل تقديم ملفه إلى لجنة الحج السورية العليا، خوفًا على ذويه، إلا أنه أيقن في قرارة نفسه وحكّم عقله على حساب قلبه وحسم مسألة الخروج مدفوعًا بواجبه الديني، كما يقول لعنب بلدي.
هنا، اعتبر الحاج مصطفى زين الدين، الذي كان يشارك المجتعمين حديثهم، أن أداء فريضة الحج هو بمثابة الدفاع عن الأرض، محاولًا رفع حالة الشعور بالذنب التي كانت تهيمن على الحاضرين، ويقول “لدينا رضا بالقضاء والقدر، نعلم أننا تركنا أهلنا وأرضنا ولكن من المهم أيضًا أن ندعو لهم من مكاننا هذا”.
انتقادات وتحديات
إلى جانب حديثهم عن أهلهم في إدلب، عرّج المجتمعون في نقاشهم، وعددهم خمسة، على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تشهده مناطقهم الخارجة عن سيطرة النظام السوري، فانتقدوا حالة الانقسام السياسي والميداني في صفوف المعارضة، وتساءلوا عن مستقبل أولادهم الدراسي في تلك المناطق ومدى الاعتراف بشهاداتهم المدرسية والجامعية، ثم تحدثوا عن إمكانية تطوير أعمالهم وتحسين وضعهم الاقتصادي في ظل مستقبل ضبابي غير مضمون، كما يقولون.
الحاج أحمد عبيد، من منطقة جبل الزاوية، يروي لعنب بلدي تفاصيل أخرى واجهته حين قرر السفر لأداء مناسك الحج، فيقول إن معظم حجاج إدلب واجهوا انتقادات كثيرة قبيل قدومهم إلى السعودية، حيث كان البعض يطالبهم بدفع أموالهم للنازحين والمهجرين عوضًا عن دفعها للسعودية، وأضاف، “لكن هذا فرض عليّ (الحج)، وهناك جهات مختصة تساعد النازحين والمحتاجين”.
ويبلغ عدد النازحين في إدلب منذ نيسان الماضي أكثر من 440 ألف شخص، بحسب أرقام الأمم المتحدة، فروا من المناطق التي تشهد قصفًا كثيفًا نحو المناطق الأكثر أمنًا، وسط الحديث عن ظروف إنسانية صعبة يعيشونها، في حين وصل عدد القتلى بين المدنيين خلال الحملة العسكرية الأخيرة على إدلب إلى 500 شخص، كان العجز الدولي أحد الأطراف المسؤولة عن مقتلهم.
ورغم مشاعر الحيرة والتردد التي قادتهم في نهاية المطاف نحو الأراضي السعودية، كان حجاج إدلب ضمن 22 ألفًا و500 سوري قدموا من مختلف بلدان العالم لأداء مناسك الحج هذا العام، حسب أرقام “لجنة الحج السورية العليا”، التابعة للائتلاف السوري المعارض، وهناك تبادل السوريون همومهم على أرض واحدة جمعتهم ليعودوا مجددًا إلى الشتات.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :