مرايا 2020 .. بعيدًا عن السياسة
نبيل محمد
حسنًا، سيعود مرايا بنسخة جديدة خلال العام المقبل، بعد انقطاعه لمدة ست سنوات، إذ عاد صاحبه وبطله الدائم الفنان السوري ياسر العظمة إلى دمشق، ونقلت وسائل الإعلام السوري قيامه بزيارات متعددة لأفرع أمنية، تمهيدًا للشروع بالعمل، العمل الذي وفق ما ينقل سيبتعد كليًا عن السياسة، وسيهتم بموضوعات اجتماعية وإنسانية تخص المواطن السوري. هكذا وبدون أي تعليق آخر، سيكون هنالك عمل درامي سوري ينتج عام 2020 بعد حرب استمرت تسع سنوات، يلامس مشاكل المواطن السوري دون الاقتراب من السياسة بتاتًا، السياسة التي لا علاقة لها بمشاكل المواطن وفق ما يفترضه العمل، ليس أي عمل، إنه مرايا الذي ارتبط بالسياسة سابقًا كما لم يرتبط غيره، كما أن أغلب أعمال الكوميديا الناقدة التي نشأت في سوريا منذ بدايات العقد الأخير من القرن العشرين كانت بشكل ما مستندة إلى أسلوبية مرايا وطريقته في النقد.
يعرف ياسر العظمة تمام المعرفة أن شروعه بمرايا، سيمر عبر فروع مخابرات كثيرة لا بد أن سبق وزارها، ويعرف أن سياستها اليوم تختلف عن الأمس، وأن رتب الضباط ومستويات المسؤولين الذين كان يسخر منهم في السابق ستنخفض وربما تنعدم. لن يكون من السهولة بمكان أن يلبس رداءً عسكريًا، أو أن يؤدي شخصية ضابط أمن، أو يدخل سجنًا، أو حتى أن يتحدث بلهجة ريفية، عليه أن يطيل بعمر اللوحات التي لا تحمل معنى ذا أثر يذكر، وأن يختصر أو يحذف تلك التي تناقش قضية واقعية، بل ربما عليه أن يرى بعيون تلك الفروع. ضرائب بالجملة سيدفعها، وربما لن يكون دفعها ذا أثر كبير عليه، خاصة وأنه تنحى جانبًا وحاول الصمت سنوات طويلة تجاه ما يجري في بلده، بل وربما كانت مرايا 2013، وهي النسخة الأخيرة التي أنتجها مسلسله، تمثل رأيًا صريحًا له، لا يختلف كثيرًا عن الفنانين الذي أعلنوا وقوفهم في صف النظام منذ أول طلقة.
تجربة فنية عايشت التاريخ الحديث لسوريا، وواكبته في السينما والمسرح والتلفزيون، وكانت في أمكنة كثيرة صوتًا يحاول أن يقدم ما لا يقدمه سواه، وأن يقفز فوق خطوط الرقابة الحمراء، قفزات لم تبدُ مرتفعة جدًا، إلا أنها حملت أثرًا ما جعلت المسلسل عنوانًا للجرأة في عدة أعوام، كل هذه التجربة مقتنعة اليوم بأن تعود للمشاهد الذي فقد تلفزيونه في عربة زيل عسكرية، فتحكي عن أوجاعه وآلامه وترصد المجتمع والإنسان السوري لكن بعيدًا تمامًا عن السياسة. تلك التجربة هي أمام خيارين، أولهما أن تجد أن المعركة التي أودت بحياة الآلاف، مسبباتها ليست سياسية، وإنما حدثت بمحض أسباب مرتبطة بالتلوث البيئي، أو انتشار حشرة الذبابة البيضاء في حقول القطن الطويل التيلة في الجزيرة. الخيار الثاني هو الإرهاب الذي يحاربه أبطال الجيش السوري، هذا الخيار لا علاقة له بالسياسة أصلًا، لذا بإمكان النجم استخدامه في كل لوحاته إن شاء.
ستدور كاميرات مرايا في دمشق ببساطة، ولن تلتفت إلى ريفها المدمر (فذلك سياسة)، ستتحدث عن مشاكل الجيران بين بعضهم، لكن قد لا تقترب من أزمات الغاز والمياه والكهرباء والوقود (فلذلك رابط بالسياسة)، ستبتعد عن الحواجز، عمن يحملون سلاحًا في الشوارع، ستوزع الكومبارس الشبان في الشوارع الخالية منهم كي لا يظهر هذا الخلو بدلالة سياسية، ستجد من الممثلين من هم ليسوا لاجئين أو مغتربين أو سجناء أو موتى بجلطات سياسية، لكنها في النهاية ستقترب أكثر نحو تفاصيل تخص الموطن السوري اجتماعيًا وإنسانيًا، ستقترب من هذه التفاصيل بمن تبقى في دمشق من النجوم كسوزان نجم الدين وعابد فهد وفادي صبيح وسواهم، هم الأكفأ في العاصمة اليوم ليمثلوا هموم المواطن السوري بعيدًا عن السياسة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :