جريدة عنب بلدي- العدد 30 – الأحد – 16-9-2012
الفيلم الأمريكي شكّل استفزازًا لمشاعر المسلمين لأنه يمسّ بشخص رمزهم وقائد أمتهم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أمرٌ لا يمكن القبول به أبدًا، ولا يمكن لمسلم يعتزّ بإسلامه أن يسكت عنه. وكان لابد من التعبير عن الغضب العارم الذي أصاب المسلمين بالتظاهر رفضًا لهذا الفيلم ولكل من تسول له نفسه أن يسيء لرمز الأمة الإسلامية. مظاهر الغضب هذه تجلت في التظاهر أمام السفارات الأمريكية في العديد من العواصم العربية والإسلامية، وحاول البعض اقتحام السفارة الأمريكية في القاهرة واليمن. وفي بنغازي تم قصف السفارة الأمريكية مما أدى إلى مقتل السفير وعدة موظفين وهو الأمر الذي شجبه ورفضه الكثيرون في الشارع العربي والإسلامي معتبرين أن الإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم لا يُردّ عليها بقتل الأبرياء وهو ما يخالف ما علمنا إياه محمد صلى الله عليه وسلم .
إن المشهد العربي والإسلامي ليس مستغربًاً على اعتبار أن ما يحدث هو ردة فعلٍ طبيعية على الفيلم، إلا أن ما يدعو للاستغراب والدهشة هو أن هذا المشهد لم يحدث أبدًا أمام السفارات السورية في هذه البلدان بنفس الحجم والزخم الشعبي والإعلامي، على الرغم من أن النظام السوري وأتباعه لم يسيؤوا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم فقط، بل أساؤوا لله عز وجل ولمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ولكل أمته ومقدساتها من خلال ممارساتهم ودمويتهم وطائفيتهم اللامحدودة، فدمروا المساجد ودنسوا حرماتها وحرقوا المصاحف….
وهنا تثور تساؤلات كثيرة:
كيف سمحت الإدارة الأمريكية وعلى رأسها اوباما الذي لطالما تشدق بإحترامه للإسلام بإنتاج هذا الفيلم وعرضه على الرغم من معرفتها بانعكاسات عرضه على الساحة العربية والإسلامية وما يشكله ذلك من خطر على مصالحها في العديد من البلدان؟؟
لماذا تزامن عرض هذا الفيلم مع الحملات الإنتخابية في أمريكا؟؟
لماذا يكون الشارع العربي والإسلامي دائمًا مسرحًا سهلًا للتجاذبات والحيل التي تمارسها أجهزة المخابرات الغربية؟؟
لماذا ضجّ الشارع العربي والإسلامي اليوم بسبب هذا الفيلم على الرغم من أن الفيلم تم عرضه منذ عدة أشهر؟؟
هذه التساؤلات تعيدنا إلى عام 2006 عندما اجتاحت موجة احتجاج عارمة العديد من العواصم العربية والإسلامية ردّاً على الرسوم المسيئة للنبي الكريم. عندها شارك السوريون بالاحتجاجات ونزلوا إلى العاصمة دمشق، وقد أدرك عدد كبير منهم أذان العصر فقاموا بأداء الصلاة في وسط الشارع وقطعوا يومها أتوستراد المزة وتابعوا طريقهم إلى سفارة الدانمارك،. واليوم نتساءل: كيف سمح بشار ورؤساء أفرع المخابرات في ذلك الوقت بأن يصلي أكثر من عشرة آلاف شخص غاضب و «متعصب» بحب نبيهم في اوتستراد المزّة وهو نفس الطريق الذي يحشد بشار كل قواته في دمشق ويحاصر مدن الريف الدمشقي كي لا يصل الثوار إليه اليوم!! لماذا سمح بشار وأزلامه للمتظاهرين في ذلك الوقت بإحراق سفارات الدانمارك والنروج والسويد دون أي تدخلٍ من عناصر حفظ النظام، ولكن عندما اقترب المتظاهرون من سفارة فرنسا ورشقوا أول حجر استنفرت كل القوات والمخابرات وبدأت الاعتقالات والقنابل المسيلة للدموع؟؟
ألم تكن كل تلك الأحداث مخططًا لها في أقبية المخابرات وفي الغرف السوداء؟؟ ألم نكن ولم نزل تُستغلُ عواطفنا لتنفيذ مخططات المخابرات الغربية والعربية والمحلية؟؟
الفيلم عرفنا به وسمعنا عنه بعد عرضه بعدة أشهر وكذلك الرسوم وكذلك النائب الهولندي فيلدرز الذي شتم الإسلام أمام البرلمان الهولندي، لم نسمع بما فعله إلا عندما أرادوا ذلك، عندما كانت مصالحهم تلتقي مع نزولنا إلى الشوارع لكي نحرق سفارات من أرادوا لنا أن نحرق، وأن نستنفر كما أرادوا لنا أن نستنفر.
الفيلم السوري الدموي الذي يتصدر شاشات التلفزة في كل أصقاع العالم مازالت حلقات الموت والدم فيه تعرض منذ ثمانية عشر شهرًا بانتظار صحوة حقيقية عند من يحملون بين ضلوعهم قلوبًا تخفق بالإنسانية صحوة حقيقية لاتحركها أجندات دول أو مخابرات ويضم في طياته إساءات تستفز كل القيم والأديان وكل من يحمل الهوية البشرية ومازال مسلسل الدم مستمرًا.