القانون الدولي وتحديات الازمة السورية
جريدة عنب بلدي- العدد 30 – الأحد – 16-9-2012
ثمانية عشر شهرًا انقضت منذ اندلاع ثورة الكرامة ضد نظام الإجرام السوري، ومازال الشعب السوري مصرًّا على المضي في طريق الحرية المنشودة حتى يحقق ما يطمح إليه من عدالة وحرية وكرامة؛ لكن أشد المراقبين تشاؤمًا لم يكن يتوقع أن القانون الدولي لا يحتوي في سطوره ونصوصه قاعدة تلزم المجتمع الدولي باتخاذ موقف إنساني من الشعب السوري، وأن المنظمات الدولية بكل فروعها ستبقى عاجزة عن اتخاذ موقف حازم وحاسم مما يحصل في سوريا من انتهاكات وجرائم أقل ما توصف به أنها عمليات إبادة جماعية ممنهجة تمارسها حكومة أقل ما توصف به بأنها عصابة من المرتزقة تفوقت على كل عصابات الإجرام والمافيا في عمليات التصفية وتدمير البنى التحتية نوعًا وكمًّا.
تعتبر الأمم المتحدة المظلة العالمية التي تنطوي تحت رايتها كل دول العالم وقد تم إنشاؤها إبّان الحرب العالمية الثانية بعد أن استشعر المجتمع الدولي حاجته لمؤسسة عالمية تعمل على إرساء مبادئ القانون الدولي وتحقيق السلام الدولي وتتصدى لكل التحديات والأخطار التي قد تواجه الإنسانية والبشرية، والعمل على تحقيق طموحات شعوب العالم. وإن أول وأبرز ما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة هو الحفاظ على السلم والأمن الدوليين كما نص الميثاق نفسه في فصله السابع على أن لمجلس الأمن باعتباره الذراع التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة أن يتخذ كل ما يلزم للحفاظ على السلم والأمن الدوليين بما في ذلك القوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية في مواجهة أي دولة تشكل خطرًا على استقرار الأمن والسلام الدوليين.
إن ما حصل ويحصل من انتهاكات ومجازر بحق الشعب السوري يعتبر وفقاً لكل المعايير والقوانين والنصوص الدولية اخلالاً بالسلم والأمن الدوليين، بل إن العصابة الحاكمة في سوريا أصبحت تشكل خطرًا على الإنسانية بما ترتكبه من فظاعات بحق الإنسان وكرامته، بل غن معدل ما تسببه من خسائر في الأرواح تفوقَ على أشد الأوبئة التي عرفتها البشرية نسبة إلى المدة الزمنية التي تسبب خلالها بكل تلك الخسائر. لكن كل ذلك لم يكن كافيًا كي يتم تطبيق نصوص ومبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وأصبح القانون الدولي، شأنه شأن كل القوانين السورية، شكليًا ومفرغًا من محتواه ولا يتم تطبيقه إلا عندما تريد السلطة تطبيقه تنفيذًا لمصالحها، وأصبح جليًا للجميع أن القانون الدولي ومؤسساته بما فيها الأمم المتحدة مسخرٌ لخدمة القوى العظمى وسياساتها ورغباتها وأن تطبيق مبادئه ونصوصه منوط بإرادتها ومصالحها في منطقة ما من عالمنا البائس.
إن المشهد الدولي وكل النزاعات والحروب التي اجتاحت معظم بقاع العالم قدمت الدليل تلو الأخر على عدم جدوى الأمم المتحدة ومؤسساتها في فض النزاعات والحفاظ على السلام الدولي والدفاع عن حقوق الإنسان طالما كان أحد أفراد الأسرة الدولية أُعطي امتيازاً عن باقي أعضاء هذه الأسرة لكونه يمتلك نفوذاً وقوة عظمى، وهو ما يتمثل في حق الفيتو الممنوح للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (أمريكا – فرنسا – بريطانيا – الصين وروسيا) لأن ذلك يحول دون اتخاذ القرار الصحيح في مسألة ما إذا ما تعارض هذا القرار مع مصلحة إحدى هذه الدول. والأزمة السورية تشكل مثالًا صارخًا على ذلك، فقد جوبهت كل محاولات إصدار قرارات دولية حازمة ضد النظام السوري باستخدام حق النقض من قبل روسيا والصين المؤيدتان لنظام الإجرام السوري ثلاث مرات. وهذا العجز الفاضح تحت قبة مجلس الأمن ليس بجديد، فطوال مرحلة الحرب الباردة بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي لم يكن باستطاعة مجلس الأمن اتخاذ أي قرار، حيث كانت أمريكا تستخدم الفيتو في مواجهة أي قرار يخدم مصالح الإتحاد السوفيتي، وكان هذا الأخير يفعل نفس الشيء في مواجهة أي قرار يخدم مصالح أمريكا .
لكن التاريخ شهد العديد من الحالات التي لم تُعِر فيها هذه القوى العظمى، وبالأخص أمريكا اهتمامًا للقانون الدولي. ففي مسألة صربيا والبوسنة والهيرسك وقضية العراق وأفغانستان شهدنا تمردًا أمريكيًا على البروتوكول الدولي، حيث قامت مع حلفائها بشن حروب ومعارك واستباحة بلدان بحجة الخشية على الإنسانية من أخطار محدقة والحفاظ على حقوق الانسان، وتحقيق الديموقراطية، بل أنها في قضيتي العراق وأفغانستان تحدّت رفض مجلس الأمن للحروب التي أرادت إعطائها غطاءًا شرعيًا.
وهنا يثور التساؤل: إلى متى تبقى الشعوب رهينة لمصالح القوى العظمى؟؟ أولم تصبح هذه القوانين المسخرة لخدمة القوى العظمى بحاجة للتغيير؟؟؟ ألم يأن الأوان لإنشاء نظام دولي جديد تكون فيه مصالح الشعوب وحقوق الإنسان مقدمة على مصالح الحكومات التي تدير الدول العظمى؟؟ كل ذلك يبقى رهينًا بما سيحققه الربيع العربي بعد أن يزهر الياسمين في شوارع دمشق وتتفتح ورود هذا الربيع في كل الدول العربية التي تطمح شعوبها إلى الحرية. فعندما تكون الشعوب هي من يحكم ويدير البلاد فإن أجنداتها ستعمل جاهدة على تحقيق ما تطمح إليه الشعوب وليس حكامها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :