د. أكرم خولاني
اضطرابات الشخصية شائعة بين الناس، إذ إن نسبة انتشارها تتراوح بين 5-15% منهم، وهي تسبب صعوبة القدرة على التأقلم في الحياة مع المجتمع، ما يسبب للشخص مشكلات على مستوى العمل والمجتمع والأسرة وبقية علاقاته الاجتماعية بالآخرين، وأهم اضطرابات الشخصية هو “الشخصية الزورية”.
ما هي الشخصية الزورية
الشخصية الزورية أو المرتابة أو اضطراب الشخصية الزوراني Paranoid personality disorder أو البارانويا، هي اضطراب عقلي يتسم بشكل أساسي بالشك المستمر والقوي والارتياب العام تجاه الآخرين وسوء الظن بهم وتوقع العداء والإيذاء منهم بسبب أوهام وشكوك ومعتقدات وأفكار خاطئة.
وهذا الشخص لا يعرف الحب أو الرحمة أو التسامح، وإنما يحمل الحقد والضغائن.
وهو دائم الشعور بالاضطهاد والخيانة ممن حوله، وهو شعور يولد لديه كراهية وميولًا عدوانية تجاه كل من يتعامل معهم، وتتخذ عدوانيته صورًا كثيرة، منها النقد اللاذع والمستمر للآخرين، أو السخرية الجارحة منهم، وفي نفس الوقت لا يتحمل أي نقد، فهو لا يخطئ أبدًا (في نظر نفسه).
وهو عنيد لا يغير رأيه بالحوار أو النقاش، فلديه ثوابت لا تتغير، ولذلك الكلام معه مجهد ومتعب دون فائدة، وهو يشعر دائمًا بأنه على حق، وينسب دوره في المشاكل للآخرين.
وهو دائم الاتهام لغيره، يسيء تأويل كل كلمة ويبحث فيما بين الكلمات عن النوايا السيئة، ومهما حاول الطرف الآخر إثبات براءته فلن ينجح بل يزيد من شكه وسوء ظنه، بل إن محاولات التودد والتقرب من الآخرين تجاهه تقلقه وتزيد من شكوكه.
وهو شديد الحساسية وسريع الاستثارة عند توجيه النقد له مهما كان بسيطًا.
كذلك فإن لديه أفكار العظمة وأن الآخرين لا يقدرون مكانته ولا يعطونه المنصب الذي يستحقه ويعتقد أنه قادر على إدارة العالم بكل نجاح وتفوق، ويتميز أيضًا بالعجرفة والتكبر على الآخرين، ويحتقر الجميع، ولا يتحملهم، وينظر إليهم بفوقية، وهو مستبد، وطاغية.
ويلاحظ أن اضطراب الشخصية الزورية أكثر شيوعًا بين الرجال مقارنة بالنساء، وتزيد نسبة الإصابة به في مرحلة المراهقة.
ما أسباب اضطراب الشخصية الزورية؟
كغيره من اضطرابات الشخصية فإن الأسباب النوعية لهذا الاضطراب غير معروفة، ولكن قد يؤدي ترافق سوء المعاملة والحرمان في الطفولة المبكرة من حب الوالدين مع الاستعداد الوراثي إلى تطور الشخصية الزورية.
كيف يُشخَّص الاضطراب؟
لتشخيص اضطراب الشخصية الزورية يجب أن يستوفي المريض أربعة على الأقل من المعايير التالية:
- الشك دون دليل كاف بأن الآخرين يستغلونه أو يخدعونه أو يلحقون به الأذى.
- الانشغال بالشكوك غير المبررة حول ولاء أو إخلاص أو موثوقية الأصدقاء والزملاء والمرافقين.
- معارضة ائتمان الآخرين على الأسرار بسبب خوف لا مبرر له من أن تستخدم هذه المعلومات بشكل خبيث ضده.
- يستنبط من الحوادث والإشارات البريئة إهانات وتهديدات خفية (مثال: يعتقد أن جاره يرمي النفايات باكرًا ليزعجه).
- يحمل الضغينة والحقد، ولا يسامح ولا يصفح عن إهانته أو الاستخفاف به.
- يشعر باستخفاف وتجاهل الآخرين له وبالهجمات على شخصيته أو سمعته، والتي لا تبدو ظاهرة للآخرين، ويسرع في إظهار رد فعله الغاضب أو هجومه المضاد.
- يشكك في الإخلاص الجنسي للزوج دون وجود أساس يبرر ذلك.
هل يمكن علاج الاضطراب؟
قد يكون العلاج فعالًا جدًا، ويعتبر العلاج النفسي هو العلاج الأفضل لهذا الاضطراب، وهو يكفل مساعدة الفرد على تعلم كيفية التعامل مع هذا الاضطراب، والطرق الصحيحة للتواصل مع الآخرين في المواقف الاجتماعية، وتقليل مشاعر جنون العظمة.
ولكن المشكلة أنه نادرًا ما يبدأ الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية الزورية بالعلاج، وكثيرًا ما ينهونه قبل الفترة المقررة، رغم أن معظم المرضى الذين يعانون من هذا الاضطراب يتطلبون علاجًا ثابتًا.
وعادة لا يكون العلاج الدوائي هو المحور الرئيسي لعلاج اضطراب الشخصية الزورية، ومع ذلك فإن الأدوية مثل مضادات القلق ومضادات الاكتئاب والأدوية المضادة للذهان من الممكن أن توصف إذا كانت أعراض الشخص المصاب شديدة.
كيف نتعامل مع صاحب هذه الشخصية؟
من الصعب كسب ثقة صاحب الشخصية الزورية، ومن المهم أن لا نعمل على إثارة شكوكه أو استفزازه أو الضرب على الوتر الحساس لديه والذي يثير لديه تلك المشاعر، وعدم عناده أو معاداته، ومن المهم معرفة النقاط التي يشعر بالحساسية تجاهها وبالتالي تفاديها، ومداراته، ومجاملته، لأنه من الصعب التعامل مع هذا الشخص كأي شخص عادي، ويحتاج إلى معاملة خاصة.