نينار خليفة | محمد حمص | أويس عقاد
خمسة عشر يومًا قضاها مهدي في منزله الواقع في مدينة اسطنبول التركية، إذ بات الخروج بالنسبة له تهديدًا بالترحيل إلى مدينة تشانكلي في شمال غربي تركيا، التي منحته حمايتها المؤقتة حين تعذّر ذلك حيث يقيم.
يقول مهدي لعنب بلدي (رفض نشر اسمه الكامل لأسباب أمنية) إنه خسر عمله ودراسته للغة التركية التي وصل فيها إلى المستوى الرابع، مدفوعًا بالخوف من الترحيل بعد القرارات التركية الأخيرة، التي تمنع حملة بطاقات الحماية المؤقتة (الكيملك) من الإقامة في ولايات غير الولاية التي حصلوا على وثائقهم منها، بينما يتعرض من لم يستخرج البطاقة للترحيل إلى شمال سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي في ولاية أنطاكيا جنوبي البلاد.
وكان وزير الداخلية، سليمان صويلو، قال، خلال حديثه مع مجموعة من الإعلاميين السوريين، في 13 من تموز الحالي، إن سياسات جديدة ستبدأ المؤسسات التركية بتطبيقها تجاه المواطنين السوريين في تركيا في المرحلة المقبلة، وتمثلت تلك السياسات بعمليات ترحيل ونقل للاجئين السوريين.
يقول مهدي (24 عامًا)، إنه دخل إلى تركيا في آب 2017، وحينها كان استصدار بطاقات الحماية المؤقتة ساريًا في اسطنبول، فقصد مخفر منطقة أفجلار للحصول على موعد بعد ستة أشهر للحصول على بطاقته، ووفق تعبيره فإنه بعد أن قصد المخفر مرة أخرى في شباط 2018، أُبلغ أن إصدار البطاقات قد ألغي في الولاية بقرار من إدارة الهجرة، فاضطر إلى إجراء العملية ذاتها في ولاية تشانكلي القريبة.
محمد (35 عامًا)، يخشى مغادرة منزله في مدينة اسطنبول، إذ يحمل بطاقة حماية مؤقتة صادرة عن دائرة الهجرة في مدينة الريحانية جنوبي تركيا.
ويؤكد محمد، الذي طلب عدم نشر اسمه كاملًا، لعنب بلدي، أنه لم يتوجه إلى عمله أيضًا، منذ بدء تنفيذ القرارات الصادرة بحق اللاجئين المخالفين.
وبينما يتخوف محمد ومهدي من النقل القسري إلى ولايتيهما، تعرض أكثر من ألف شاب سوري للترحيل إلى محافظتي إدلب وحلب شمال سوريا، وفق تصريح وزير الداخلية سليمان صويلو، خلال لقاء مع تلفزيون NTV”” الأربعاء 24 من تموز.
الشاب أمجد طبلية هو أحد الذين تعرضوا للترحيل من مدينة اسطنبول إلى شمال سوريا، وفق ما أكده في فيديو منشور على موقع “فيس بوك” يروى فيه قصة ترحيله على الرغم من امتلاكه وثيقة الحماية المؤقتة.
ويقول أمجد في الفيديو، إنه كان نائمًا في منزل أقارب له بمنطقة أكسراي التابعة لبلدية الفاتح في اسطنبول، وخرج إلى السوق لإحضار بعض الحاجيات، فأوقفته الشرطة ولم تكن الوثيقة بحوزته آنذاك.
اتصل أمجد بأخيه لإحضار الوثيقة، وطلب أمجد من الدورية الانتظار لحين وصولها، لكنها رفضت ذلك، بحسب تعبيره، ونقلته إلى مخفر آخر بدأ بإجراءات ترحيله.
ووثقت مواقع التواصل الاجتماعي حالات احتجاز لشبان سوريين بمناطق مختلفة من اسطنبول، مثل أسنيورت وأكسراي وزيتون بورنو وغيرها، بالإضافة إلى تشديد الإجراءات حول العمل غير المرخص وفرض الحصول على أذونات عمل بالنسبة للأجانب، مع استثناء السوريين من نظام الـ “الكوتا” التركي، القاضي بتشغيل خمسة عمال أتراك مقابل عامل أجنبي.
أربكت هذه الحملة حسابات آلاف السوريين في تركيا عمومًا، وفي محافظة اسطنبول خصوصًا، التي تضم أكثر من 667 ألف لاجئ سوري، وفق أرقام مفوضية اللاجئين، لا يملك قسم كبير منهم بطاقات حماية مؤقتة تحمل ختم مديرية هجرة اسطنبول.
فأمجد فقد الأمل بالعودة لاستكمال عمله في اسطنبول، ومحمد أيضًا، أما مهدي فكان يخطط لتعلم اللغة التركية بإتقان والحصول على الشهادة التي تعادل الشهادة الثانوية في سوريا، قبل إكمال دراسته الجامعية.
يقول مهدي إنه اليوم أمام مفترق طرق، إما العودة إلى ولايته والبدء من الصفر فيها أو الخروج من تركيا، وهو ما دفعه إلى تقديم طلب لجوء إلى فرنسا “قد يكون الأمل الأخير”.
هل تفلح المعارضة السورية في منع ترحيل السوريين المخالفين؟
تأخرت المعارضة السورية الرسمية (الائتلاف الوطني، وهيئة التفاوض) في الإفصاح عن موقفها تجاه الأزمة الأخيرة التي عصفت باللاجئين السوريين في تركيا، وجاءت تصريحاتها متأخرة عن تصريحات وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، التي أعلن فيها أمام جمع من الصحفيين من السوريين انطلاق الحملة على المخالفين القاطنين في مدينة اسطنبول.
رئيس هيئة التفاوض السورية، نصر الحريري، اعتبر في مؤتمر صحفي له في 22 من تموز الحالي، أن من حق أي دولة تنفيذ قانونها، مشيرًا إلى أن الهيئة جاهزة لإيجاد آلية تحفظ حقوق اللاجئين السوريين في تركيا وبذات الوقت تراعي القانون التركي.
وقال الحريري إنه ينبغي على الجميع الحصول على البطاقة الخاصة باللاجئين أو إقامات واحترام القوانين، مضيفًا “لا نرضى بأي حال من الأحوال أن تمارس أي انتهاكات أو أي خروقات أو إجراءات لا تحترم كرامة وحقوق المواطن السوري، ونحن على تواصل مع الجانب التركي، ولم نجد من الأصدقاء إلا كل تعاون”.
وأشار الحريري إلى أنه خلال وقت قليل ستكون هناك صيغة من أجل حل هذه المشاكل دون المزيد من الحوادث.
بدوره التقى رئيس “الائتلاف الوطني” المعارض، أنس العبدة، بوزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، في 24 من تموز، لمناقشة وضع اللاجئين السورين ومسائل أخرى متعلقة بالشأن السوري.
وفي مؤتمر صحفي للحديث عن الاجتماع وما دار فيه مع صويلو، 25 من تموز، صنف العبدة وجود السوريين في تركيا ضمن ثلاثة تصنيفات، أولها من هم موجودون ضمن قانون الحماية المؤقتة والحاصلون على بطاقة الحماية المؤقتة (كيملك)، وفي التصنيف الثاني السوريون الموجودون بنظام الإقامة، والتصنيف الثالث من ليست لديهم قيود عند الدولة التركية سواء بالإقامة أو بالحماية.
دعا رئيس “الائتلاف” السوريين في تركيا لجعل بقائهم فيها قانونيًا، معتبرًا أنه من خلال القانون “يمكن لنا أن ندافع عن أنفسنا وعن السوريين”، أما عكس ذلك “نكون بوضع يصعب الدفاع فيه عن مصالح السوريين”.
وأشار العبدة إلى أن العدد الكبير من اللاجئين في تركيا لم يقابله الدعم الدولي من المطلوب من العالم وأوروبا بشكل خاص، وهذا ما أحدث ضغطًا على الموارد وبخاصة في المدن الكبرى كاسطنبول.
وبدأت الحكومة التركية مؤخرًا بتسوية الأوضاع القانونية للاجئين بشكل عام بناء على القانون التركي، بحسب العبدة، مضيفًا أنه بعد المرونة الشديدة في تطبيق قانون الحماية حصلت بعض التجاوزات والتعسف، مشيرًا إلى أن السوريين بالمقابل تحت ضغط شديد بما يتعلق بالمعيشة والمدارس والأطفال، لذلك لم يعمل الكثير منهم على متابعة إجراءات التغطية القانونية، بحسب تعبيره.
وبيّن العبدة أن الحوار مع صويلو كان على ثلاثة محاور، أولها الطلبات الإنسانية العاجلة، كالعائلات التي لديها بطاقات حماية من محافظات مختلفة، بالإضافة لموضوع الترحيل، وموضوع المهلة التي اعتبرها غير كافية، لا سيما أن هناك عائلات لن تتمكن من تسوية أوضاعها القانونية خلال فترة لا تتجاوز الشهر.
وعبر العبدة عن تخوفه من تجيير موضوع تطبيق القانون على السوريين في تركيا لجهات أخرى وأسباب أخرى، لأن هذا خطير على السوريين وخطير على تركيا، بدوافع أجندات سياسية أو أجندات أخرى، وهذا التخوف موجود لدى الحكومة التركية، بحسب تعبيره
لجنة تنسيق رسمية مع الأتراك
وقال العبدة إن من الأمور التي أكد عليها أن تكون هناك لجنة تنسيق رسمية ما بين “الائتلاف” ووزارة الداخلية التركية، معتبرًا أن هذا أهم ما توصل إليه خلال اللقاء، فالمشاكل تحتاج إلى جلسات عمل بين الجانبين، مشيرًا إلى استجابة سريعة من الجانب التركي، حيث وجه الوزير بتشكيل لجنة مشتركة ما بين الجانبين، على رأسها معاون وزير الداخلية ورئيس قسم الهجرة ورئيس قسم الاندماج وعدد من كبار موظفي الداخلية التركية.
وستكون اللجنة من الجانب السوري برئاسة رئيس الائتلاف، أنس العبدة، الذي أضاف أنه ستكون هناك طرق اتصال ما بين كل سوري موجود بتركيا والائتلاف من أجل إيصال صوته وطلباته، واللجنة تقوم بإيصال هذا الصوت، مشيرًا إلى أن تركيا راغبة بالحصول على قناة واحدة وموحدة مع السوريين، وأن الائتلاف وضع البنية الأولى لهذه القناة.
وعن آلية عمل اللجنة، قال يحيى مكتبي، منسق لجنة الجاليات في الائتلاف، إن أولى جلساتها ستعقد خلال الأيام القليلة المقبلة، بهدف وضع تصور لآليات العمل وإيجاد حلول “معقولة”، وبحث التعاون مع الجانب التركي لتذليل العقبات أمام السوريين، ودعمهم ليكونوا تحت “مظلة القانون”.
واعتبر، في حديث إلى عنب بلدي، أن “عبء السوريين الموجودين في تركيا” لا تستطيع جهة بمفردها أن تتحمله، وينبغي أن يكون هناك تعاون مع كل الجهات المعنية في تركيا.
وعبر مكتبي عن عدم وجود مخاوف حقيقية على السوريين الموجودين تحت بند الحماية المؤقتة في تركيا ويحملون وثيقة “الكيملك”، موضحًا أن المشكلة تكمن فقط مع أولئك الذين لا يملكون أي أوراق قانونية، وهم غير مسجلين وغير معروفين من أين ومتى وكيف دخلوا إلى البلاد، ما يجعلهم في حكم المهاجرين غير الشرعيين، الذين يشكلون حالة أمنية لا يمكن لأي دولة التغاضي عنها، وفق تعبيره.
ووعد مكتبي ببذل جهود إضافية لدعم أصحاب الظروف الخاصة، ومحاولة إيصال حالاتهم إلى الجهات التركية المعنية لحلها، و”نأمل أن تكون هناك ردود إيجابية”.
هل يمكن لتركيا ترحيل اللاجئين وفق القوانين الدولية؟
بالتزامن مع عمليات ترحيل قسم من اللاجئين السوريين في تركيا، نشرت مديرية هجرة اسطنبول في 22 من تموز توضيحًا باللغة العربية شرحت خلاله شرعنة عمليات الترحيل هذه.
وجاء في البيان: “وفقًا للمادة 33 من لائحة الحماية المؤقّتة، فإن السوريين في بلدنا ملزمون بالامتثال بالقوانين التي تضعها المديرية العامة لإدارة الهجرة والمحافظات، وإن انتهاك هذه القوانين سيتعارض مع متطلّبات النظام العام”.
وأضاف البيان أن “القيام بالإخلال بالنظام العام يعد أحد أسباب إلغاء الحماية المؤقّتة بموجب المادة الثامنة من قانون الحماية المؤقّتة، وفي هذا السياق فإذا كنت تريد الذهاب من محافظة إلى أخرى غير التي تم تسجيل (بطاقة الحماية المؤقّتة) فيها يجب التقدّم بطلب إلى إدارة الهجرة أو الوحدات المعنية للحصول على إذن سفر، وإلّا سوف يتم اتخاذ الإجراءات الإدارية والقضائية بحق المخالف، بما في ذلك إلغاء الحماية المؤقّتة”.
وتأتي السياسة التركية هذه رغم وجود مجموعة من القوانين الدولية الملزمة بواجب حماية اللاجئين أو طالبي اللجوء من إعادتهم إلى الأماكن التي قد تتعرّض فيها حياتهم أو حرياتهم للخطر، وهو ما ينطبق على عموم اللاجئين الذين قدموا من مناطق الحروب والنزاعات المسلحة سواء كان لجوؤهم سياسيًا أو إنسانيًا.
وقد صادقت تركيا على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تكفل حماية اللاجئ من العودة القسرية، أو كل ما قد يهدد حياته للخطر، أو يعرضه لأحد صنوف التعذيب أو الانتهاك.
مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، تحدث لعنب بلدي عن وجهة نظر القانون الدولي من عمليات الترحيل التي تقوم بها تركيا بحق اللاجئين السوريين، ومغبة إجبارهم على توقيع “وثيقة العودة الطوعية”.
وأكد العبد الله أنه وبموجب “القانون الدولي العرفي” يمنع مبدأ “عدم الإعادة القسرية” أي دولة مضيفة من إعادة أي شخص إلى بلده، سواء كان طالب لجوء أو حاصلًا على اللجوء، دون الأخذ بعين الاعتبار إن كان قد دخل إلى هذه الدولة بشكل قانوني أو غير قانوني.
وينص مبدأ “عدم الإعادة القسرية” على أنه لا يمكن إعادة أي شخص إلى بلد يمكن أن يُواجه فيه خطرًا على حياته، سواء كان ذلك الخطر عليه كشخص، كأن يكون ناشطًا وله وضع خاص، أو كان خطرًا عامًا كأن يكون قد قدم من بلد تشهد حربًا أو نزاعًا مسلحًا.
وبناء على ذلك تُعتبر عملية إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم انتهاكًا للقانون الدولي، ولاتفاقية اللاجئين لعام 1951 التي تعد الدولة التركية طرفًا فيها.
وأشار العبد الله إلى أن ما يحصل أحيانًا هو الالتفاف على مثل هذه الاتفاقيات، كأن يتم إجبار اللاجئين على توقيع ورقة تُفيد بأنهم يرغبون بشكل طوعي بالعودة إلى بلدهم، وهو ما عمدت إليه تركيا من خلال إجبار اللاجئين السوريين على التوقيع على ما أسمته “وثيقة العودة الطوعية”.
وبيّن العبد الله أن إجبار أي طرف على التوقيع على مثل هذه الورقة يدخل ضمن الإجراءات المحظورة بموجب القانون الدولي، ويُعتبر انتهاكًا.
ولفت إلى أنه في بعض الحالات التي تحدّث عنها لاجئون سوريون مرحلون، سُجلت ممارسات إجبار جسدي ومادي من أجل توقيعهم على هذه الوثيقة، من خلال الاعتداء عليهم بالضرب أو تقييدهم بالأصفاد، كما كان يُطلب منهم التوقيع على الوثيقة دون السماح لهم بقراءتها والاطلاع على محتواها.
وأوضح العبد الله أنه حتى الإجراءات التي قد لا تصل إلى حد الإجبار المادي أو الجسدي على الترحيل، والتي قد تشمل عمليات التضييق على اللاجئين وحرمانهم من ظروف عمل أو إقامة مناسبة، أو من تسجيل زواجهم وولاداتهم، أو إرسال أولادهم إلى المدارس، أو كل ما يكون هدفه ثني اللاجئين عن القدوم أو إجبارهم على العودة يُعد محظورًا، فكيف هو الأمر في حالات التوقيف والاعتقال والترهيب بهذه الطريقة، لافتًا إلى أن ذلك يشمل حتى المخالفين منهم، فمهما كان وضع اللاجئ القانوني لا يمكن ترحيله.
إجراءات بديلة عن الترحيل
يُفترض بالدولة المستضيفة في مثل هذه الحالات، وفقًا لمحمد العبد الله، أن تعمل على تسوية وضع اللاجئين القانوني، وأن تطلب منهم أن يقوموا بالتسجيل، وأن يأخذوا بطاقة الحماية المؤقتة، أو أن يدفعوا غرامة مالية، وما إلى ذلك من إجراءات، إذ إن عبء تسوية الوضع القانوني يقع على عاتق الدولة المستضيفة، وليس على عاتق اللاجئ نفسه لأنه ليس بإمكانه تغيير قوانين هذه الدولة.
وتابع العبد الله أن تركيا ليست الدولة الوحيدة التي عمدت إلى مثل هذه الإجراءات بحق اللاجئين السوريين، إذ إن لدى لبنان أيضًا الكثير من الإجراءات التمييزية بحقهم، التي يكون هدفها ثني اللاجئين السوريين عن البقاء وإجبارهم على العودة، وهو ما يدخل ضمن الإجراءات المحظورة لأنها تتضمن نوعًا من الإكراه على العودة القسرية.
ما الحلول المطروحة أمام اللاجئين المرحلين؟
تُشرف “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” على تطبيق الاتفاقيات الخاصة بحظر العودة القسرية للاجئين، ومن الممكن أن تضغط على دولة تعتبر أنها تمارس العودة القسرية.
تعمل “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” بصفتها الوصي على اتفاقية 1951 وبروتوكولها لعام 1967، وفي حال انتهاك أي دولة لمبدأ عدم الإعادة القسرية يحق للمفوضية أن تستجيب عبر التدخل مع السلطات المختصة.
محمد العبد الله أشار في حديثه لعنب بلدي إلى أن الضغط الأكبر والعملي في مثل هذه الحالات يكون عن طريق الضغط على المانحين بعدم مساعدة هذه الدولة لما تقوم به من عمليات إعادة قسرية، إذ إنه عادة ما تحصل الدول المستضيفة للاجئين على مساعدات من الأمم المتحدة أو من دول أخرى، وفي الحالة التركية تحصل على مساعدات من الاتحاد الأوروبي.
كما يمكن لأهالي الأشخاص الذين تمت إعادتهم قسريًا وتعرضوا لانتهاكات لاحقًا في سوريا، أن يرفعوا دعاوى ضد حكومات الدول التي قامت بعمليات الترحيل، إذا تم إثبات ذلك، ومن ضمن الإجراءات المتاحة أيضًا في هذه الحالات، وفقًا للعبد الله، أن يرفع الأشخاص المرحلون أنفسهم دعاوى لإعادتهم إلى الدولة التي رُحّلوا منها، وذلك في حال كانت تلك الدولة دولة قانون وتمتلك قضاء عادلًا.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال يمكن لقرار محكمة أن يفسخ قرار دائرة الهجرة عندما تحاول ترحيل أحد الأشخاص، إذ بإمكان المحكمة في هذه الحالة أن تتدخل وتقوم بإعطاء اللاجئ إقامة رغمًا عن دائرة الهجرة.
ولكن العبد الله عبر عن عدم ثقته بتحرك القضاء التركي بهذه الصيغة، إذ إن الحلول في هذا البلد تتم عادة من خلال الوساطات السياسية أكثر منها عبر آليات قانونية، بحسب تعبيره.
اتفاقيات دولية تكفل حماية اللاجئ صادقت عليها تركيا
اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين
تكفل هذه الاتفاقية بشكل أساسي وفقًا للمادة (33) منها مبدأ “عدم الإعادة القسرية” الذي يمنع إعادة الأشخاص إلى أماكن قد يتعرضون فيها للاضطهاد، أو التعذيب، أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو الخطر على حياتهم، وتعتبره ملزمًا.
صادق على الاتفاقية 145 دولة، وهي تستثني فقط الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم ضد السلام، أو ضد الإنسانية، أو جرائم حرب، أو جرائم جسيمة غير سياسية خارج بلد اللجوء.
وتم تضمين مبدأ “عدم الإعادة القسرية” أيضًا في بروتوكول الاتفاقية لعام 1967، الذي يزيل العامل الزمني والجغرافي منها، لتنطبق على اللاجئين من دون أي حدود جغرافية.
اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984
تنص المادة (3) من هذه الاتفاقية على أنه “لا يجوز لأي دولة طرف أن تطرد أي شخص أو أن تعيده أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توفرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب، وتراعي السلطات المختصة لتحديد ما إذا كانت هذه الأسباب متوفرة، جميع الاعتبارات ذات الصلة، بما في ذلك، في حالة الانطباق، وجود نمط ثابت من الانتهاكات الفادحة أو الصارخة أو الجماعية لحقوق الإنسان في الدولة المعنية”.
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966
تنص المادة (13) من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه “لا يجوز إبعاد الأجنبي المقيم بصفة قانونية في إقليم دولة طرف في هذا العهد إلا تنفيذًا لقرار اتخذ وفقًا للقانون، وبعد تمكينه، ما لم تحتم دواعي الأمن القومي خلاف ذلك، من عرض الأسباب المؤيدة لعدم إبعاده ومن عرض قضيته على السلطة المختصة أو على من تعينه أو تعينهم خصيصًا لذلك، ومن توكيل من يمثله أمامها أو أمامهم”.
محطات السياسة التركية تجاه اللاجئين السوريين
منذ بداية الثورة السورية اتخذت الحكومة التركية سياسة الأبواب المفتوحة، وشبهت السوريين القادمين إلى البلاد بالمهاجرين وأن الأتراك هم الأنصار.
تصريحات الرئيس التركي كانت دائمًا مشجعة لقدوم السوريين وأن تركيا ستكون بجانبهم دائمًا.
أول مجموعة من اللاجئين عبرت نحو تركيا في نيسان 2011 وكانت مؤلفة من 252 شخصًا إلى ولاية هاتاي الحدودية التركية، بحسب ما ورد في تقرير منظمة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (أفاد) الذي نشر في 2014.
تدفق اللاجئين
استقبلت بعدها تركيا مجموعات أكبر من اللاجئين بعد حصول الحوادث الأولى للانشقاق عن قوات النظام في مدينة جشر الشغور بريف إدلب.
صحيفة القدس العربي ذكرت حينها أن عشرات الآلاف من المدنيين فروا نحو تركيا خوفًا من عمليات انتقامية بعد مقتل 120 جنديًا في جسر الشغور.
زيادة أعداد اللاجئين دعت الحكومة التركية لافتتاح عدد من المخيمات داخل الحدود ووفرت للاجئين خدمات عن طريق مؤسسات الهلال الأحمر التركي وهيئة الإغاثة الإنسانية ومنظمة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (أفاد).
بقي عدد من السوريين داخل المخيمات والجزء الأكبر منهم توجهوا نحو المدن التركية محاولين بدء حياة جديدة لهم في تركيا.
رجب طيب أردوغان، الذي كان رئيسًا للوزراء خلال تلك الفترة، قال خلال مؤتمر صحفي في 10 من حزيران 2011، “لا نية لتركيا بإغلاق الأبواب في وجه اللاجئين، ما يحدث في سوريا أمر محزن للغاية ونتابع الأحداث هناك بقلق”.
في 30 من كانون الأول 2012 تحدث أردوغان خلال خطاب له وهو يضع علم الثورة على كتفه مع مجموعة من اللاجئين السوريين في مخيم أكجاكالي القريب من مدينة شانلي أورفا في جنوب شرق تركيا برفقة معاذ الخطيب الذي كان رئيسًا للائتلاف السوري المعارض.
وقال حينها إن “عدد السوريين في كل تركيا بلغ 220 ألف سوري بينهم 150 ألفًا داخل المخيمات”.
وتابع، “ربما لن نستطيع تأمين منازل بترف منزل في سوريا هنا لكننا سنبذل قصارى جهدنا لتأمين الأفضل لكم (…) نحن إخوة وجيران أتمنى أن نكون معكم حتى النهاية”.
واستمرّ تدفق اللاجئين عقب ذلك بشكل كبير إذ وصل عددهم عام 2015 إلى مليون ونصف المليون، وفق التقرير السنوي الصادر عن المفوضية السامية للأم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ومنذ ذلك الحين حتى عام 2019 الحالي تضاعف العدد ليصبح أكثر من 3.6 مليون وفق إحصائيات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
الحماية المؤقتة
في العام 2013 انتقل ملف منح تصاريح إقامة السوريين من مراكز الشرطة إلى دوائر الهجرة التي تتبع لوزارة الداخلية التركي، وبذلك عُلّقت ملفات عدد من السوريين من حملة دفتر الإقامة الأزرق الذي كان يُمنح للسوريين المقيمين.
خسر بعض السوريين إقاماتهم واضطروا لمغادرة تركيا للحصول على ختم دخول جديد ليتمكنوا من الحصول على إقامة عن طريق دائرة الهجرة التي أنشئت حديثًا.
وفي بداية العام 2015 بدأت السلطات بالتدقيق على أوضاع السوريين القانونية، ومن ذلك صلاحية جواز السفر وصحته بعد انتشار مزورين لجميع الوثائق، وبدأ حينها السوريون يدركون مشكلة الوثائق التي يعيشونها، وواجه
بعضهم عقبات في مغادرة تركيا لعدم امتلاكهم وثائق رسمية.
القانون التركي يقول إنه على الأجنبي المقيم في تركيا لأكثر من ثلاثة أشهر أن يحمل تصريحًا رسميًا للإقامة في البلاد.
وفي تشرين الأول من العام 2014 أقر البرلمان التركي قانونًا يقضي بتأمين الحماية المؤقتة لكل من يهجّر من بلاده ويلجأ إلى تركيا التي ستمنحه حق البقاء في تركيا إلى أن يقرر العودة بنفسه إلى بلده دون أي إكراه.
ومكنت هذه الوثيقة السوريين من تسجيل الطلاب في المدارس، ومراجعة المشافي، والتنقل عبر الطائرة، وإجراء جميع المعاملات في مؤسسات الدولة التركية.
فيزا في وجه السوريين
خلال فترة زيادة أعداد السوريين في تركيا بدأ العديد منهم بالانتشار في المدن الكبرى ناقلين معهم أعمالهم، وتغاضت الحكومة التركية لفترة من الزمن عن الوضع القانوني لهذه المشاريع.
في مرحلة لاحقة بدأت السلطات بالتدقيق وتطبيق القانون، إذ وفرت الدولة تسهيلات لحصول السوريين أصحاب وثيقة الحماية المؤقتة على إذن العمل لكنها اشترطت تحقيق شرط خمسة موظفين أتراك مقابل موظف واحد داخل الشركات التي تريد الحصول على إذن عمل.
وفي تشرين الأول 2015 أقرت وزارة الداخلية التركية قرارًا يقضي بضرورة حصول السوريين المقيمين في تركيا على “إذن سفر” من دوائر الهجرة في المدن والبلدات، كشرط أساسي للسفر الداخلي ضمن أراضيها برًا أو جوًا.
وفي كانون الثاني 2016 فرضت تركيا تأشيرة دخول على المواطنين السوريين، وذكرت وزارة الخارجية التركية حينها أن فرض التأشيرة جاء للحد من عدد السوريين الذين يصلون بشكل غير مباشر من بلدان أخرى مثل لبنان أو مصر.