المنطقة الآمنة.. إصرار تركي وبرود أمريكي ووعيد من “قسد”
عنب بلدي – وكالات
“صبرنا نفد”، تهديد تلوح به تركيا في وجه الولايات المتحدة الأمريكية بشن عملية عسكرية في منطقة شمال شرقي سوريا (شرق الفرات) بعد فشل المفاوضات بين “الحليفين الاستراتيجيين”، التي جرت خلال الأسبوع الماضي حول المنطقة الآمنة في عمق الأراضي السورية.
تصدرت المنطقة الآمنة حديث الإعلام والمحللين السياسيين، خلال الأيام الماضية، تزامنًا مع تهديدات من قبل مسؤولين أتراك بشن العملية العسكرية وإنشاء منطقة يكون لتركيا وحلفائها من فصائل المعارضة السورية كلمة الفصل فيها.
وبين التهديد التركي والمماطلة الأمريكية لا يزال ملف المنطقة ضبابيًا، إذ لا يعرف بعد الطرف الذي يحاول أن يديرها ويشرف عليها ويتحكم بها.
صبر تركيا ينفد
الأسبوع الماضي، شهد تحركًا أمريكيًا في المنطقة إذ أرسلت واشنطن قائد المنطقة الوسطى للقيادة المركزية للجيش الأمريكي في الشرق الأوسط، كينيث ماكينزي، إلى مناطق شرقي سوريا والتقى قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي (كوباني)، الذي أكد أن اللقاء تمحور حول الأوضاع والتوتر الحالي على الحدود المشتركة مع تركيا وكيفية إيجاد حل، إضافة إلى التنسيق المشترك لحل المسائل العالقة فيما يخص إنهاء خطر تنظيم “الدولة” في المنطقة.
وتزامن ذلك مع وصول وفد أمريكي إلى تركيا، بهدف إطلاعها على المقترحات الأمريكية حول المنطقة، برئاسة مبعوثها الخاص لسوريا، جيمس جيفري، مع وفد عسكري، في 22 و23 من تموز الحالي.
والتقى جيفري مع مسؤولين أتراك وقدم مقترحات تشبه المقترحات السابقة حول مدينة منبج، بحسب ما أكد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في مؤتمر صحفي، الأربعاء 24 من تموز، واعتبر أنه “من الواضح جدًا أن المقترحات تهدف إلى المماطلة. الأمر يتعلق ببعض الأفكار حول تسيير دوريات مشتركة، وما شابه”.
وأكد جاويش أوغلو أن تركيا لم تتوصل بعد لاتفاق بخصوص المنطقة الآمنة شرق الفرات مع الأمريكيين، وأن “الاقتراحات الأمريكية بخصوص المنطقة الآمنة في سوريا وعمقها وإدارتها لم تصل لمستوى طمأنتنا”.
من جهته هدد وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، خلال مباحثات مع الوفد الأمريكي، بتحرك تركيا شرق الفرات في حال المماطلة من قبل الولايات المتحدة الأمريكي، وبحسب وكالة “الأناضول” التركية، الخميس 25 من تموز، فإن آكار أبلغ خلال الاجتماع الوفد الأمريكي بآراء ومقترحات تركيا، قائلًا، “في جميع لقاءاتنا قدمنا مقترحاتنا للوفد الأمريكي وننتظر منهم بحثها والرد عليها في أسرع وقت”.
وأكد آكار للوفد الأمريكي أن تركيا لم تعد تتحمل أي مماطلة، مهددًا بأن أنقرة سوف تبادر بالتحرك إذا لزم الأمر، معتبرًا أنه يجب التوصل إلى تفاهم مع واشنطن بشأن المنطقة الآمنة في أقرب وقت، لأن “صبر تركيا نفد”.
وعقب ذلك أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تصميم أنقرة على إنهاء “الممر الإرهابي” شرق الفرات في سوريا، مهما كانت نتيجة المحادثات مع واشنطن حول إنشاء منطقة آمنة.
برود أمريكي.. رفض سوري.. وعيد من “قسد”
وفي ظل التهديدات التركية، أعلنت الخارجية الأمريكية أن واشنطن تأمل بمواصلة المحادثات مع تركيا بشأن المنطقة الآمنة، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مورغان أورتاغوس، الخميس 25 من تموز، إن “أهداف الرئيس (دونالد ترامب) ووزير الخارجية الأمريكي (مايك بومبيو) في سوريا هي تجنب حدوث فراغ أمني يمكن أن يزعزع استقرار الوضع في المنطقة، ونريد أن نفعل ذلك مع مراعاة المخاوف المشروعة لتركيا، وبطبيعة الحال، ضمان حماية شركائنا من خطر تنظيم داعش الإرهابي”.
وفي أول تعليق من قبل النظام السوري حول المنطقة الآمنة، رفض التفاهمات الأمريكية- التركية حول إنشائها واعتبرها “اعتداءً على سيادة سوريا”، بحسب ما قال مصدر رسمي في وزارة الخارجية والمغتربين، لوكالة الأنباء الرسمية (سانا)، الجمعة 26 من تموز، الذي وصف التدخل الأمريكي في سوريا بـ “الهدام”.
وعبر المصدر عن رفضه لأي شكل من أشكال التفاهمات الأمريكية- التركية، معتبرًا أنها “تشكل اعتداءً صارخًا على سيادة ووحدة سوريا أرضًا وشعبًا، وانتهاكًا فاضحًا لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة”، لافتًا إلى أن النظام السوري سيتصدى لأي طروحات “انفصالية” تشكل تهديدًا لما يطلق عليه “سيادة سوريا ووحدتها وسلامتها الإقليمية”، كما لن “يسمح الشعب السوري الذي قدم التضحيات في مكافحة المجموعات الإرهابية لأي كان بالتطاول على سيادة سوريا والمس بوحدة أراضيها”، بحسب تعبيره.
في حين لزمت الدول الضامنة لمسار أستانة في سوريا (روسيا وإيران) الصمت ولم يصدر أي تصريح من الجانبين أو تعليق حول المنطقة الآمنة وتشكيلها.
وبينما لم تعلن “قسد” موقفها من المحادثات الأخيرة بين أنقرة وواشنطن، هدد القائد العام للقوات، مظلوم عبدي (كوباني)، تركيا من شن هجوم على منطقة تل أبيض في شرق الفرات.
وقال عبدي في مقابلة مع صحيفة “يني أوزغور بوليتيكا” الكردية الصادرة في هولندا، السبت 20 من تموز، إن “تركيا تحشد قواتها على حدود المنطقة، لكن عفرين وشرق الفرات منطقتان مختلفتان، وقسد لن تسمح بتكرار ما حدث في عفرين أبدًا”، مهددًا أن أي “هجوم تركي على أي منطقة من مناطق سيطرة قواته سيتسبب في حرب كبيرة، وسيحول المنطقة الممتدة من منبج إلى المالكية (ديرك) إلى جبهة معارك واسعة”.
ما هي المنطقة الآمنة
المنطقة الآمنة التي يجري الحديث عنها ليست وليدة اللحظة، إذ دعت تركيا والمعارضة السورية منذ قرابة ست سنوات إلى إقامة منطقة “عازلة” على الحدود السورية- التركية من أجل إيواء ملايين اللاجئين الذين نزحوا إلى تركيا هربًا من تصاعد العمليات العسكرية، لكن التردد الأمريكي والأوروبي كان واضحًا، على الرغم من خروج تصريحات غربية، خلال السنوات الماضية، حول ضرورة إنشائها خاصة بعد سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على مساحات واسعة في شرق سوريا.
لكن بعد سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي تعتبر الذراع العسكرية لـ “الإدارة الذاتية” المعلنة شمال شرقي سوريا، وعمادها “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، التي تعتبرها تركيا امتدادًا لـ “حزب العمال الكردستاني”، تصاعدت مطالبات أنقرة بإنشاء المنطقة.
التهديد التركي اصطدم بالموقف الأمريكي الداعم للقوات الكردية، لتبدأ محادثات مكوكية بين الطرفين، في ظل إصرار تركي على أن تكون المنطقة بطول 460 كيلومترًا، على طول الحدود التركية- السورية، وبعمق بين 30 و40 كيلومترًا، بحسب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 15 من تموز الحالي، وتكون فصائل الجيش الحر داخل المنطقة وتنتشر فيها.
في حين ترى أمريكا أن المنطقة يجب أن تكون بعمق خمسة كيلومترات فقط وتكون “قسد” داخلها وفصائل المعارضة خارجها، ويتم تسيير دوريات مشتركة بين الطرفين، الأمر الذي ترفضه أنقرة، وتهدد بإنشائها منفردة عبر عملية عسكرية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :