عنب بلدي – إدلب
في ظل استمرار الحملة العسكرية العنيفة التي يشنها الطيران الروسي والسوري على محافظة إدلب شمال غربي سوريا، منذ شهر نيسان الماضي، ازداد وضع المشافي والمراكز الطبية سوءًا، خاصة مع خروج بعضها عن الخدمة نتيجة تركيز القصف على البنى التحتية المدنية، بما فيها المرافق الصحية والأسواق الشعبية والأفران والمدارس، وفق ما أكدته منظمة الأمم المتحدة في بيان نشرته، في 23 من تموز الحالي، تحت عنوان “الكابوس في إدلب السورية يزداد سوءًا”.
تتفاقم معاناة المدنيين بالمناطق التي لا يهدأ فيها القصف، نتيجة التعطل الجزئي للمرافق الطبية، أو خروجها عن الخدمة جراء القصف المباشر عليها، أو المكثف حول أماكن وجودها، الأمر الذي يترافق مع ازدياد أعداد الجرحى والنازحين الذين هم بأمس الحاجة لجميع أنواع الخدمات المنقذة للحياة.
جرحى بالآلاف
مدير المناصرة في الجمعية الطبية السورية الأمريكية (سامز)، الدكتور محمد كتوب، تحدث لعنب بلدي عن الصعوبات التي تعاني منها المنظمة في الاستجابة لاحتياجات مناطق شمال غربي سوريا التي تتعرض للقصف المستمر.
وأشار إلى أن “سامز”، التي تُدير عمليًا أكبر المشافي في محافظة إدلب، استنفدت طاقتها بسبب الأعداد الهائلة للجرحى، إلى جانب اضطرارها لتعليق عمل عدد من المشافي في بعض الأحيان جراء القصف المحيط بها، أو تخفيض طاقتها في أحيان أخرى.
وعلى سبيل المثال توقف كل من مشفى “الأمومة” في إدلب وفي معرة النعمان عن العمل، في 26 من تموز، بسبب القصف القريب منهما.
ولفت كتوب إلى أن أغلبية المشافي الكبيرة والقادرة على التعامل مع الإصابات الناجمة عن القصف مثقلة بعدد الجرحى، فضلًا عن امتداد الحملة العسكرية إلى المدن الكبيرة مثل إدلب ومعرة النعمان والأتارب، حيث توجد هذه المشافي، ما يخفض فعاليتها منعًا لازدحام المرضى فيها، الأمر الذي قد يتسبب بكارثة كبيرة في حال تعرضها للاستهداف المباشر.
وأشار الدكتور كتوب إلى أن عدد الجرحى الذين استقبلتهم “سامز” بلغ حتى يوم 25 من تموز أربعة آلاف جريح، عدا عن بقية المنظمات.
استنزاف للكوادر الطبية ونقص شديد بالأدوية
معاون مدير الصحة في إدلب، الدكتور مصطفى العيدو، أكد من جانبه لعنب بلدي أن وضع المشافي في محافظة إدلب صعب جدًا، عازيًا ذلك إلى أسباب عدة.
الاستهداف الممنهج لمشافي جنوبي المحافظة، وخروج نحو 12 مشفى بالكامل عن الخدمة نتيجة تعرضها للقصف المباشر أو غير المباشر، وما صاحب ذلك من نزوح لأكثر من 500 ألف نسمة من مناطق الجنوب إلى الوسط والشمال، أدى إلى تحمل مشافي مناطق الشمال والوسط عبئًا كبيرًا يفوق طاقتها بأضعاف، فزيادة عدد السكان بنحو نصف مليون نسمة، مع ما يعانونه من أعراض صحية نتيجة تعرضهم للتهجير، فاقم من صعوبة الوضع على المشافي.
وتابع العيدو أنه علاوة على ذلك فإن استمرار حملة القصف العنيفة على المناطق السكنية في محافظة إدلب، مع ما تسفر عنه من سقوط لمئات الجرحى يوميًا، يمكن أن يُدخل مشافي المنطقة بحالة نقص شديد جدًا في المستهلكات والأدوية، وإذا استمر الوضع على هذا المنوال فسيؤدي إلى إرهاق كبير واستنزاف كامل للكوادر البشرية لأنها لن تستطيع العمل بشكل متواصل ليلًا ونهارًا.
تحذير من كارثة طبية قد تهدد أكثر من 3.5 مليون نسمة
أدت حملة القصف المستمرة منذ نحو ثلاثة أشهر على محافظة إدلب إلى إخراج أكثر من 32 مركزًا ومشفى عن الخدمة نتيجة التدمير الكامل أو الجزئي، وفق ما أفاد رئيس شعبة الإعلام في مديرية صحة إدلب، عماد الزهران، لعنب بلدي.
وأضاف الزهران أنه نتيجة لذلك شهدت المشافي الموجودة في مناطق الداخل السوري وأيضًا الحدودية ضغطًا كبيرًا جدًا، فضلًا عما خلفته حركات النزوح.
فقد سجل فريق “منسقو الاستجابة” نزوح أكثر من 650 ألف نسمة منذ بداية شباط الماضي ولغاية 14 من تموز الحالي، وهو ما أدى إلى ضغط كبير على المنشآت الصحية الموجودة بالمناطق الداخلية والشمالية.
وأشار الزهران إلى أن إمكانيات المشافي محدودة بسبب قلة الدعم، إذ إنه ومع بداية عام 2019 انخفض دعم القطاع الصحي بنسبة 40%، كما عُلّق مؤخرًا مشروع مديريات الصحة من قبل المانح الدولي.
ولفت إلى أن “مديرية صحة إدلب” تقدم حاليًا الدعم لحوالي 16 مركزًا طبيًا، بما في ذلك مشافي ومراكز غسيل الكلى، ومراكز تصوير الطبقي المحوري، ومكافحة السل، فجميع هذه المراكز توقف عنها الدعم لأسباب مجهولة، وهو ما زاد من مأساوية الواقع الصحي في محافظة إدلب.
وبيّن الزهران أن أقسام العناية المركزة في جميع المشافي مشغولة ولا توجد أسرّة شاغرة فيها، نتيجة حالات الجروح الخطيرة جدًا التي يتم إسعافها للمشافي الداخلية وأيضًا التركية، جراء حالات القصف المكثف.
كما أن مراكز تصوير الطبقي محوري تستقبل يوميًا أكثر من 100 حالة تُقدم لها الخدمات بشكل مجاني.
وحذر الزهران من أن إمكانيات المشافي المحدودة جدًا، والدعم القليل المقدم لها، واستجابة المنظمات الدولية “المخزي” للوضع الإنساني الطبي في المنطقة، ستؤدي في حال استمر الوضع الميداني على ما هو عليه، إلى كارثة طبية قد تهدد أكثر من 3.5 مليون نسمة يقطنون في محافظة إدلب.
وتتعرض أرياف إدلب الجنوبي والشرقي، وريف حماة الشمالي، لحملة تصعيد جوي مكثفة من الطيران الروسي والسوري منذ نيسان الماضي، ازدادت وتيرتها منذ أيام.
ووثقت منظمة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا) مقتل ما يزيد على 400 مدني شمال غربي سوريا خلال الأشهر الأخيرة.
وتقول رواية النظام وحليفه الروسي إن القصف يستهدف “إرهابيين” في المنطقة، ويأتي ردًا على قصف يطال المناطق المدنية الخاضعة لسيطرة النظام.
لكن منظمة “الدفاع المدني” والمنظمات الحقوقية توثق استهداف المناطق المدنية البعيدة عن الجبهات والمقرات العسكرية في محافظة إدلب وريفي حماة وحلب.