الحسبة «جهاز يقوم على تطبيق أوامر الله والحث على الابتعاد عن المنكرات وما نهى عنه الدين»، بهذه الكلمات يعرف الشيخ أبو عبد الله، أحد عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» الحسبة في أحياء مدينة دير الزور.
لكن ناشطي المدينة يعتبرون التعريف فضفاضًا وغير مقبول، بينما وصفه حقوقيون بـ «الميوعة وعدم الدقة» لجهاز بات يتدخل في أدق حياة الناس، كاللباس والطعام والتنقل وحتى العطورات ومكان السكن، فضلًا عن التدخين والنقاب، كما أنه يستخدم قوة التنظيم لتطبيق هذه القوانين على الأهالي أو الاعتداء عليهم.
بضائع «حرام»
أبو حسين، رجل أربعيني وصاحب محل في حي الحميدية يصف في حديثٍ لعنب بلدي أفراد الحسبة بـ «الأغبياء واللصوص» بعد إغلاق محله، الذي كان يبيع فيه الدجاج التركي ومنتجات اللحوم الحمراء، ومصادرة أغلب البضائع فيه بحجة أنها «حرام».
ويوضح الرجل أن الحسبة صادرت منه بضائع تقدر بمبلغ 500 ألف ليرة سورية، كما يعدد بعض أسماء جيرانه التجار الذين تمت مصادرة بضائعهم، مقدرًا إجمالي ما سُحب من السوق من مواد تشمل اللحوم والمعلبات واللباس بأكثر من 10 ملايين ليرة.
وشنت الحسبة حملة في أحياء المدينة استهدفت المحلات التي تبيع اللحوم والمرتديلا والمعلبات بحجة عدم التأكد من مطابقتها للشريعة الإسلامية سواء بطريقة الذبح أو بالمعايير التعبوية؛ لكن رامز، أحد ناشطي المدينة وصف ذلك بالقول «إنهم يحاربون الناس في أرزاقهم ولقمة عيشهم ويضيقون على الأهالي والتجار».
كما استهدفت حملات أخرى محلات بيع الملابس وأفران التنور بهدف «الرقابة على تطبيق هذه المحلات للشريعة الإسلامية».
نجوم المدينة
أصبحت اليوم أسماء عناصر الحسبة والشرطة الإسلامية وقيادات التنظيم هي الأشهر في المدينة، حيث تعتبر أسماء أبو شداد الجزراوي، أمير الحسبة في دير الزور، وسنان التونسي أميرها في حطلة، وأبو البراء الليبي في الريف الشرقي؛ الأكثر تداولًا في المجالس والأماكن العامة.
وأثرت هذه الأسماء في الوسط التجاري للمدينة حتى يكاد يشبه وجه التنظيم «الأسود»، وباتت محلات المدينة ترفع أسماء غريبة عن ثقافة أهالي المنطقة مثل مقهى دابق للإنترنت، ومطعم العروة الوثقى، وكهربائيات أبو دجانة.
ولا يعرف السواد الأعظم للأهالي أصول هذه التسميات، إنما «يسايرون الموضة» كما ينقل أحد الباحثين الإسلاميين لعنب بلدي.
حسبة «نسوية»
وللحسبة جهاز نسويٌ رديف يتكون من أقارب أو زوجات عناصر التنظيم، ومهمته تفتيش النساء وملاحقة قضاياهن وتطبيق الشريعة عليهن، لكن هؤلاء النساء عرفن بين الأهالي في وقت سابق بمسيرتهن السيئة ومساعيهن للوصول إلى السلطة والمال.
أبو محمد، أحد سكان حي الشيخ ياسين، ينقل حكاية جارته التي كانت تعمل مخبرة لنظام الأسد واعتقلها الجيش الحر عدة مرات، لكنها اليوم باتت تسير مسلحة في شوارع الدير وبحماية عناصر «الدولة».
(ق، س) تستلم قيادة الحسبة النسوية، وهي امراة سيئة السمعة قبض عليها التنظيم نفسه أثناء تهريب 70 كروز دخان في وقت سابق، قبل أن تتزوج إحدى قريباتها بالأمير أبو شداد السعودي.
بعدها بدأت العمل مع عدد من قريباتها في الحسبة النسوية، وتؤكد فتيات الدير أنها تتعمد إهانتهن بشكل خاص على الحواجز النسائية بكلمات عنيفة وبذيئة، مهددةً إياهن بسجون التنظيم وبطش عناصره.
والهدف من مشاركة النساء في هذا الجهاز ليس لضبط فتيات المدينة وحسب، وإنما لاستقطاب «المغامرات» إلى صفوف التنظيم بعد «التوبة»، وفق ما ينقله ناشطون، مدللين بذلك على عدة أسماء كانت مشهورة في عالم الإجرام والدعارة لكنهن أصبحن يدافعن عن التنظيم ويعملن على تطبيق الشرع.
وفي سبيل ذلك تنشر المقاتلات في التنظيم، كـ «أقصى محمود» المشهورة في المدينة وغيرها، صورًا بجانب سيارات فارهة وأخرى تدلل على مغامراتهن، في دعاية ممنهجة لاستقطاب المزيد من النسوة الأجانب.
وضعٌ يصفه الناشط رامز بـ «المزري فنحن نموت جوعًا ولا نجد سوى الثياب الرثة، بينما يعيش عناصر التنظيم خمس نجوم مرتدين الثياب الجديدة ولا يأكلون سوى المشاوي والكرسبي والهمبرغر»، مضيفًا «حياة عناصر الحسبة تقتصر على الأكل والنوم والمشاوير والتشبيح بالسيارات».