مشاريع على الورق.. الحياة “مشلولة” في غوطة دمشق
عنب بلدي-الغوطة الشرقية
منذ اعتبارها “منطقة آمنة” أعلنت حكومة النظام السوري عن عشرات المشاريع الاستثمارية ومشاريع أخرى تدخل في إطار عملية إعادة الإعمار في الغوطة الشرقية لدمشق، ولكنها تراجعت عن بعض المشاريع، في حين لم تتجاوز أخرى الورق الذي كتبت عليه، ونفذت في حين آخر مشاريع تدخل في إطار إيصال الخدمات بالحد الأدنى في المنطقة.
تشكل الغوطة الشرقية لدمشق خزان الأراضي الزراعية الذي تستمد العاصمة منه غذاءها، ولها دور في تحريك عجلة الاقتصاد، بسبب تنوع محاصيلها واستخدام قسم كبير منها في مجالات الصناعات الغذائية، وفضلًا عن فائدتها الزراعية تمثل متنفسًا طبيعيًا بات يفقد شيئًا من فائدته بعد خسارة عدد كبير من الأشجار.
في تصريح سابق للمستشار الفني في اتحاد الغرف الزراعية عبد الرحمن قرنفلة، لوكالة “سبوتنيك” الروسية، قال إن عودة الزراعة في الغوطة ستضمن توفير السلع في المستقبل ما يجعلها تكفي العاصمة وتسهم في تخفيض الأسعار بشكل تدريجي، وسيكون لذلك أثر على الحياة اليومية للمواطن السوري.
ولكن الغوطة فقدت عددًا كبيرًا من مقوماتها في ظل دمار أصاب بنيتها التحتية وعمليات قطع واسعة لأشجارها خلال السنوات التي حوصر فيها السكان من قبل النظام السوري، وبذلك تحتاج إلى سنوات من الترميم لإعادتها لمرحلتها التشغيلية الدنيا.
سيطرت قوات الأسد على الغوطة الشرقية على مدار شهرين بين شباط ونيسان 2018، بعد حملات عسكرية مكثفة تمكنت خلالها من تقسيم الغوطة إلى ثلاثة جيوب.
وعملت على اتفاقيات منفصلة مع الفصائل في هذه الجيوب، “جيش الإسلام”، “فيلق الرحمن”، “أحرار الشام”، غادر بموجبها الرافضون للاتفاقيات إلى الشمال السوري.
وتضمنت الاتفاقيات عودة مؤسسات الدولة إلى المنطقة والبدء بإعادة تأهيلها.
إعلانات عن استثمارات وتراجع عن أخرى
أعلنت حكومة النظام السوري في أكثر من مرة عن عدد من الاستثمارات على صعيد عدة قطاعات منها القطاع الزراعي والسياحي الذي يتضمن السياحة الدينية حتى شملت الإعلانات عن استثمار الأنفاق التي حفرتها المعارضة السورية بالمنطقة.
بدأ الحديث عن استثمار المنطقة من خلال لجان شكلتها محافظتا دمشق وريف دمشق للتواصل مع أصحاب المنشآت الصناعية والحرفية لمعالجة صعوبات إعادة تشغيل منشآتهم، بحسب ما نقلت صحيفة “الوطن”، المقربة من النظام، في حزيران العام الماضي.
تتألف اللجنة المركزية، التي تحدثت عنها الصحيفة، من معاون وزير الصناعة، نضال فلوح، كرئيس لها، وبعضوية رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها، ومدير الاستثمار الصناعي بوزارة الصناعة، وتحمل مهمة الإشراف على عمل اللجان الفرعية الخاصة بالتواصل مع أصحاب المنشآت الصناعية في دمشق وريفها.
ونقلت صحيفة “تشرين” الحكومية عن وزارة الصناعة الإحصائيات التي جمعتها حول حجم الأضرار التي أصابت منشآتها الصناعية في الغوطة، وبلغت الخسائر المباشرة للشركات الصناعية، وفق التقديرات الدفترية لوزارة الصناعة والمؤسسة العامة للصناعات الكيميائية، 81 مليار ليرة سورية، بينما تحتاج إعادة إعمارها وعودتها للعمل إلى أضعاف الرقم المذكور، وفق الأسعار الحالية المعمول بها على أساس أسعار الصرف الحالية.
وبحسب إحصائيات مديرية زراعة ريف دمشق فإن 22 ألف هكتار من الأراضي الزراعية عادت للاستثمار من الفلاحين من أصل 32 ألف هكتار، وبحسب مدير زراعة ريف دمشق، علي سعادات، فإن بقية الأراضي الزراعية تخضع لعمليات فحص من الألغام قبل عودة استثمارها.
بحسب ما صرح سعادات لصحيفة “الوطن” فإن ريف العاصمة دمشق خسر 7.2 ملايين شجرة معظمها في الغوطة، وتحتاج إلى نحو ثلاث سنوات للتعويض، مشيرًا إلى توزيع 5 إلى 6 آلاف غرسة بالغوطة الشرقية للإسهام في عودة الغطاء الشجري.
وقال سعادات إن خطة زراعة ريف دمشق للقمح للموسم المقبل تبلغ 7444 هكتارًا من القمح المروي و2800 هكتار للبعل و6000 للشعير البعل و1200 للشعير المروي.
لم تدر عجلة الاقتصاد الصناعي في المنطقة دورتها الأولى، وبحسب ما رصدت عنب بلدي، في الغوطة الشرقية فإن عشرات المعامل المعنية بالصناعات الغذائية وصناعة الأحذية وغيرها ما زالت واقفة على الرغم من الإعلان عن عودة الحياة للكثير من المشاريع.
وبحسب ما قالت مصادر أهلية لعنب بلدي فإن معظم أصحاب المنشآت الصناعية بالمنطقة نقلوا أعمالهم إلى الخارج.
ولعل أبرز المشاريع التي تراجعت عنها حكومة النظام السوري هو مشروع استثمار الأنفاق التي حفرتها فصائل المعارضة التي كانت تسيطر على المنطقة، إذ قال وزير الأشغال العامة والإسكان، سهيل عبد اللطيف، في تصريحات نقلتها صفحة رئاسة “مجلس الوزراء” على “فيس بوك”، مطلع تموز الحالي، إن الحكومة نظمت جملة من الأعمال لردم الأنفاق، على عكس التوصيات التي جاءت في نيسان من العام الماضي، لدراسة واقع الأنفاق والكشف عنها وتحديد كيفية استثمارها.
لماذا لا تنفذ حكومة النظام المشاريع التي تعلن عنها؟
في حديث إلى عنب بلدي قال المحلل الاقتصادي يونس الكريم إن هناك عدة أسباب لعدم قيام حكومة النظام بعمليات الاستثمار المعلن عنها.
وبحسب الكريم فإن النقطة الأولى هي طرح مشاريع لجذب استثمارات دولية تظهر أن سوريا تتجه نحو الانطلاقة، وبالتالي القفز فوق المشاكل السياسية ومحاولة تعويم وشرعنة وجود النظام السياسي.
والنقطة الثانية، وفق المحلل، امتصاص صدمة المواطنين عن طريق طرح المشاريع للاستثمار وتهييء المجتمع لفترة استثمارات مقبلة.
وأرجع كريم السبب الثالث إلى محاولة إيجاد تمويل لهذه المشاريع والحصول على الأموال بالإضافة إلى المكتسبات السياسية.
واعتبر يونس الكريم أن الغوطة الشرقية هي واحدة من النقاط المهمة والحاسمة في إقليم دمشق، مشيرًا إلى أن تكلفة إعادة الغوطة لحالة اقتصادية قادرة على الإنتاج باهظة واستثمارها طويل الأجل وعوائده ليست قريبة.
ميزانية الحكومة والكتلة المالية الموجودة لديها لا تسمح لها بالدخول بمشاريع من هذا الحجم، بحسب يونس الكريم، مضيفًا أن حكومة النظام عندما تطرح مشاريع فالهدف منها تأمين الذات وخفض الخطورة بوجود الرافعة المالية من خلال الشركاء لذلك تقوم بعرض هذه المشاريع للحصول على الدعمين المالي والسياسي، بحسب تعبيره.
وضرب يونس الكريم مثالًا بمشروع إزالة الأنقاض، إذ توجد شركات مختصة بإزالة الأنقاض يمكنها بدء هذه المشاريع بتمويل من الأنقاض ذاتها من خلال إعادة تدويرها، ولكن بسبب العقوبات فإن هذه الشركات لا تدخل سوريا، وحكومة النظام غير قادرة على تشغيل مثل هذا النوع من المشاريع لتكاليفها.
وعلى صعيد آخر يشتكي المواطنون الذين يعملون على إعادة دورتهم الحياتية إلى سابق عهدها من نقص في الخدمات أو محدوديتها بالإضافة إلى المقومات التي باتت معدومة أو غير متوازنة بحسب المواسم كما يحصل في قطاعات المحروقات والكهرباء فضلًا عن حالة الفوضة التنظيمية التي تعيشها المنطقة وسط غياب الضابط الحقيقي لتلك الخدمات وإعادتها إلى سابق عهدها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :