خليفة الخضر
مطلع شهر حزيران 2019، نُشر خبر لمقتل طفل سوري في بلدة مسكنة شرقي حلب بعد اغتصابه وتعنيفه، الخبر نُشر من قبل بضع صفحات موالية للنظام السوري وبضع صفحات تتبع للمعارضة السورية وعدة منشورات مبعثرة لعدد ضئيل من الناشطين، بالرغم من نشر صور مخيفة للحجارة التي كُسرت فيها عظام ظهر الطفل ورأسه.
مر الخبر دون التوقف عليه في أثناء تصفح الاإترنت، وربما لو وقعت هذه الجريمة الشنيعة في مناطق سيطرة الجيش الوطني أو “قوات سوريا الديمقراطية” أو “هيئة تحرير الشام”، لتلفقتها الصفحات واستخدمت الجريمة لمآرب سياسية تحت ستار التعاطف مع الضحية.
لنحكي قصة التعاطف مع الضحية منذ البداية، أتذكر قبل اندلاع الثورة السورية، نُشر مقطع فيديو لرجل كان قد رمى أطفاله في نهر الفرات بمنطقة منبج شرق حلب، مبررًا جريمته بأن دافعها الفقر (الوزى)، أتذكر حينها أن سوريا وحديث الشارع قام ولم يقعد، ومن ليس له هواية في قراءة ومطالعة الصحف اليومية وقف في طابور كشك بيع الصحف في حي الجميلية بحلب فقط ليشتري جريدة فيها خبر الرجل الذي رمى أطفاله في النهر، وانتشرت القضية وتفاعل معها السوريون، إذ تجد المقطع المصوّر حينها في أغلب جوالات السوريين، إذ كانت جغرافيا الاهتمام والتعاطف تشمل سوريا ومن هم خارج سوريا.
لكن ومع اندلاع الثورة السورية في آذار عام 2011، ولّد الرأي السياسي طفرة خبيثة انتشرت بين السوريين، إذ بدا الانشطار بالتضامن والتعاطف مع مؤيد ومعارض، (لن أتحدث عن تبرير الجريمة التي يستند إليها المبرر، سأكتفي فقط بالتحدث عن جغرافيا التعاطف) ومع مرور الأيام وتسليح المعارضة والتدخل الدولي، وظهور تنظيم داعش وبروز قوات سوريا الديمقراطية وصعود جبهة النصرة وتبدل مناطق السيطرة بين الجهات العسكرية المنشأة حديثًا والمتبدلة، تم ربط جمهور الثورة ولصقه فقط بجغرافيا وجود المعارضة المسلحة، وعدم إظهار تضامن وتعاطف الموالي أو من يسكن في مناطق سيطرة النظام السوري مع ضحايا قصف الأسد على مناطق سيطرة المعارضة المسلحة، وهجرة وتهجير نسبة من السوريين وقتل واعتقال وإفقار نسبة أخرى.
اختزلت جغرافيا الثورة بطرق شتى، فهي فقط في مناطق سيطرة الجيش الوطني أو كل منطقة يرفع فيها علم الثورة، لكن للثورة السورية أهدافها، وهي تتقاطع مع قيم ما قبل الثورة، فالتعاطف الإنساني وفطرته لا تقيد بحدود.
تم اختزال هذا التعاطف وتأطير تعاطف السوري فقط ضمن حدود جغرافيا الجهة التي يواليها أو يسكن في مناطقها (نتحدث عن المجاهرة العلنية بالتعاطف ولنبتعد عن التعميم، فهذا وفقًا لمشاهدات شخصية قد لا تكون بالمجمل صحيحة)، لينتهي المطاف بالجمهور المعارض للأسد والثوري منه بالتحكم بالتعاطف، والسؤال دومًا ما إذا كانت الضحية في مناطق سيطرتهم ومن هو الجاني هل هو الأسد أو قسد… ليبدأ التضامن ونشر البوسترات عن الضحية، لكن إذا كان الجاني “الجيش الحر” أو “هيئة تحرير الشام” تبدأ سلسلة تبريرات يتبعها الصمت، كذلك في كل المناطق السورية التي تسيطر عليها جهات مختلفة.
ونصل في وقتنا الراهن إلى أن يُقتل طفل في الرقة إثر تفجير في محيط دوار النعيم، ويُقتل طفل في اعزاز إثر تفجير بالقرب سوق المدينة، ويُغتصب طفل ويُقتل في أحد الأبنية المدمرة في مدينة مسكنة، ويُختطف طفل في عفرين وتُرسل رسالة لأهله بنية قتله من قبل الخاطفين، ثم لا يكون تعاطفنا متساويًا ومتوازنًا كما ينبغي، وكما تريد الثورة ويصب في هدف ثورتنا.