د. أكرم خولاني
من الطبيعي أن يكون هناك اختلاف وتنوع في طباع الناس وعاداتهم الاجتماعية، ولكن في بعض الأحيان نصادف أشخاصًا يقومون بأعمال غير مقبولة تجنح بهم بعيدًا عن ثقافة المجتمع، ويؤدي هذا إلى مشكلات كبيرة ووجود حدود في العلاقات والأنشطة الاجتماعية والعمل والمدرسة، ويكون لدى هؤلاء مشكلة تسمى اضطراب الشخصية.
ما المقصود بمصطلح “الشخصية”
من الناحية الشعبية فإن مصطلح الشخصية يعني قدرة الفرد على إظهار وعرض نفسه أمام الآخرين، وهذا المفهوم لا يختلف كثيرًا عن المفهوم العلمي للشخصية، فالشخصية كما في علم النفس هي الأنماط السلوكية (أفعال، أقوال، استجابات) التي يظهرها الفرد في مختلف الظروف والتي تعطي انطباعًا أو مؤشرًا إلى الطبيعة الداخلية لذلك الفرد، وهي تشمل السمات الفيزيائية والقدرات العقلية والقدرات الاجتماعية، كما أنها تتضمن المزاج المميَّز والقيم والمعايير التي يؤمن بها الفرد والقدرة على الإبداع والمبادرة.
ما المقصود بـ “اضطراب الشخصية”؟
اضطراب الشخصية هو أحد أنواع الاضطرابات العقلية، يعاني فيه المصاب نمط تفكير غير صحي ومشوه، ما يؤدي إلى قيامه بسلوكيات وتصرفات غريبة ومزعجة للآخرين، ويعاني مشكلات في فهم المواقف والأشخاص والتعامل معهم، وعادة ما يجد الأمور التالية صعبة التحقيق:
- الدخول في علاقات مع الآخرين أو الحفاظ على هذه العلاقات.
- التناغم مع زملاء العمل.
- التناغم مع الأصدقاء أو أفراد العائلة.
- البقاء بعيدًا عن المتاعب.
- التحكم بالمشاعر أو السلوك.
والمصاب غالبًا لا يدرك إصابته باضطراب الشخصية نظرًا لأن طريقة تفكيره وتصرفه تبدو طبيعية بالنسبة له، لذلك فإنه يلقي باللوم على الآخرين في التحديات التي تواجهه.
وننوه هنا أنه توجد ثلاثة مستويات من الأمراض في الطب النفسي:
- المستوى الأول هو النُفاسات (بضم النون) وتشمل: الفصام، والهوس، والاكتئاب الكبير، وهذا المستوى هو الأخطر في الطب النفسي.
- المستوى الثاني هو العُصابات (بضم العين) وتشمل: عصاب القلق، وعصاب الاكتئاب، وعصاب الرُهاب، وعصاب الهستيريا، وعصاب الوسواس القهري.
- المستوى الثالث هو اضطرابات الشخصية وتشمل: الشخصية الوسواسية، والشخصية الهستريائية، والشخصية الزوَرية، والشخصية الانفعالية، والشخصية الفصامية، والشخصية المعادية للمجتمع، وقد تبقى هذه الاضطرابات ملازمة للإنسان وقد تتحول إلى العُصاب أو النُفاس، علمًا أن حوالي 10-30% من المرضى الذين يأتون لزيارة الطبيب الممارس العام لديهم اضطراب شخصية.
ما أسباب الإصابة باضطرابات الشخصية؟
- تتكون الشخصية خلال مرحلة الطفولة، وتتشكل من خلال تفاعل:
- المورثات: قد يتم تمرير بعض سمات الشخصية من قِبل الأبوين من خلال الجينات الموروثة.
- البيئة: هذا يتضمن المناطق التي نشأ فيها الشخص والأحداث التي وقعت والعلاقات مع أفراد الأسرة وغيرهم.
ويُعتقد أن اضطرابات الشخصية تنتج بسبب مزيج من هذه التأثيرات الجينية والبيئية، لكن السبب الدقيق للاضطرابات الشخصية ليس معروفًا، إلا أن هناك بعض العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بالاضطرابات الشخصية أو تحفزها، وتشمل:
- التاريخ العائلي لاضطرابات الشخصية أو غيرها من الأمراض النفسية.
- الحياة الأسرية السيئة أو غير المستقرة أو الفوضوية في أثناء الطفولة.
- التشخيص باضطراب السلوك في مرحلة الطفولة.
- الاختلافات في بنية وكيمياء المخ.
ما أعراض الاضطرابات
عادة ما تبدأ اضطرابات الشخصية في سنوات المراهقة أو بداية مرحلة البلوغ، وهناك العديد من أنواع اضطرابات الشخصية وتختلف الأعراض حسب كل نوع منها:
اضطراب الشخصية المرتابة (الزورية):
وهذا النوع يتسم بكونه دائم الشك شديد الحذر تجاه الآخرين. هنا نجد المصاب بهذا النوع يعاني من انعدام الثقة والاعتقاد غير المبرر بأن الآخرين يريدون إيذاءه، والخوف غير المنطقي من أن الآخرين سيستخدمون المعلومات ضده، وهذا يجعل هناك صعوبة في التعامل معه أو بناء علاقات مع هؤلاء، فهو يستغرق وقتًا طويلًا في إحساسه بالشك حيال دوافع الآخرين.
اضطراب الشخصية الانعزالية:
دائمًا يكون بعيدًا عن الآخرين، وفاقدًا للرغبة في العلاقات الشخصية أو الاجتماعية، يفضل الوحدة، غير متعاطف مع أحد، لا يشعر في الرغبة بالتواصل البشري، يبدو المصاب ثقيل الظل غير مهتم بالآخرين، وقليل الطموحات والدوافع، ينسحب من العلاقات بكل بساطة فهو يفضل الوحدة.
اضطراب الشخصية الفصامية (الانطوائية):
هذا النوع يكون غريب الأطوار يميل إلى التفكير الغريب، وهو مشغول بأحلام اليقظة ومعتقداته غريبة، فيعتقد أن حوادث عادية معينة أو مناسبات تحمل رسائل خفية لا يفهمها إلا هو، وعادة ما تكون لدية علاقات محدودة إن وجدت، فهو لا يعرف كيف تبنى العلاقات مع الآخرين، كما أنه لا يعي مدى تأثير سلوكه عليهم، وتجد المصابين بهذا العرض لديهم فاصل ضبابي بين الواقع والخيال ما يجعلهم يقعون فريسة أمام اضطراب الشخصية.
اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع (السيكوباتية):
هو شخص متسرع وغير مسؤول، لديه جموح يتصرف دون اعتبار تجاه الواجب، لا يحترم أي عادات أو تقاليد، ويطلق المصابون بهذا النوع على أنفسهم أنهم متحررون، لا يطبقون العادات إلا في الحالات التي تخدم مصلحتهم الذاتية فقط، كما أن لديهم نمطًا من عدم احترام حقوق الآخرين في كثير من الأحيان يتجاوزون الحدود وينتهكون حقوق الغير.
اضطراب الشخصية الحدية:
يخشى الشخص العزلة والهجر بشكل مبالغ فيه، وهو متقلب المزاج دائمًا يرى الدنيا إما أبيض أو أسود فهو لا يمتلك المنطقة الرمادية، علاقاته متوترة وغير مستقرة، يعاني من نوبات متكررة وشديدة من الغضب، سلوكه اندفاعي وخطر مع سلوك انتحاري.
اضطراب الشخصية الهستيرية (التمثيلية):
هو مفرط الانفعال، يقوم بتهويل الأمور حتى الطفيفة منها، هو استعراضي ويميل إلى ذلك لجذب الانتباه وتأمين اهتمام الآخرين، يهتم بشكل مفرط بالشكل الخارجي، يرى نفسه جذابًا ويمتلك سحرًا قويًا، مفرط في عواطفه ما يؤدى إلى فشل علاقاته بالآخرين، مصابو هذا النوع غالبًا ما يكون أداؤهم جيدًا ولكنهم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب.
اضطراب الشخصية النرجسية:
هو متعجرف ومغرور دائم الحديث عن نجاحاته، يرى نفسه أفضل من الآخرين وهو يحتاج إلى طريقة معاملة خاصة، لا يكترث إلى مشاعر الآخرين، ونادرًا ما يهتم لما تفعله تصرفاته بهم، فهو يعتبر نفسه شخصية مثيرة للإعجاب، ويعتقد أن الآخرين يحسدونه.
اضطراب الشخصية التجنبية:
هو شخص حساس جدًا يتخوف من المواقف الاجتماعية نظرًا لكونه يخشى الرفض أو السخرية، دائم الشعور بالحرج والخجل المفرط في المواقف الاجتماعية والعلاقات الشخصية، ويرى دومًا أنه غير كفء، ولديه شعور كبير في كونه غير جذاب وهو أقل شأنًا من غيره، يخشى ردود فعل الآخرين حياله.
اضطراب الشخصية الاعتمادية:
هو بائس ويرى نفسه ضعيفًا، يعتمد بشكل مفرط على الآخرين، ودائمًا لديه شعور بالحاجة إلى الحصول على الرعاية، يخشى أن تخلو الناس من حوله، فاقد للثقة بالنفس ويطلب النصائح بإفراط والطمأنينة من الآخرين بشأن اتخاذ الاختيارات البسيطة، يجد صعوبة بدء أو تنفيذ المشروعات دون مساعدة بسبب فقدان الثقة بالنفس.
اضطراب الشخصية الوسواسية:
يهتم بالتفاصيل، ويُكرس حياته لخدمة القوانين والقواعد والأنظمة، يطالب بالمثالية المفرطة، ما يؤدي إلى تعطيل الوظائف والإحباط عند فشل تحقيق المثالية، يهمل الأصدقاء والأنشطة الممتعة بسبب الالتزام المفرط بالعمل، يعجز عن التخلُّص من الأشياء ذات الخلل أو غير الجديرة بالاحتفاظ، عديم المرونة بشأن الفضيلة أو الأخلاق أو القيم، يتميز بالصرامة والمراقبة التي تتصف بالبخل في الميزانيات وإنفاق الأموال، يجد نفسه موثوقًا به ويعجز عن إيكال المهام للآخرين، صلابته وجموده هما من العلامات التي تدلنا على إصابته بهذا النوع من اضطراب الشخصية، وهو يرى العالم من منظار القوانين والتعليمات.
اضطراب الشخصية الاكتئابية:
متشائم دائمًا ويقدم نفسه على كونه ضحية وأكثر عرضه للإصابة بالمخاطر، يشعر بانعدام القيمة وكذلك يشعر بالذنب يرى أنه لا يستحق إلا النقد وهو انتحاري، ومن الممكن أن يقدم مصاب هذا النوع على أعمال عدوانية أو هلوسة.
اضطراب الشخصية العدوانية السلبية:
هو متناقض، غير منتج عن عمد وهو يظهر غضبه بشكل غير مباشر، يلجأ إلى أساليب معينة للقيام بذلك، هو سريع الانفعال ولكنه متجهمًا ثم ينسحب، لديه القدرة على تحجيم عواطفه ولا يتواصل عندما يكون هناك أمر يستدعى النقاش.
اضطراب الشخصية السادية:
عدائي وقاسي المعاملة ومتحجر فكريًا، يشعر بالرضا من خلال الهيمنة على الآخرين، يستمتع عندما يقوم بإهانة الآخرين أو القيام بأعمال وحشية تجاههم، هو عرضه لنوبات الغضب المفاجئ.
اضطراب الشخصية المازوخية:
مراع لرغبات الآخرين ذليل يشجع الآخر على استغلاله، يشكك في الأشخاص الذين يتعاملون معه بشكل جيد، ولديه متعة غريبة في إرضاء الغير، قد ينخرط في علاقة سادية مازوخية فهنا يجد المتعة التي يبحث عنها.
كيف يتم تشخيص الإصابة
لكل اضطراب من اضطرابات الشخصية مجموعة من معايير التشخيص، ويتم التشخيص عن طريق الطبيب النفسي أو المعالج النفسي، وقد يصعب أحيانًا تحديد نوع اضطراب الشخصية، حيث تتشارك بعض اضطرابات الشخصية في نفس الأعراض وقد يكون هناك أكثر من نوع واحد. كما قد تجعل الاضطرابات الأخرى، مثل الاكتئاب أو القلق أو تعاطي المخدرات، التشخيص أكثر تعقيدًا.
ما طرق علاج اضطراب الشخصية
هدف العلاج في اضطرابات الشخصية يجب أن يكون متواضعًا حيث إن مثل هذه الحالات تحتاج إلى وقت طويل قبل أن تظهر النتائج الأولية للعلاج، ويشمل العلاج:
- العلاج النفسي، ويسمى أيضًا العلاج بالحوار، وهو الأسلوب الرئيسي لعلاج اضطرابات الشخصية، يقوم به الطبيب النفسي أو المعالج النفسي، ويمكن توفير العلاج النفسي من خلال جلسات فردية، أو العلاج الجماعي، أو جلسات تشمل العائلة أو حتى الأصدقاء، وهناك عدة أنواع من العلاج النفسي يمكن أن يحدد اختصاصي الصحة النفسية أيها الأفضل بالنسبة لكل حالة.
- العلاج الدوائي، لا توجد أدوية معتمدة خصيصًا من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لعلاج اضطرابات الشخصية، ومع ذلك، هناك عدة أنواع من الأدوية النفسية التي قد تساعد في تحسين مختلف أعراض اضطراب الشخصية، وهي: مضادات الاكتئاب، مثبتات المزاج، مضادات الذهان، مضادات القلق.
أخيرًا ننوه إلى أن اضطرابات الشخصية قد تتحسن مع التقدم بالعمر، إلا أنها في بعض الحالات قد تسوء وتتحول إلى عصاب أو نفاس، فالشخصية الوسواسية قد تتحول إلى عصاب الوسواس القهري، والشخصية الزوَرية قد تتحول إلى الفصام الزوَري، ولذلك فإن معرفة الشخص لنفسه وأنه مصاب بأحد اضطرابات الشخصية مفيد من ناحية العلاج الذي قد ينتهي بالشفاء أو بمنع تفاقم الحالة أو تحولها إلى العُصاب أو النُفاس.