السويداء – نور نادر
“رغم تراجع بصري بشكل كبير إلا أن أصابعي معتادة على طي القش وتشكيلة بشكل متقن”، تصف الجدة أم فرحان حبها لصناعة القش التي عملت به لسنوات طويلة
تقول أم فرحان، التي تجاوزت الثمانين من عمرها، لعنب بلدي، “أشعر أنني ما زلت على قيد الحياة بفضل استمرار قدرتي على عمل القش، إذ تشكل هذه الصناعة جزءًا من روتيني اليومي منذ الصغر”.
وتعتبر صناعة القش من الحرف التي برعت فيها نساء السويداء في الماضي، عبر صنع أطباق وأوان متعددة الأحجام بدلًا عن الصواني وصحون الطعام، وسلال حفظ المؤن والفواكه، بالإضافة لصناديق الملابس.
وكانت النساء يحاولن إبراز البراعة بهذه الحرفة ويتباهين بها، ويتنافسن على صنع أفضل وأجمل مصنوعات القش، حتى إن هذه المهارة كانت قديمًا أحد الشروط المطلوبة لخطبة الفتيات.
وعلى الرغم من تعدد الصناعات اليدوية الحديثة والتراجع الكبير في سوق استهلاك الأدوات المصنوعة من القش، استمرت نساء محافظة السويداء بممارسة هذه الحرفة، ليتحول سوقها من أدوات لازمة للاستخدام اليومي إلى تحف منزلية تحفظ الإرث، أو ديكورات تزين المطاعم، أو هدايا يقتنيها السياح.
مهنة متوارثة
تروي أم فرحان لعنب بلدي قصة عملها في هذه الحرفة، إذ كان تمتلك دكانًا صغيرًا لبيع مصنوعات القش، قبل أن تعلم بناتها اللواتي التزمن على الأقل بإتقان قطعة أو اثنتين رغم تطور أنواع البضائع المشابهة.
أما حنين، حفيدة أم فرحان، والطالبة في كلية الفنون الجميلة، تقول إنها مختصة في النحت، ولكن ولعها بالفن وسحر القطع التي تصنعها جدتها دفعها إلى تعلم المهنة وصناعة تشكيلات مختلفة تناسب السوق، إذ تعمل على صناعة سلال صغيرة لأدوات التجميل وصناديق مذكرات وأغلفة دفاتر، وتتفنن في إضافة تفاصيل حديثة كالأزرار والسحابات.
وأوضحت حنين لعنب بلدي أنها عملت على تسويق مشروعها في لبنان عبر أصدقائها، في بعض المكتبات التي تقدم مختلف الأعمال اليدوية التراثية للسياح، ونجحت في الحصول على “ستاند” عرض مع “بروشور” تعريفي بهوية تلك الصناعات، وأصبحت تغطي مصروفها الجامعي من مبيعات تلك المصنوعات.
من الطبيعي إلى الصناعي الملون
وتحدثت منى، 40 عامًا، لعنب بلدي، عن طريقة صنع الأدوات، إذ تستخدم فيها إبرة ثخينة، إضافة للقش أو ما يسمى “القصل”، وهي عيدان القمح أو الشعير التي تصبح يابسة بعد قطف السنابل منها، ثم تجمع وتخزن وتربط على شكل حزم لتتم صناعتها.
وكانت العيدان سابقًا تصبغ بالألوان من خلال الغلي مع الصباغ بدرجات حرارة عالية، لكن استُبدل بها اليوم القش المصنع البلاستيكي ذو الألوان الزاهية والأسهل استخدامًا، بحسب منى، التي أكدت أن بعض الفتيات يرسمن أحيانًا بعض الأشكال على الطبق، أو يكتبن كلمات لتزيينه ويتباهين بمهارتهن في هذه الصناعة.
وتطلب عرائس اليوم القش بأشكال مختلفة، من أجل أخذه مع “جهاز العروس” كنوع من العادات والتقاليد، التي ما زالت متأصلة في القرى والأرياف المحافظة على الطقوس القديمة في مراسم الزفاف، بحسب منى، إذ تطلب تلك العرائس نقوشًا مختلفة ورسومات معينة، أو قد تُنقش عليها أسماء.