“ترقين” السجلات المدنية في درعا.. النظام يزوّر الحقيقة

  • 2019/07/21
  • 1:10 ص

سجناء سوريون أمام مقر لشرطة النظام في دمشق – أيلول 2012 (AFP)

عمر الحريري

على طاولة الجهات الحقوقية المهتمة بالشأن السوري، بدأ ملف جديد بالتشكل، بعدما باتت التغييرات التي تطرأ على ملفات السجلات المدنية تطال شهداء الثورة خلال السنوات الماضية، فعملية الترقين (تحويل حالة الشخص إلى الوفاة) داخل الدوائر الرسمية تشهد تزويرًا صارخًا، يشارك في كثير منه ذوو الشهداء أنفسهم، تحت ضغط الترهيب والخوف.

خلال السنوات الماضية، شهدت السجلات المدنية الحكومية السورية (التابعة للنظام) فجوة كبيرة في عملها، بالتزامن مع خروج مناطق واسعة عن سيطرة قوات النظام وانقطاع أهلها عن تحديث ملفات السجل المدني الخاصة بهم، من تسجيل لعمليات الولادة والوفاة والزواج والطلاق وما يتبعها، لتسهم المدة الطويلة التي خرجت فيها الكثير من المناطق عن سيطرة قوات النظام إلى مفاقمة هذه الفجوة أكثر فأكثر، فبات ترميم السجلات وتعويض النقص فيها مهمة شاقة للغاية.

اتفاقية “التسوية” التي وُقعت في أكثر منطقة، شهدت بندًا سمح للأهالي بتحديث ملفات السجل المدني وإصدار الوثائق الشخصية، رغم الغرامات التي فرضها النظام بذريعة التأخير وتجاوز المدة القانونية، لكن الحاجة الماسة للأهالي لتحديث وثائقهم وإصدار وثائق جديدة وتسجيل المواليد والوفيات، ألزمتهم بالرضوخ لهذه الغرامات، التي وصل بعضها إلى عشرات الآلاف من الليرات.

رئيس النظام، بشار الأسد، أصدر قبل أسابيع مرسومًا أعفى فيه المتأخرين من دفع هذه الغرامات، لكن المرسوم أتى بعد مرور أكثر من عام على اتفاقية “التسوية”، حصد خلاله النظام ملايين الليرات وأكثر.

مرور الجهات الحقوقية على هذا الحدث كان عابرًا، فهو في السياق الطبيعي والمتوقع، لكن ما غاب عن الكثير منها، هو حالة الشهداء والكيفية التي يتم تحويل سجلاتهم فيها إلى قيد الوفاة. فالسنوات الماضية شهدت مقتل الآلاف من المدنيين والمقاتلين على حد سواء على يد قوات النظام، والآن على ذويهم تثبيت هذه الوفاة، لضرورة ارتباطها بالكثير من تفاصيل حياتهم، ليستغل النظام هذه الحالة ويبدأ عملية “عبث” بهذه السجلات وتوثيق تفاصيل غير صحيحة في إطار عملية تزوير ممنهجة وخطيرة.

تسجيل حالة الوفاة ضمن السجلات المدنية، يحتاج إلى تقرير طبي رسمي وبعض الأوراق الرسمية الأخرى. والأوراق المفقودة لدى ذوي القتلى أو المتوفين خلال السنوات الماضية، استبدلت بها شهادة المختار أو البلدية، مرفقة بالشهود والأسباب التي أدت إلى الوفاة، وذلك من قبل موظفين عيّنهم النظام ويعملون لمصلحته.

الحصول على هذه الشهادة، مع ذكر السبب الحقيقي لوفاة القتلى الذين سقطوا بقصف قوات النظام أو في المواجهات العسكرية ضده، أمر مستحيل، إضافة إلى عملية الترهيب والتخويف التي يتعرض لها الأهالي في حال ذكرهم للسبب الحقيقي، فضلًا عن عزوف المخاتير عن التوقيع على الشهادات التي تحمل هذه الأسباب، ليُضطر الأهالي لذكر أسباب أخرى للوفاة، من قبيل ذكر أسباب مرضية أو حوادث سير أو انتحار، بالإضافة لتعمد بعض المخاتير الضغط على الأهالي لذكر أن الوفاة وقعت على يد “الجماعات الإرهابية”، في إشارة إلى فصائل المعارضة، في عملية تزوير تهدف إلى إخلاء مسؤولية النظام عن هذه الحوادث وتحميلها للمعارضة.

تماثل هذه العملية ما يصدره النظام من شهادات وفاة للمعتقلين في سجونه، والتي تذكر في الغالب أن سبب الوفاة أزمة قلبية. هذه المرة النظام يتملص من المسؤولية عن ذكر سبب الوفاة ويلقيها على عوائل الشهداء.

أن نطالب أهالي الشهداء بعدم المشاركة في هذه العملية أو التمسك بوضع السبب الحقيقي للوفاة أمر غير ممكن في الظروف الراهنة، فهم بحاجة إلى إتمام إجراءات السجلات المدنية لما لها من ارتباط بالكثير من مفاصل الحياة، وفي ذات الوقت هم بحاجة إلى حماية أنفسهم من بطش النظام. إذن ما الحلول المتاحة أمامهم لتجنب المشاركة في عملية التزوير هذه؟ في الواقع لا شيء، لكن المسؤولية تقع بشكل أكبر على الإعلام والمجتمع الحقوقي المحلي والدولي في تسليط الضوء على هذه العملية، وقطع الطريق على النظام من أي استخدام لها في المستقبل.

النظام يستخدم السجلات المدنية وحاجة الأهالي الماسة إليها، كأداة لتبرئة نفسه من عشرات آلاف الضحايا خلال السنوات الماضية، في عملية تزوير ممنهجة ومخطط لها، والتعويل على نجاح النظام فيها مرتبط إلى حد كبير بنوايا المجتمع الدولي في مساعدته على طي صفحة جرائمه أو التمسك بمحاسبته عليها.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي