جرائم مروعة ضحاياها من الأطفال أرعبت مدينة ألمانية ودعت أهلها وشرطتها وحتى مجرميها للبحث عن القاتل.
تتوازى جهود قوات الشرطة مع جهود زعماء عالم الجريمة، الذين سئموا من التضييق الأمني بسبب تلك الجرائم، في البحث عن الفاعل وتقديمه للعدالة التي يستحق.
ميزة العمل وروعته تكمن في عدالة المجرمين، الذين أقاموا محاكمة فريدة للقاتل الذي احتقروه ونفروا من أفعاله الشنيعة، فمناقشة فكرة ماهية الخطأ والصواب وماهية الجزاء العادل تكسب الفيلم الصادر عام 1931 مكانته الرفيعة في التاريخ السينمائي.
تسير أحداث القصة برتابة ووتيرة بطيئة بعض الشيء، مع ما تضمه من تفصيل ودقة يُعرف بها المخرج الألماني فريتز لانغ، لكن روعة الأداء والحبكة الفريدة تضمن إعجاب المشاهد ومتعته.
مشهده الختامي الذي ينطق فيه القاتل بمكنونه ودوافعه يعد من أهم المشاهد السينمائية، بأداء يخطف الأنفاس للممثل الهنغاري بيتر لوري، في دوره البطولي الأول.
لا يحمل الفيلم أي مشاهد عنيفة أو صادمة، فقد تعمد المخرج ترك الجرائم التي وصفت بـ “المروعة والمخيفة” لخيال المشاهد، كما لا يجزم العمل بماهية الحق وماهية العدل المطلوب بل يترك النقاش مفتوحًا دون أن يقدم مواعظ جدلية، مكتفيًا بعرض وجهات نظر قوية ومحفزة على التفكير.
قضى لانغ خلال كتابة الفيلم ثمانية أيام في مصحة عقلية للقاء عدد من قتلة الأطفال، بمن فيهم المجرم الشهير بيتر كورتين الذي عُرف باسم “مصاص دماء دوسيلدورف” لممارساته المختلة في قتل تسعة أشخاص ومحاولة قتل سبعة آخرين.
كان الفيلم هو العمل الناطق الأول للمخرج الألماني الشهير، استخدم فيه تقنيات جديدة وأدى لانغ بنفسه بعض مؤثراته الصوتية مثل الصفير، واستخدم عدة مجرمين حقيقيين كممثلين مساعدين، وتعرض 24 منهم للاعتقال على يد الشرطة خلال التصوير.
مع ما يضمه العمل من رسائل مجتمعية تبدو مناسبة لكل عصر وأوان إلا أن إنتاجه وتصويره تم في مرحلة مليئة بالتوتر السياسي من عمر ألمانيا، عانى إثرها المخرج ذو الأصل اليهودي من صعود الحزب النازي ومحاربته لأعماله.
عُرف المخرج بأعماله السينمائية المميزة السابقة التي تعاون فيها مع زوجته كاتبة السيناريو، ثيا فون هاربو، قبل أن ينفصلا بعد إتمام هذا العمل مع انتسابها للحزب النازي ومغادرة لانغ لبلاده عام 1933، واشتهر بفيلم “ميتروبوليس” عام 1927 وبسلسلة “دكتور مابوس” اللاحقة.