هي المرة الأولى التي يتمرد فيها الفرح على الوجوم المستوطن في ملامح السوريين… «عاصفة الحزم» التي صفعت أوهام الملالي بابتلاع الحواضر العربية من بغداد إلى الشام إلى بيروت فعدن، أحيت على حين غفلة أفئدتنا التي عبثت بها المحن، ردت إرادة البقاء إلى ذاكرتنا التي استباحها الزمن، أيقظت أعيننا على ياسمين الشام الذي أزهر خلسة في أزقة اليمن.
شعبنا الذي أنهك مداركه ولع رأس الولايات المتحدة المفرط بإيران، عقلنا الذي أربك استقراءاته تشوش تصريحات أوباما حد الهذيان، استقر ختامًا على خصمين في قراءة تقلبات الرجل التي تولد الغثيان، إما أنه استنزاف لحلم «الإمبراطورية الفارسية»، أو أن نزيل البيت الأبيض متيم حقًا بملالي طهران، ولأن الرجل حسم بند مضيه في إنجاز اتفاقه الجهنمي مهما بلغت الأثمان، تبلّغ شعبنا المكلوم رسالة الشؤم التي حملتها الغربان، وأيقن أن طريقه مسدود على ما تجزم «قارئة الفنجان».
هكذا، وبعد أن ألفنا تقيؤ التصريحات الجوفاء، بعد أن احترفنا بصق البيانات الخرقاء، بعد أن استكنا لمسلّمة أن حكام أمتنا محض أجراء، استيقظنا على هدير الطائرات يصرع أحلام «الجمهورية الإسلامية»… تسمرت أعيننا على الغارات تطحن الحوثيين في خاصرة السعودية، استفاقت آمالنا تمضي بالعاصفة تستأصل الورم في كبد سوريا.
وبينما تتنازعنا التساؤلات حول حدود تلك العملية الاستثنائية، بينما تتقاذفنا التحليلات حول احتمال انعطافة في السياسات الدولية، أعلنت حواسنا الاستنفار في انتظار بركان يبدد هلع «المستوطنة الفارسية»، تتبعت هواجسنا الاستبصار في استشعار زلزال يقتلع غزاة «المحمية الإيرانية»، ولم يتأخر الرد على تساؤلاتنا المتسارعة على وقع العواجل ترصد دقائق العملية، لكنه جاء متخبطًا على ألسنة مسؤولين صعقتهم يقظة المستكينين على مذبح مقصلتهم الطائفية، فبتنا تارة نقرأ بيانات توطئة تستجدي العقلانية، وتارة نصفع بتهديدات تولع فقاعة العنجهية.
الرد الإيراني المشوش على السابقة المباغتة، أحيا في ذهني تحديات «أسدنا» عقب جريمة الغازات الصامتة، تربعت في ذاكرتي تسجيلات قنواته المتخبطة المتأرجحة تستعرض عنتريات قواتها المسلحة، استقر في ذهني اعتزازها البربري بترسانتها المتهالكة المترنحة، وعيدها الهستيري بتحويل مدمرات العدو إلى «ممسحة».
ولا يغيب عن مخيلتي استشعار نظامنا المستأسد جدية التهديدات عقب جريمته الجهنمية، فأقر مرغمًا بامتلاكه مصانع للأسلحة الكيماوية، وشرع بتفكيكها تحت أعين اللجان الدولية، ومع أول بارجة عبرت البحر ذهبت عنترياته المتورمة أدراج الرياح، وكف أبواقه الميامين عن الوعيد والنباح، بل وشرعوا تنفيذًا لأوامر أسيادهم في التمجيد بحكمة السفاح، في التعبيد لحنكته التي انتشلت البلاد من محرقة الاجتياح، في التمهيد للدرس الأول في متلازمة الانبطاح.
ولأن حوثي اليوم هو أسد الأمس، فسيكتوي حلمه بجحيم الفرس، سينجلي ليله في شعاع الشمس، سينتظر دوره في سوق النخاسة ليبيعه سيده بثمن بخس، أما شعبنا الذي لفظ العفن، فسيضرب موعدًا مع نصره غدًا، سيجترح الحياة من رحم المحن، وسينقش أبجديته على جبين الزمن: «ستنهض الشام… ستنبض اليمن… ستذعن الأيام… سنحضن الوطن… سيلثم الحجر رفات الأباة… سينحني القدر في حضرة الكفن …
سينحني القدر في حضرة الكفن».