دخلت شاحنة مازوت مدينة مارع، وأخذ يسأل سائقها عن أبي مريم، مدعيًا أنه يريد أن يشتكي على كتيبة سرقت ماله؛ وبحسن نية دلّه كل من صادفه على مقر رد المظالم، وبالفعل وصل عندما كان أبو مريم يؤم كتيبته في صلاة المغرب.
حينها حصل التفجير ليستشهد أبو مريم، قائد كتيبة الصفوة، مباشرة مع 13 شهيدًا من قيادات قوة رد المظالم، منهم أبو ماريا من جبهة النصرة، وفق ما ينقله أحمد شوا قريب الشهيد (أخو زوجته) أبو مريم حادثة استشهاده.
لم يتمكن يحيى حافظ (36 عامًا) خريج كلية الأدب الإنكليزي من الحصول على وظيفة، حيث رُفضت طلباته مرارًا بسبب ماضي والده، وحرم الكثير من حقوقه مثل الحصول على جواز سفر، وحين دخلت الثورة طورها المسلح “أعطته أمه بارودة أبيه وقالت له: إذهب وخذ بثأره”، بهذه الكلمات يبدأ شوا بسرد تفاصيل حياة “أبو مريم”.
وكان والد يحيى معتقلًا منذ أحداث الثمانينيات، وهو الآن في عداد المفقودين دون أي خبر عنه، وبالرغم من أن أبا مريم كان وحيد أمه، إلا أن لهذه الأم فضلًا كبيرًا عليه، ويوضح شوا “اعتُقل والده عندما كان لايزال جنينًا في بطن أمه، إلا أن هذا لم يمنع أمه التي أصحبت الآن رمزًا للصبر، من أن تدفع ابنها في صفوف الثورة من البداية، وأن تستمر في تحفيزه على الاستمرار بأكثر لحظات يأسه”، مردفًا “قالت له أمه: إن تراجعتم أنتم المخلصين فمن سيكمل الطريق؟”.
وعندما أعلن حجي مارع، عبد القادر الصالح، عن حمل السلاح وتحرير الريف، أخرجت حينها أم يحيى سلاحًا كانت قد خبأته ولم يعلم به الابن إلا حينها، وأعطته لأبي مريم وقالت له: “خذ هذا سلاح ولادك وانتقم له”، يقول شوا: “حينها أسس ثوار الريف الشمالي ما يعرف باسم لواء أحرار الشمال، وبدأوا بتحرير الريف قرية قرية”.
كان لأبي مريم مكانة خاصة في مدينته، إذ اشتهر بصوته الجميل الشجي، فلما كان ينشد كانت تدمع عيون من يسمعه، وكان يطلب منه دائمًا أن يؤذن لصلاة الجمعة، بالإضافة إلى أنه كان خطيبًا قوي الصوت، حافظًا للقرآن، قوي الشخصية، وفق ما ينقله شوا.
وعندما دخل الجيش الحر إلى حلب، شارك أبو مريم بالاقتحام، مع كتيبته “الصفوة الإسلامية” التابعة للواء التوحيد، وكان عددها حينذاك 14 شخصًا فقط، ويشهد لها مقاتلو حلب بأخلاقها واندفاعها للدفاع عن الحق.
وبعد بدء معارك المعارضة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في حلب مطلع العام الماضي، اختار قادة الجبهة الشامية عدة أشخاص ليديروا المعارك، ويرابطوا في مارع لحماية الريف من التنظيم وكان يحيى من بينهم، ليترك كتيبته المرابطة في منطقة الجديدة بحلب القديمة، وينتقل للإشراف على كتائب مارع وتأمين الريف الشمالي.
أسس حينها ما عرف باسم “قوة رد المظالم”، وتتألف من عدة كتائب مثل جبهة النصرة وجيش المجاهدين والجبهة الشامية وكتائب الصفوة.
ولهذا المشروع أهمية خاصة، إذ جاء “تلبية للمظلومين من بغي بعض الكتائب المسلحة”، عندما علت الأصوات في حلب وريفها تذمرًا من هذه الانتهاكات، ويتابع أحمد “تصدت هذه القوة للكثير من الأسماء الكبيرة وقدمتها للقضاء، مما جعل هذه القوة وقائدها أبو مريم بشكل شخصي محاربًا ومستهدفًا.
كانت آخر أمانيه أن ينال الشهادة بإحدى الطريقتين، إما “إثر تفجير سيارة مفخخة حتى لا يشعر بألم الموت، أو وهو ساجد؛ فاستجاب الله له الدعوتين معًا حين استشهد أثناء صلاته” يختم قريبه.
استشهد قاشوش مارع، مخلفًا أربعة أولاد إحداهم مريم التي كنى نفسه على اسمها، وأصغرهم طفلة عمرها ستة أشهر، مخلفًا عبء الثورة والتصدي لنظام الأسد ومقاتلي “الدولة” والمفسدين من الجيش الحر، وتاركًا حملًا ثقيلًا لحاملي الأمانة من بعده.