عمر الحريري
أصدر رأس النظام، في 14 من تموز، مرسومًا تشريعيًا جديدًا حمل الرقم 12 لعام 2019 عدّل من خلاله المواد 10 و95 و113 من قانون “خدمة العلم”. رغم أهمية ما جاء في بعض فقرات هذا المرسوم، إلا أن غياب بعض الأوساط الحقوقية عن السياق الذي صدر من خلاله، وتركيز بعض وسائل الإعلام المحسوبة على الثورة السورية على إحدى فقراته “الهامشية”، أفقده الكثير من الأهمية التي يجب التركيز عليها في استمرار توثيق ما يرتكبه الأسد من التفاف وانتهاك لاتفاقيات “التسوية” التي باتت أمرًا واقعًا لا مفر منه.
في البداية، لا بد من توضيح السياق الذي صدر هذا المرسوم فيه. خلال العام الماضي ومع عقد أكثر من اتفاقية لـ “التسوية” في وقت قصير في الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي وجنوب سوريا، فُتح الباب مجددًا أمام عودة عشرات الآلاف من الطلاب الجامعيين المنقطعين عن دراستهم خلال السنوات الماضية، بحكم التحاقهم بالثورة أو وجودهم داخل مناطق سيطرة فصائل المعارضة، إذ إن اتفاقيات “التسوية” وضعت بندًا رئيسيًا يسمح للطلاب بالعودة لاستكمال دراستهم الجامعية. البند الذي التزم النظام به والتف عليه كالعادة.
وزارة التعليم العالي التابعة للنظام أصدرت قرارًا بتاريخ 21 من حزيران 2018، أجازت من خلاله للطلاب المنقطعين عن جامعاتهم منذ العام الدراسي 2010/2011 وحتى العام الدراسي 2016/2017 العودة لدراستهم، وهو ما التزم به النظام في “التسوية”، واستفاد عشرات الآلاف من الطلاب الجامعيين من هذا القرار، قبل أن تتكشف نوايا النظام السيئة بعدما تفاجأ الغالبية الساحقة من الطلاب برفض شعب التجنيد منحهم تأجيلًا دراسيًا بذريعة تجاوزهم لسقف السن القانونية للدراسة الجامعية، وهو الأمر طبيعي الحدوث لانقطاعهم لسنوات طويلة عن الدراسة. النظام سمح للطلاب بالعودة إلى الجامعة لكنه عاد وحرمهم منها برفضه منحهم تأجيلًا دراسيًا من الخدمة.
مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان أصدر، في أيار 2019، تقريرًا حول محافظة درعا جاء فيه على ذكر هذه النقطة والتفاف النظام على وعوده بإعادة الطلاب إلى جامعاتهم، وأشار المكتب إلى أنه وثق حالات لالتحاق عدد من الشبان بالخدمة في قوات النظام بعد فشلهم في الحصول على التأجيل الدراسي.
هذه النقطة بالذات، أشعلت الغضب لدى الكثير من الطلاب الذي قبلوا الانضمام لاتفاقية “التسوية” للاستفادة من فرصة استكمال دراستهم الجامعية. الغضب الذي كانت الأطراف المعارضة المفاوضة في اتفاقية “التسوية” تحتويه بإطلاق الوعود بحل هذه المشكلة قريبًا. صدر المرسوم الذي يُفترض به حل هذه المشكلة لكنه لم يحلها.
النظام كان مُطالبًا برفع السقف الزمني للعمر أو استثناء الطلاب المنقطعين منه أو إلغائه بشكل كامل، فاختار الحل الأمثل له من خلال رفع سقف العمر، وقام بتعديل المواد المتعلقة به، فأضاف عامًا واحدًا لطلاب المعاهد المتوسطة أو المدارس التي مدة دراستها ثلاث سنوات، وطلاب كلية الطب البشري فقط، بالإضافة إلى بعض التعديلات لطلاب الدراسات العليا وشهادات الدكتوراه. التعديلات تعتبر هامشية ومن المتوقع أن يستفيد منها عدد محدود جدًا من الطلاب، لا سيما أن الكليات التي تمتد دراستها على أربع وخمس سنوات، وفيها غالبية طلاب الجامعات، لم تشهد أي تعديل.
رغم محدودية الطلاب المتوقع استفادتهم من هذه الفقرة، إلا أن النظام قام بالتضييق عليهم مجددًا واستثنى “طلاب التسوية” منهم، بعدما وضع فقرة اشترط فيها أن يكون الطالب المستفيد من هذا المرسوم “مواظبًا على الدراسة ولم ينقطع عنها منذ دخوله سن التكليف”، المعادلة التي لا يحققها “طلاب التسوية” أبدًا.
تعديلات الأسد على فقرات التأجيل، لم تصب طلاب الجامعات وحدهم، لتطال كذلك المغتربين خارج سوريا، الذين يتعمد الكثير منهم الحصول على تأجيل لمدة عام، يتجدد كل عام، بحكم وجودهم خارج سوريا. الأسد حذف الفقرة “و” من المادة 10، التي كانت تجيز الحصول على تأجيل لمدة عام لكل “مواطن عربي سوري ومن في حكمه ولد في بلد أجنبي أو هاجر إليه وأقام فيه (قبل بلوغ سن التكليف) بصورة مستمرة وتحدد شروط ومدد تأجيلهم في النظام”، ليصبح المصير القانوني لهذه الفئة التي تشمل الملايين من السوريين مجهولًا.
ما تبقى من فقرات وتعديلات لهذا المرسوم لا تستحق الوقوف عندها، وهي كعادة الأسد في المراسيم التي يصدرها، حيث يتعمد إضافة ما لا يستحق الذكر لتغطية ما يستحق. فعلى سبيل المثال استبدل المرسوم عقوبة من يتأخر عن إجراء فحوص الإعداد للسوق دون عذر من غرامة نقدية تعادل راتبًا مقطوعًا لشهرين لجندي درجة أولى إلى ستة آلاف ليرة سورية. كما عدل عقوبة من يُساق دون بطاقته الشخصية من إضافة شهر واحد على خدمته إلى غرامة نقدية قيمتها ثلاثة آلاف ليرة سورية.
وسائل إعلام الثورة، وبشكل غريب استوقفتها إحدى الفقرات الواردة في المرسوم التي اعتبرتها بـ “التعديل الخطير”. الحديث عن إحدى النقاط ضمن الفقرة “أ” من “أولًا” من المرسوم، التي جاء فيها: “يجوز في زمن الحرب إلغاء التأجيل الدراسي لجميع المكلفين بقرار من القائد العام”. ورغم خطورة هذه الفقرة بكل تأكيد، إلا أن ما غاب عن وسائل الإعلام أنها ليست جديدة، بل كانت موجودة كذلك في المرسوم التشريعي 30 لعام 2007. رغم وجود هذه الفقرة ورغم حاجة الأسد الماسة للمقاتلين في صفوف قواته إلا أنه لم يستخدمها طوال السنوات الثماني الماضية، فهو وداعموه يعلمون جيدًا أن استخدام هذه الفقرة يعني إيقاف الحياة الجامعية والدراسية داخل سوريا بشكل نهائي وتهديد مصير الملايين من الطلاب الجامعيين الذين سيفقد السيطرة عليهم بشكل كامل، ويتسبب بخسارة ما تبقى من حاضنة أو مقيمين داخل مناطق سيطرته، بالإضافة لخسارته آخر ما تبقى لدولة الأسد من وجود.
في النهاية يجب أن نسأل، لماذا هذه التعديلات الآن؟ بالنظر إلى الفئات التي تستفيد من بعض فقرات هذا التعديل، تحديدًا طلاب كلية الطب البشري، ندرك أن النظام يبحث عن التمسك بخريجي كليات الطب في مناطق سيطرته، بعدما خسر عشرات الآلاف من الأطباء الذين غادروا إلى خارج سوريا خلال السنوات الماضية، بحث الأسد عن التمسك بطلاب السنوات الأخيرة من كلية الطب البشري لا ينفصل عن قرار إضافة سنة “امتياز” لطلاب اختصاصات الطب المقيمين في المشافي الحكومية، الذي صدر قبل عدة أشهر، ولاقى حينها الكثير من النقد من الأطباء المقيمين الذين اعتبروا أن النظام يحتكر عملهم لمصلحته بشبه المجان. ولعل الأسد يبحث عن إيصال رسالة إلى المجتمع الدولي بأنه يقدم الإصلاحات في قانون “خدمة العلم” بعد الكثير من النقد الذي طاله، معولًا على جهل بعض المؤسسات الحقوقية بتفاصيل التفاصيل لهذه المراسيم.
–