السوريون في درك نار اللجوء

  • 2019/07/14
  • 12:00 ص
محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

في جميع أنحاء العالم تتجه أوضاع اللاجئين نحو الأسوأ، ففي كل مكان يُنظر للاجئ كمشكلة يجب التعامل معها.

وليس المقصود هنا بـ “التعامل معها” التفكير المنطقي بضرورة معالجة مشكلة اللجوء من جذورها، وهو ما يعني دعم بلدان المنشأ ماديًا وسياسيًا لتحقيق انتقال ديمقراطي اقتصادي يقنع من يريد أن يهاجر بالبقاء. لا، بل المقصود بالمشكلة هو المهاجر اللاجئ ذاته الذي تحمل مشقة السفر وذل المهربين حتى يحصل على مكان آمن ما “هناك”.

وقد أثبت سلاح “التخويف من الغرباء” فعاليته في معظم دول العالم، ففي بلاد لا يوجد فيها لاجئون ونسبة المسلمين فيها تقارب واحدًا إلى ألف كسلوفاكيا والتشيك والمجر وغيرها، وصلت فيها أحزاب إلى السلطة على حملة كراهية للاجئين، فليس أسهل من تحميل الغرباء الذي لا يملكون غالبًا صوتًا يدافع عنهم، كل موبقات الدنيا وخطاياها.

وفي الدرك الأسفل من نار اللجوء، يقبع اللاجئون السوريون، فهؤلاء ليسوا فقط مشكلة اجتماعية لبلدانهم المضيفة، بل مشكلة أمنية أيضًا، فهم من بلد داعش وجبهة النصرة، وفي بلد كلبنان هم تهديد ديموغرافي سني، أما في تركيا فهم طرف سياسي وهزيمتهم مدخل لهزيمة أردوغان ذاته بنظر المعارضة.

خلال الأشهر الماضية، تصاعدت الحملات العنصرية ضد السوريين في لبنان وتركيا بشكل خاص، فلا يكاد يمر يوم إلا ويتحفنا جبران باسيل بتصريح ضدهم، حتى وصل الأمر إلى تكراره لنظريات الصفاء العرقي التي تركها النازيون منذ عدة عقود في أوروبا. ولعل العنصرية في لبنان هي من أكثرها سوءًا، فهي قادمة بشكل أساسي من طرف مشارك بشكل أساسي بتهجير السوريين.

في تركيا تبدو الأمور أكثر تعقيدًا، لسنوات فتح الحزب الحاكم حدود بلاده أمام السوريين، ليدخل ويخرج من شاء بلا حساب، في سياسة أطلق عليها أردوغان سياسة “المهاجرين والأنصار”، ولذلك بقيت أوضاع اللاجئين بلا مسمى قانوني واضح، ما فتح المجال لتسييس القضية وجعلها ميدانًا لمبارزات السياسة في بلد يعاني من استقطاب ليس له مثيل في العالم.

منذ عدة سنوات يتم التضييق على اللاجئين السوريين تدريجيًا، وفي ظل خطاب رسمي مرحب بهم ويتفاخر باستمرار بعدد المليارات من الدولارات التي أنفقها عليهم، كانت القوانين على أرض الواقع معاكسة لذلك، فلا يحصل السوري على إذن عمل في تركيا إلا بشق الأنفس، وهو ما يجعله عرضة للاستغلال من قبل أرباب العمل، وتفرض غرامات كبيرة على من يوظف سوريين بلا إذن عمل، ولا تتيح بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك) لحاملها السفر بين الولايات التركية بلا إذن مسبق. أما في ملف الجنسية فلا تخضع العملية لأي معايير واضحة، الأمر الذي تركها للتراشق السياسي الداخلي والشحن الإعلامي العنصري.

قد يلقي البعض باللائمة على السوريين في هذا الوضع، فنسبة قليلة جدًا منهم تعلموا اللغة التركية، وقليلون منهم أيضًا يلتزم بالقوانين التركية في حياته العامة، ولكن كيف له أن يفعل ذلك والسوري لا يملك وضعًا قانونيًا واضحًا يلزمه بحقوقه وواجباته.

لا يكفي كلما قيل أعلاه لتفسير هذا الهوس باللاجئين، هناك أزمة عنصرية في مجتمعاتنا مسكوت عنها، قد تكون اليوم في تركيا ولبنان ظاهرة تمامًا وإن لم تكن ترقى بعد لتكون موضوعًا عامًا. الاعتراف بالعنصرية ومعالجتها قد يكون مدخلًا مهمًا لتغيير الوضع القائم.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي