تعا تفرج
بعثي شيكار وبيكار
خطيب بدلة
ينص الخبر الذي نشرته صحيفة “عنب بلدي” على أن وزارة النقل السورية وضعتْ خطة لتغيير لوحات السيارات في سوريا، يستغرق تنفيذُها سنتين، وتكون اللوحة الجديدة خالية من أسماء المحافظات. هذا الخبر، بلا شك، يُسلي المواطنَ السوري أكثر مما يسليه نصف كيلو بزر بطيخ مُمَلَّح يتناوله بتمهل وهو يتفرج على غروب الشمس في نهار صيفي قائظ.. ويُفرح قلبَه أكثر مما تُفرحه إقالة جميل حسن وعلي مملوك ونضال الصالح.
أول ما وعينا، نحن السوريين، على هذه الدنيا الفانية؛ كنا نرى لوحة السيارة وهي تحمل رقمها الخاص، إضافة إلى كلمة “سورية” مكتوبة في أعلاها بخط صغير، فنفرح ونغتبط لأسباب عديدة، أولها أننا سوريون! وثانيها أن في بلادنا أناسًا أنعم الله عليهم فاستطاعوا أن يشتروا سيارات، ويركبوها، ويأخذوا معهم زوجاتهم وأولادهم لإجراء “كَزدورة” في ربوع سوريا التي تشبه الـ جَنَّاتْ عَ مَدّ النَظَرْ، على حد تعبير الموسيقار زكي ناصيف.. وثالثها أن هذا الوطن المعطاء أفرز لنا تيارًا قوميًا مزدهرًا قادَه حزبُ البعث العربي الاشتراكي الذي وعدنا بـ “وحدة” عربية جبارة لا تستثني من جغرافيتها الشاسعة جيبوتي وساقية الذهب وجبل طارق وجزر القمر، و”حرية” تبدأ من ضرب المواطن “عصايتين على طيزه”، وتصل إلى مستوى إذابته بالأسيد، و”اشتراكية” تجعل ثروات الوطن مشتركة بين بشار الأسد ورامي مخلوف وسامر فوز، بعد مسامحة العم رفعت بما سرقه هنيئًا مريئًا وصحتين على قلبه.
رابعها أن نموذج الرفيق البعثي كان ظريفًا إلى درجة أنه يعمل بطريقة شيكار بيكار، وقَرِّبْ يا حاجّي قَرِّبْ، ما في فاضي الكل مَلْيَانْ.. ويَصْلُح (أقصد البعثي) لإدارة الوزارات، والمؤسسات، والشركات الإنتاجية، والمرافئ البحرية، والمطارات، دون أن يكون حاصلًا على المؤهلات العلمية المطلوبة، ويستطيع أن يحصل على الدكتوراه، مثلًا، بعد حصوله على الإعدادية أو الثانوية، ويقدرُ على إزاحة أي شخص ذي كفاءات ومؤهلات عن كرسيه بتقرير أمني لا تزيد مساحته على مئة سنتمتر مربع… وحينما يتسلم هذا الرفيق البعثي المناضل المعطاء وظيفة ما، سرعان ما يُلِحُّ عليه هاجسُ التطوير والتحديث و”البَعْبَصَة”، ويبدأ التخبيص ساعيًا لتخليد اسمه في ساحات العزة والفخار.. فمرة يسمح بكتابة أسماء المطاعم والمحلات التجارية بالإنكليزية والعربية والفرنسية، ومرة يستيقظ عنده الحس العروبي فيأمر بمنع استخدام الحروف اللاتينية، وخلال إحدى سَكْرَاته يأمر بتغيير أسماء المدن والبلدات والقرى، وعندما يصحو يأمر بإعادتها إلى أسمائها القديمة، وأما لوحات السيارات فحدث عنها ولا حرج، إذ لا تمر سنتان أو ثلاث سنوات حتى يتفتق عقل وزير النقل أو العاملين لديه عن ابتكار لوحة أفقية، وبعد حين يجعلها شاقولية، وتارة يكتب عليها أسماء المحافظات، وتارة أخرى يقف خطيبًا ويقول إن هذا دليل تجزئة وتقسيم، هذا مع العلم بأن أسماء بعض المحافظات (المغضوب عليها) عندما تُكتب ضمن لوحة السيارة تجلب لصاحبها الذلة والمهانة والتفتيش الدقيق، بينما يبتسمُ عساكر الحواجز في وجه سائق سيارة تحمل اسم محافظة أخرى، ويعتذرون منه عن إيقافه، ويودعونه بالحفاوة اللازمة ويقولون له: أي والله.. شرفت وآنست يا رفيق.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :