مارغيت مايزنر حتى اللحظة الأخيرة 1922- 2019
منصور العمري
الاثنين الماضي فقدت الإنسانية رمزًا، والسوريون نصيرًا، وعائلة الناجين العالمية فردًا مؤثرًا.
مارغيت مايزنر، الناجية من الهولوكوست النازي توفيت قبل أيام في بيتها شمال واشنطن عن عمر ناهز 97 عامًا، بعد حياة طويلة حافلة بالمآسي والترحال والعمل من أجل الإنسانية والأجيال المقبلة.
قبل وفاتها بسنين، بدأت مارغيت الدفاع عن السوريين وحقوقهم بحياة كريمة، وأدانت إجرام نظام الأسد وسلطت الضوء على جرائمه. قبل أقل من عامين على وفاتها شاركت في افتتاح معرض سوريا بمتحف الهولوكوست بواشنطن، وألقت كلمة الافتتاح الخاصة بالمتحف.
جلستُ معها حينها لبضع دقائق وسألتني عن الأوضاع الأخيرة في سوريا، كان صوتها ضعيفًا ولكنه عميق، وكان جسدها مرهقًا ومثقلًا بخمسة وتسعين عامًا من الآلام والترحال والعمل، لكنها استمرت في الدفاع عن المظلومين، والحديث عن تجربتها المريرة في الهرب والنجاة من النازية لسنين طويلة لتقدم دروسًا لنا وللأجيال المقبلة عما يمكن أن يصل إليه الإجرام البشري وكيفية مواجهته. مارغيت واحدة من عائلة الناجين التي تضم كل من تعرض للظلم والتعذيب ونجا من الموت على أيدي الأنظمة المجرمة. رغم ذلك رحلت مارغيت حزينة لتقاعس المجتمع الدولي تجاه الشعب السوري، لكنها تركت لنا إرثًا وقدوة بضرورة العمل مهما طال المشوار أو تقدم بنا العمر.
شاركت مارغيت في أعمال الوقاية من الإبادة الجماعية التي قام بها المتحف، وفي عام 2014 سافرت إلى رواندا كجزء من وفد المتحف لإحياء الذكرى السنوية العشرين للإبادة الجماعية هناك.
في عام 2015 ألقت مارغيت كلمة المتحف في الكونغرس في أثناء عرض صور قتلى التعذيب على يد الأسد التي هرّبها المصور العسكري المنشق الملقب سيرز أو قيصر:
“اسمي مارغيت مايزنر، ناجية من المحرقة النازية ومتطوعة في متحف الهولوكوست التذكاري بالولايات المتحدة. أنا فخورة بعملي مع المتحف، أحد الراعين المشاركين لحدث اليوم من أجل لفت الانتباه إلى أزمة اللاجئين المأساوية في سوريا.
عندما سُئلت عن تأثير أزمة اللاجئين السوريين على ناجية من المحرقة النازية، أول ما تبادر إلى ذهني الصور الإعلامية المأساوية لآلاف السوريين الذين يكافحون من أجل النجاة، محاولين عبور الحدود إلى لبنان أو تركيا، أو صورهم في مساكن الخيام، التي أظهرت نفس اليأس الذي رأيته لدى ضحايا الهولوكوست في معسكرات الاعتقال النازية.
من المحبط للغاية، أنه بعد مرور 80 عامًا على نهاية الحرب العالمية الثانية، يواجه العالم مرة أخرى نظامًا يستهدف شعبه بالتمييز والتدمير. هذا النظام يمارس أعمالًا وحشية واسعة النطاق ويرتكب جرائم ضد الإنسانية. أحد الاختلافات الرئيسية هو أن تدمير اليهود في أوروبا كان سرّيًا، وأن العالم لم يكن يعرف ذلك، وأن التقارير القليلة الموثوقة التي تم تهريبها إلى الغرب في أثناء حدوثها، تم إهمالها لأن قتل الملايين بالغاز كان صعب التصديق. علاوة على ذلك، كانت سياسة الحلفاء الصارمة هي تجاهل الضحايا، فالأولوية لهم كانت كسب الحرب وبعد ذلك تقديم الجناة إلى العدالة.
من المؤكد أن الأزمة الإنسانية في سوريا ليست سرًا. فهي معروفة وموثقة على مدى السنوات الأربع الأخيرة من الحرب الأهلية. نعلم أن ما يقرب من نصف سكان سوريا فروا من ديارهم أو لجؤوا إلى البلدان المجاورة أو نزحوا داخل سوريا نفسها. إنها بكل المقاييس أكبر أزمة لاجئين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. مع ذلك، لم تحرك هذه المعرفة أوروبا أو الولايات المتحدة، أو الأمم المتحدة للاستجابة المناسبة للمعاناة الهائلة للمدنيين الأبرياء.
في نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما أصبحت حقائق المحرقة معروفة، اعتقدت أن مثل هذه الفظائع لا يمكن أن تحدث مرة أخرى. اعتقدت أنه لو شاهد العالم تصرفات النازية على شاشة التلفاز، كانوا سيوقفون هتلر، يا له من اعتقاد ساذج! منذ ذلك الحين، شهدنا الإبادة الجماعية في البوسنة، والإبادة الجماعية في رواندا والسودان، ووقفنا بلا حراك، لم نفعل شيئًا. والأسوأ من ذلك هو أننا لم نتعلم أي شيء منذ عشرين عامًا على وقوع هذه الكوارث، وهو ما يثبته تقاعسنا عن العمل في سوريا.
أدرك أن المشكلة السورية مرعبة لقادتنا. إن اتخاذ القرارات الصائبة وخلق استجابة فعالة يتطلب حنكة سياسية حقيقية تبدو شبه مفقودة في وقتنا. لحسن الحظ، هناك بعض المنظمات الخاصة وعديد من الناس بادروا بالعمل. عندما نرى وجوه الأطفال وأجسادهم الهزيلة، علينا إيجاد طريقة لتجاوز السياسة والاهتمام أكثر بالتعاطف والأمل الذي لا يزال موجودًا في عالمنا المثخن بالحروب”.
حياة مارغيت مايزنر
ولدت مارغيت في 26 من فبراير/ شباط 1922، في إنسبروك، بالنمسا، لعائلة يهودية. عندما كانت مارغيت طفلة، حصل والدها على وظيفة في براغ، وانتقلت العائلة إلى العاصمة المزدحمة. في عام 1938، خضعت النمسا للحكم النازي، وكان العنف ضد اليهود في ارتفاع. قررت والدة مارغيت أنه من الأسلم أن تغادر مارغيت براغ، فأرسلتها إلى المدرسة الثانوية في باريس بفرنسا حيث درست الخياطة. بعد مرور عام، انضمت إليها والدتها هناك. مع ذلك، لم يمضِ وقت طويل، قبل أن يلحق بهم التهديد الذي فروا منه في براغ.
في مايو/ أيار عام 1940، تلقت والدة مارغيت أمرًا من الشرطة الفرنسية بالذهاب إلى نقطة تجمع في الجنوب. قررت مارغيت إيجاد طريقة لإخراج نفسها ووالدتها من فرنسا. مع عدم وجود وسائل لمغادرة المدينة، اشترت مارغيت دراجة هوائية، والتحقت بحشود الفارين من باريس، وقطعت حوالي 30 كيلومترًا إلى مدرسة في بلدة إيتامب، حيث كان اللاجئون الآخرون يتجمعون. علمت هناك أن والدتها أُرسِلت إلى معسكر دي غور، وهو مركز اعتقال بالقرب من الحدود الإسبانية. ركبت مارغيت دراجتها وانطلقت في رحلة البحث عن أمها. كان توقيت مغادرتها جيدًا، فبعد وقت قصير قصفت القوات الألمانية المدرسة. في النهاية، تمكنت مارغيت من الحصول على تذكرة قطار جنوبا إلى قرية سالي دو بيرن قرب دي غور.
في يونيو/حزيران 1940، استسلمت فرنسا لألمانيا النازية. خلال الفوضى التي حلّت في الأسابيع التالية، تمكنت والدة مارغيت من مغادرة معسكر دي غور والانضمام إلى مارغيت في سالي دي بيرن. تسللتا معًا من مناطق فرنسا المحتلة إلى مرسيليا، ومنها هربتا إلى إسبانيا، فالبرتغال ثم إلى الولايات المتحدة.
مصادر
موقع متحف ذكرى الهولوكوست بالولايات المتحدة
ويكيبيديا
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :