أزمة نفطية مقبلة في سوريا ترسمها العقوبات الدولية

  • 2019/07/14
  • 12:00 ص

وزير النفط والثروة المعدنية، المهندس علي غانم، في زيارة إلى حقل التيم النفطي في دير الزور - أيار 2019 (وزارة النفط السورية على فيس بوك)

عنب بلدي – أحمد جمال

تترقب سوريا أزمة نفطية جديدة ترتسم ملامحها بعد العقوبات الأمريكية والأوروبية المتزايدة على سوريا، التي أغلقت أبواب الدعم الإيراني، إلى جانب إجراءات داخلية تعطي مؤشرات أزمة متوقعة.
وتعاني حكومة النظام السوري من ضغوط اقتصادية متزايدة، بعد عقوبات تفرض حصارًا دوليًا من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية.

مع خسارة معظم مصادر النفط شرقي سوريا، وإغلاق منافذ التوريد الدولية القادمة من إيران، باتت الحكومة عاجزة عن تأمين الاحتياجات النفطية بجميع مشتقاتها إن كان داخليًا أو خارجيًا.

ومن المتوقع أن ترخي الأزمة المقبلة بظلالها على جميع القطاعات في سوريا، لا سيما الصناعية والزراعية والنقل والتدفئة، لتنعكس نتائجها على الشعب السوري مع غياب البدائل والحلول، خاصة أن التصريحات الرسمية تعزو جميع الأزمات إلى العقوبات الدولية على سوريا، بحسب ما قال معاون وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري، في حديث إلى عنب بلدي.

مؤشرات أزمة مقبلة

تشير المعطيات الحالية إلى أزمة مضاعفة تنتظر مناطق سيطرة النظام السوري، مع تزايد العقوبات الدولية على سوريا وإيران، بعد أزمة خانقة سجلتها هذه المناطق خلال موسم الشتاء الماضي.

أدت العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا وإيران إلى خسارة المنافذ البحرية إلى سوريا، مع إيقاف الناقلة “غريس 1” الإيرانية في مضيق جبل طارق، في تموز الحالي، بعدما كانت متجهة إلى سوريا، وإلى تهديد الطرق البرية الواصلة إلى سوريا، وتوقف الخط الائتماني الموقع بين دمشق وطهران.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، في آذار الماضي، حذرت مجتمع شحن البترول البحري من نقل شحنات إلى النظام السوري في سوريا، ونشرت قوائم بأسماء السفن التي عملت على ذلك منذ عام 2016، بحسب بيان من مكتب الشؤون العامة لوزارة الخزانة الأمريكية، جاء فيه أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابعة لوزارة الخزانة (OFAC) قام بتحديث تحذيره إلى مجتمع شحن البترول البحري لإلقاء الضوء على المخاطر المرتبطة بنقل شحنات النفط إلى سوريا.

كانت إيران تمد النظام السوري بالمحروقات بموجب عقود ائتمانية بلغت ثلاثة عقود بدأت في 2013 بخطين قيمة الأول مليار دولار والثاني 3.6 مليار دولار، وثالثها وُقّع في كانون الثاني 2017 بقيمة مليار دولار.

توقف الخط الائتماني الثالث أواخر عام 2018 بسبب العقوبات، بحسب مدير عام شركة المحروقات (سادكوب) التابعة لوزارة النفط في حكومة النظام السوري، مصطفى حصوية.

وقال حصوية في مقابلة مع قناة “الإخبارية السورية”، في 13 من نيسان 2019، إن الخط الائتماني الإيراني الموقع مع الحكومة لتوريد النفط الخام من إيران إلى سوريا، متوقف منذ 20 من تشرين الأول الماضي.

وأوضح حصوية أن إيران كانت تورّد إلى سوريا ميلوني برميل نفط شهريًا، ووصلت الكمية إلى ثلاثة ملايين برميل في بعض الأشهر، لكن منذ ستة أشهر لم تصل إلى سوريا أي ناقلة نفط من طهران.

وتبع ذلك تصريح لمسؤول في وزارة النفط السورية نقلته صحيفة “تشرين” الحكومية، في 26 من أيار 2019، اعتبر فيه أن عودة الخط الائتماني الإيراني إلى سوريا لن تكون قريبة، وستشكل عودته انفراجًا كبيرًا في الأزمة الراهنة.

وبحسب تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، في آذار 2019، فإن إيران لم تتمكن من إيصال النفط إلى سوريا منذ كانون الثاني 2019، وفقًا لبيانات مزودي الخدمات البحرية، بعد أن كان ما يصل من النفط الإيراني إلى سوريا يبلغ نحو 66 ألف برميل يوميًا حتى نهاية عام 2018.

وكان رئيس الوزراء السوري، عماد خميس، قال في نيسان 2019 إن “القوات الأمريكية الموجودة في البحر المتوسط أعلنت أن كل ناقلة متجهة إلى سوريا هي هدف لنيرانها، بالتوازي مع منع ومراقبة ومعاقبة الأفراد والطواقم والسفن والتشدد في منع التحويلات (…) إجراءات جعلت استيراد سوريا للنفط ومشتقاته أمرًا صعبًا جدًا”، بحسب ما نقلت عنه وكالة “سبوتنيك”.

إجراءات استباقية

ولتفادي أزمة شتوية متوقعة، نقلت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، عن مصدر في شركة “محروقات”، في 27 من حزيران الماضي، قوله إن الشركة ستوزع مادة مازوت التدفئة على المواطنين في جميع المحافظات بدءًا من شهر آب المقبل، أي قبل أشهر من فصل الشتاء، مع تخصيص كميات يومية محددة للسرافيس، واصفًا مخزون المازوت بـ”الجيد”.

وفي إجراءات متلازمة مع الأزمة، رفعت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في سوريا في حزيران الماضي، أسعار البنزين غير المدعوم لتعادل سعر البنزين العالمي، مع بقاء أسعار المحروقات المدعومة على أسعارها السابقة، ليصبح سعر ليتر البنزين “أوكتان 90″، غير المدعوم 425 ليرة سورية، بدلًا من 375، بينما خُفّض سعر البنزين “أوكتان 95” إلى 550 ليرة سورية بدلًا من 600 ليرة.

ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) حينها، عن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عاطف النداف، قوله إن سعر البنزين غير المدعوم سيُعدل شهريًا وفق السعر العالمي (أي سعر التكلفة زائد المصاريف) وبناء عليه سيتم رفع سعر ليتر البنزين غير المدعوم.

وتعتبر الخطوة أولى مراحل رفع الدعم عن سعر البنزين وبيعه بالسعر العالمي الذي يبلغ متوسطه 1.14 دولار، أي ما يعادل 621 ليرة سورية، في خطوة لجمع سيولة مالية، لا سيما بعدما أعلنت الحكومة أنها بحاجة إلى 200 مليون دولار أمريكي شهريًا من أجل تأمين المحروقات، بحسب مانقلت “الوطن” عن وزارة النفط في تشرين الأول الماضي.

محاولات لـ “ترقيع” الأزمة

معاون وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري، يرى أن النظام يسعى لتعويض مصادره عبر حلول جزئية تتمثل بالنقل البري من الدول المجاورة، وذلك باحتمالية تصدير النفط العراقي عبر سوريا، بعد أنباء عن دراسة عراقية كشف عنها رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، في مؤتمر صحفي، في 10 من تموز الحالي، لتصدير النفط العراقي عبر الموانئ السورية والأردنية.

وأضاف المصري، في حديث إلى عنب بلدي، أن هناك معلومات عن توريد النفط الليبي إلى النظام السوري عبر لبنان، بمبادرة روسية إيرانية مقابل دعم قوات “الجيش الوطني” الليبي، التي يترأسها خليفة حفتر، بالسلاح، وهذه حلول يسعي إليها حلفاء الأسد للالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، بحسب قوله.

لكن تلك الاحتمالات لا تشكل نسبة 5% من حاجة السوق السوري من النفط، إلى جانب ارتفاع تكاليف النقل البري وهذا ما سينعكس على ارتفاع أسعار النفط، إلى جانب التهديدات الأمريكية التي ستطال قوافل النقل البرية من الدول المجاورة، ما يقلل احتمالية وصولها إلى سوريا وخاصة من ليبيا، وفقًا للمصري.

ومع خسارته معظم مصادره النفطية في سوريا، تشكل المنطقة الشرقية أملًا كبيرًا للنظام لسد الحاجات النفطية عبر استئناف التوريد في الوقت الحالي، نظرًا لقربها وسهولة نقلها، وهذا ما أكدته وزارة النفط السورية في أيار الماضي.

وقال مصدر مسؤول في الوزارة صحيفة “تشرين” الحكومية، حينها، إن الحل الأمثل للأزمة النفطية عودة النفط من الشمال السوري، عبر استئناف توريد المشتقات النفطية ضمن العقود الموقعة سابقًا، والتي أعاقت وصولها العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، لافتًا إلى أن العقود الموقعة تكفي لعامين في حال استؤنفت، بحسب وصفه.

لكن المصري يرى أن توريد النفط من مناطق “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا إلى مناطق النظام ليس ممكنًا مع وجود العقوبات والضغوط الأمريكية، خاصة وأن واشنطن تدعم مناطق شرق الفرات على الصعد العسكرية والسياسية، وحذرت مرارًا من تهريب النفط إلى النظام إلى جانب استهدافها صهاريج محملة بالنفط في طريقها إلى الأخير.

وسبق أن نفى الناطق الرسمي باسم “وحدات حماية الشعب” (الكردية) المكون الرئيسي لـ“قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، نوري محمود، ما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن “الوحدات” في شمال شرقي سوريا تبيع النفط لإيران، إذ قال في تغريدة له على موقع “تويتر”، في كانون الثاني الماضي، إنه لا صحة للمعلومات التي تتحدث عن بيع النفط إلى إيران.

وأضاف نوري محمود أن النفط ضمن مناطق سيطرة “قسد” في شمال شرقي سوريا، يستخرج للاستهلاك المحلي اليومي، ولأغراض منزلية، وذلك بسبب عدم توفر مصاف لدى “قسد”.

وانخفض إنتاج النفط في سوريا إلى نحو 14 ألف برميل يوميًا خلال الفترة الأخيرة، بعد أن كان الإنتاج اليومي قبل عام 2011 يقدر بـ 400 ألف برميل، يتم استهلاك أكثر من نصفها داخليًا ويتم تصدير النصف الآخر، بحسب الإحصائيات الحكومية الرسمية.

مقالات متعلقة

  1. دون رصاص.. المحروقات عقوبة للأسد أم حصار للسوريين
  2. واشنطن: الأسد يمول الميليشيات ويجوّع السوريين
  3. أمريكا تحدد شرطًا أساسيًا لرفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا
  4. وزارة النفط تعد بانفراج أزمة المحروقات في سوريا

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية