“سعد الله الجابري”.. وسط حلب وتاريخها مطوّقان بالبعث
عنب بلدي – نور عبد النور
بين مقر “حزب البعث العربي الاشتراكي” الرئيسي في مدينة حلب ونادي ضباط حلب، يفقد المناضل الوطني، سعد الله الجابري، ملامح سيرته، ويتحول إلى مجرّد “ساحة” عامة، محاطة بعناصر الميليشيات الموالية لقوات النظام، أو مكان مناسب لإقامة احتفالات “الصمود والمقاومة”، ومساحة تتسع لصور أكبر للأسد.
تعبّر ساحة سعد الله الجابري جغرافيًا عن “وسط المدينة” العريق، وثقافيًا عن سيرة نضال أحد أبرز رجالات السياسة الحلبيين في تاريخ سوريا الحديث، لكنها لم تعد تمثّل اليوم إلا تكريسًا لولاء المدينة للأسد.
إذ ظلّت الساحة خلال سنوات سيطرة فصائل المعارضة على أحياء حلب الشرقية، بين عامي 2012 و2016 هدفًا متكررًا لهجمات تلك الفصائل، يعني الوصول إليها اختراق ثاني أكبر مدن سوريا، والعاصمة الاقتصادية.
اليوم، وبعد مرور عامين ونصف على خروج فصائل المعارضة من أحياء حلب الشرقية، تُقام في الساحة فعاليات عدّة، مرتبطة بحكومة النظام أو قواته أو الميليشيات الرديفة لها، كاحتفالية نصب “I Love Aleppo” التي رعتها وزارة السياحة في أيلول 2017، ومؤخرًا احتفالية يوم القدس العالمي برعاية فرع حزب البعث في بداية حزيران الماضي.
“احتلال” على مرأى الجابري
ومن أبرز الاحتفالات التي شهدتها الساحة، تلك التي أقيمت في الذكرى 73 لـ “انتصار الجيش السوفييتي على القوات النازية في الحرب العالمية الثانية”، في 5 من أيلول 2018، حين حضر الجنود الروس إلى جانب قوات النظام، على وقع الأناشيد الروسية، وهتافات “الحشود” تعبيرًا عن “شكر الشعب السوري لروسيا وامتنانهم لها في ظل الدعم المطلق الذي تقدمه لتعزيز صمودهم”.
يعبّر ذلك الحفل عن تكريس الوجود الروسي في سوريا والاحتفاء به، بينما تشهد المراجع التاريخية لصاحب اسم الساحة على نضاله في رفض الاحتلال، إذ قاوم سعد الله الجابري (1893 ـ 1947)، الوجود الفرنسي منذ عام 1919 حتى جلائه عن سوريا، وسجن مرات عدة، واضطلع بدور رئيس الحكومة مرتين في عامي 1944 و1946، وفق المؤرخ محمد الجوادي.
ورغم أن الجابري كُرّم عقب وفاته عام 1947، ومُنحت سيرته النضالية احتفاءً واسعًا، لكنّ ذلك الاحتفاء لم يدم في فترة ما بعد البعث، فبينما مُنحت كبرى ساحات حلب اسمه، لم تكن صورته معروفة بالنسبة لجميع أهالي المدينة.
إذ تزخر الصور المأخوذة للساحة منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي حتى اليوم، بصور الأسدين، الأب والابن، ما يغيّب عن المشهد التمثال الصغير الذي يجسّد الجابري في طرف الساحة.
العقدة بين الشرق والغرب
لم تفلح فصائل المعارضة خلال سيطرتها على أحياء حلب الشرقيّة بالوصول إلى “ساحة سعد الله الجابري”، بشكل فعليّ، رغم أن مواقعها لم تكن تبعد عن الساحة أكثر من 2.5 كيلو متر بحسب مؤشرات “خرائط جوجل”، بل بقيت الحدّ الفاصل بين القوتين العسكريتين.
وظلّت الساحة ذات الـ 170 مترًا مربعًا العقدة بين غرب حلب وشرقها، إذ يقع إلى الغرب منها حيّ الجميلية وما بعده حيث الأحياء الحديثة من المدينة كالسبيل وشارع النيل والفرقان، أما في الشرق والجنوب الشرقي فيؤدي شارع الوليد إلى سوق الهال وشارع باب أنطاكيا وصولًا إلى قلعة حلب.
وإلى جانب موقعها، كمدخل إلى الأحياء الغربية، برزت أهمية الساحة بالنسبة لفصائل المعارضة نظرًا لثقل المقرات الحكومية والأمنية المحيطة بها، فتعرّضت لاستهدافات عدّة، كان أبرزها تفجير ثلاث سيارات مفخخة استهدف نادي ضباط حلب في تشرين الأول 2012، وأودى بحياة نحو 35 شخصًا، وتشوّهت على إثره معالم النادي والفندق السياحي المجاور له، إضافة إلى تضرر الساحة.
وكانت وعود المعارضة بالوصول إلى الساحة ضربًا من الحرب النفسية تجاه موالي النظام، ولعلّ أبرز تلك الوعود ما جاء على لسان الداعية السعودي عبد الله المحيسني، الذي ظهر من خلال تسجيل مصوّر نُشر في آب 2016، متجولًا في أحياء حلب الشرقية، ومتوعدًا أن خطبته المقبلة ستكون من ساحة سعد الله الجابري.
ورغم فكّ العقدة بين الشطرين الحلبيين، مع سيطرة النظام على كامل مساحة المدينة عام 2016، بقي ما شرق الساحة مختلفًا عما غربها، وتشهد على ذلك أكوام الدمار القائم حتى اليوم، والذي يتراءى مباشرة لعابري “سعد الله الجابري” نحو الشرق.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :